إهداء كتاب “القوش السلام” من الكاتب غانم حنا بولص لقناة عشتار الفضائية      شهادة وتقدير من المرصد الآشوري لقناة عشتار الفضائية      حراسة الكنائس في سوريا بين الترحيب والرفض      البطريرك المسكوني برثلماوس يلتقي ترامب لبحث أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط      ‎قداسة البطريرك مار افرام الثاني يطلق إكليريكية مار يوحنا للدراسات اللاهوتية      قداسة البابا لاون الرابع عشر يهنيء البطريرك ساكو بعيد شفيعه      غبطة البطريرك يونان يعفي الطلاب السريان (الكاثوليك والأرثوذكس) المسجَّلين في مدرسة ليسيه المتحف ومدرسة دير الشرفة من الأقساط للعام الدراسي القادم 2025-2026، للسنة السادسة على التوالي      وفد قيادي مشترك من حزب سورايا وحرس الخابور يزور مقر المنظمة الآثورية الديمقراطية      في زيارة لدير مار اوراها بنينوى.. الدكتور رامي جوزيف: "إنجازنا اليوم رسالة أمل للعائدين"      الجيش الألماني ضمن التحالف يزور مطرانية القوش للكلدان      توضيح من المتحدث باسم حكومة كوردستان بشأن قضية الرواتب والنفط      أميركا تدرج 4 فصائل عراقية على قوائم الإرهاب      نقلة نوعية في علاج السمنة: دواء جديد عن طريق الفم وبلا شروط غذائية      الادعاء العام الأميركي يسعى إلى إعدام المشتبه فيه باغتيال كيرك      خبر يزعج ماسك.. منافس روسي لـ"ستارلينك"      الأرض تكشف عن "قمر خفي" جديد.. يتبعها منذ ستة عقود      واقي الشمس ليس رفاهية.. تجاهله يترك أثرا خطيرا      8 أهداف في شوط واحد.. تعادل مثير بين يوفنتوس ودورتموند      البابا يندد بإجبار سكان غزة على النزوح       "سومو": استمرار الجهود للوصول الى اتفاق نهائي يتيح استئناف التصدير من إقليم كوردستان
| مشاهدات : 875 | مشاركات: 0 | 2021-03-05 10:10:00 |

البابا فرنسيس في العراق، "يا محبّي الله اتّحدوا!"...

المطران د. يوسف توما

 

 

يحكى أن الزعيم الشيوعي جوزف ستالين (1878 - 1953) خلال حكمه لأكبر مساحة عرفتها البشرية أراد أن يحقق الالحاد المطلق، فقضى على 95% من مظاهر الدين وفكر مثلا بتدمير كاتدرائية القديس باسيليوس في ساحة الكرملين، لكنه تراجع لجمال فنّها وهندستها وهي رمز لروسيا، وقد سبقه في هذا الجنون الثوار الفرنسيون (1789)، ودول كثيرة كرّرت ذلك حتى شاهدنا أخيرا ما تركته الدولة الإسلامية حيثما حلت، إذ فجّرت في الموصل مرقد النبي يونس والجامع الكبير والكنائس التي وقعت تحت سيطرتها التي لم تدم سوى ثلاث سنوات. مع ذلك، بالرغم من هذا الجانب العنيف المدمّر في كل مكان، تقابل لدى البشر محاولات عميقة لقراءة معنى وجودنا على الأرض وفهم تعدّد الإجابات على سر وجودنا في كل منطقة وعصر.

التاريخ إذن يتكرر عبر محاولات البعض لربط النتف التي لدينا من المعنى فيأتي بعضهم بالقوّة والبعض الآخر بالتبشير والاقناع، صراع الأديان لم يختلف كثيرا عن الإيديولوجيات التي سادت القرن 19 الذي قرأ الدنيا من منظور اقتصادي فقط فقال كارل ماركس (1818 - 1883): "يا عمّال العالم اتّحدوا"، ولبى النداء عدد هائل وسادوا حوالي قرنين لكنّهم تجمّدوا وتحاربوا  وانهارت أنظمتهم أو تركَت، فلم يعد أحد يسمع النداء أو يتحرّك له.

في الربع الأخير من القرن العشرين حدث تجمّع فريد لم يسبق له مثيل، كان ذلك يوم 27 تشرين الأول من عام 1986 في مدينة أسيزي في إيطاليا، حيث اجتمع ممثلو جميع الأديان، صغيرة وكبيرة، بدعوة من البابا يوحنا بولس الثاني (1920 - 2005) لينعش ذاكرتهم إزاء جذورهم، كان تجمّعًا غريبًا لم يسبقه مثيل، لكنه سيتكرر مرات عديدة (1993، 2002، 2011 و 2016)، قال كل المؤمنين الحاضرين بدون تمييز: "يا مؤمني العالم اتحدوا" من أجل السلام، كانت بداية توجّه غير مسبوق إذ رأت الأديان أن عليها أن تخرج من قوقعتها المذهبيّة والمحلية وتعطي شهادة للجوهر الذي فيها والذي تسعى إليه، فالله اسمه "سلام"!

إن زيارة البابا فرنسيس لأور الكلدانيين، هي بالأحرى حجّ إلى بيت إبراهيم "أبي المؤمنين"، يدخل ضمن استلهام روح أب مشترك لأديان سادت الكرة الأرضية، وهي مسؤولة عن بشاعات كثيرة وتعرض كل منها لهزات هائلة صارت تهدّد وجودها: في الغرب ترك واضح للإيمان وتراجع للتديّن إما باللامبالاة أو بالإلحاد المكشوف الذي ضرب بقوة أسس تديّنهم، وفي الشرق خُطِف الدين وحُرّف على يد المذاهب والإرهاب فاختفى وجهه تحت غطاء مشوّه بحيث نسيت الناس أن قلبَ الدين هو بحث عن وجهه الكريم.

البابا فرنسيس إذن لا يسعى إلى التقارب مع بعضنا البعض كأولوية وإنما إلى التقرّب من نبع أصيل حركه شخص واحد، حين أعطى لكلمة "إيمان" معنى آخر، وهذه الكلمة أصابها التشوّه والنسيان، فالتقاليد التي تناقلها الناس عن إبراهيم تشدّد على أنه غيّر التدين إلى إيمان. أي إنه لم يكتفِ بالعبادة والصلاة عن مصلحة كما يفعل الجميع، ولكنه وضع رمزية شديدة العمق لدينا في الشرق خصوصا، قال لربه: "لو خيّرتُ بين طفلي ومستقبلي وبينك لاخترتك أنتَ"، إنه سيد محبّي الله، وجميع المتصوّفين والقديسين والأولياء وكل من بذل وضحّى ومات من أجل "الآخر"، الذي ليس مجرد فكرة بل "شخصا" يحاول أن يعرفه كما عرفه ابراهيم.

يذكرنا البابا فرنسيس بأن استلهام إبراهيم يضعنا أمام مسؤولية للتخلص من تشوهات طرأت علينا جميعا عبر الزمن فنسينا الجوهر. لذا يكرر: "يا محبي الله اتحدوا"، وهي من جديد خارطة طريق للقرن الحالي الذي اتسم بالعنف والكراهية. إنها محاولة استعادة للجوهر ووضع النقاط على أحرف نسيناها وهي الأجمل في تراث الايمان. بلا مقارنة مع بعضنا ولا تفضيل، فالجميع أخطأ وأساء وخان الأمانة، لكن يبقى إبراهيم "أبا للمؤمنين"، لأنه وضع الله في موقف تحدّ لكل المحبّين الأصلاء فسمّي ذلك "عهدا" وأصبح هو "خليلا". إذ لم يعد الرب الإله سوى "خليل" وصديق لإبراهيم ونسله، اشتراهم بسخاء الايمان وجعل الله يقسم بعهده مع صديقه: أنا إله إبراهيم واسحق ويعقوب... لقد فهم كتّاب الأسفار المقدسة الأوائل أن مسار الإيمان سيظل موازيا لمسار التديّن وأشكاله المتنوّعة. وسيقوم دائما، في كل عصر من يصفي الدين ليستخرج منه (شذرات pépites) الإيمان هذا الذهب الذي، ولو بكميات قليلة يكفي لكل جيل من الأجيال الصاعدة ولهذا يتحدّى المسيح المستقبَل عندما يقول: "عندما يأتي ابن الانسان هل يا ترى سيجد إيمانا على الأرض؟" (لوقا 18: 8) لم يقل "ديانة"، إنما "إيمانا" وهذا لعمري أكبر تحدٍ لنا جميعا: هل عندي إيمان؟ أم أنا استخدم الله لمصلحتي فقط؟

سيقف البابا فرنسيس في أور مع ممثلي الأديان (من جميع المكوّنات) على أرض قدّسها إيمان إبراهيم وسيقولون: يا رب زدنا إيمانا بك مثلما كان لإبراهيم فننسى مشاكلنا وتقلباتنا وصراعتنا وكراهيتنا، ساعدنا أن نكون أولادا أصلاء لأبي المؤمنين. آمين.

كركوك 4 آذار 2021   










أربيل - عنكاوا

  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    [email protected]
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2025
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.6390 ثانية