((كل ذلك يأتي مع الكروموسومات (الوراثة ) فكلنا ملائكة وكلنا قتلة ))
من المعروف انه عندما يواجه المعنييون بتصنيف الامراض حالة مرضية يصعب وصفها وتحديدها وبيان اسبابها يصبح من العسير عليهم ايجاد مصطلح واحد يتفقون عليه للتدليل على مثل هذه الحالة المرضية وهذا هو حادث بشأن تلك الصفات والمظاهر التي يشملها المصطلح المتداول بالشخصية السايكوباثية والسلوك السايكوباثي ومنذ ان اصطلح تعبير السايكوباثية وحتى الان تداول الباحثون العديد من المصطلحات في محاولة منهم للأحاطة بمختلف جوانب هذا السلوك ومن هذه السايكوباثية التكوينية – النقص التكويني السايكوباثي - السايكوباثية الاجتماعية –الشخصية الاجتماعية المعادية –الجنوح الاخلاقي –سايكوباثية التعدي وغيرها من المصطلحات ومع ان الشخصية السايكوباثية والسلوك السايكوباثي هما المصطلحان الاكثر استعمالا الا ان هناك اتجاها نحو استعمال السايكوباثية الاجتماعية كمصطلح بديل لما فيه من دليل على ان السلوك السايكوباثي في معظمه يتجه نحو الضرر والايذاء الاجتماعي ( ومهما كان المصطلح المستعمل او البديل فأن من الواضح لايمكن ان يفي تماما بمفهوم هذه الحالة المرضية التي لاتتوافق مع النماذج الطبية المعروفة لا من حيث معرفة الاسباب او العلاج او مسيرة المرض وصيرورته كما وانه على خلاف ما هو الحال في معظم الامراض الاخرى تقع في المجال الطبي ((لا بارادة المريض وسعيه للعلاج وانما تدفع الى هذا المجال دفعا بارادة المجتمع سواء كان ذلك المدرسة او البيت او رغبة القانون )).
ومحاولة تعريف هذه الحالة تعكس واقع الصعوبة التي اشرنا اليها في امر تحديد الحالات التي يمكن ان تشملها المصطلحات المختلفة وقد نشأت بسبب هذه الصعوبة مجموعة من التعاريف يتجه كل تعريف منها الى تأكيد ناحية او اخرى من نواحي السلوك السايكوباثي وفيما يلي نورد بعضا منها دون التطرق الى اقامة التفاصيل بينها . السايكوباثية هي اضطراب مستمر ينجم عنه عنف غير طبيعي او سلوك خطير لايتسم بالمسؤولية –وانه تلك الشخصية غير الطبيعية ممن تعاني من انحرافها او تسبب المعاناة لمحيطها – او ذلك الشخص المضاد للمجتمع . وسريع الاندفاع وعديم الشعور او قليل الشعور بالندامة والأثم . والعاجز عن تكوين علاقة دائمة من المودة مع غيره من الناس. او ذلك الاناني الذي لايعرف احد سبب انانيته ان السايكوباثية حالة تتوفر فيها مظاهر اربع :-
اولها :- عدم وجود مرض عقلي او تخلف عقلي.
ثانيها :- طول مدة المعاناة للحالة .
ثالثها :- اتسام السلوك بالعنف والتعدي وعدم المسؤولية .
رابعها :- هو اضطرار المجتمع للأتخاذ اجراء ما لمواجهة هذه الحالة.
ومن التعاريف الطريفة حقا الواردة ان تشخيص حالة ما بانها سايكوباثية – ابتكار اجتماعي لتحويل المذنب بحق الغير الى العلاج في المجال الطبي بدلا من اعتباره مذنبا يستحق العقاب
والى جانب هذه التعاريف تعاريف اخرى تبلغ من العدد ما يساوي عدد المعرفين لها . وفي هذا التعدد دلالة واضحة وصريحة على صعوبة حصر السايكوباثية في صورة سلوكية واحدة وهكذا جاءت التعاريف تؤكد صورة او اخرى من الصور العديدة لهذه الحالة التي ما زالت اسبابها كحدودها غامضة ...!!!
سمات السايكوباثية
من الواضح مما اوردناه من تعاريف مختلفة للحالة السايكوباثية بانه لاتوجد سمة واحدة ثابتة ومميزة وتكفي لوحدها لتشخيص الحالة وان كان هنالك من يؤكد سمة معينة في السلوك السايكوباثي للتدليل على وجودها كالسلوك المضاد للمجتمع او عدم النضوج العاطفي او فقدان التبصر او العبثية او الانانية او النشاز الاجتماعي او الابداعية والنظر في جميع هذه الصفات المفردة يفيد بان الخروج على القاعدة الاجتماعية في السلوك هي السمة الاكثر ظهورا في الحالة السايكوباثية غير ان هناك مجموعة كبيرة من السمات التي يتصف بها السايكوباثيون وهي لاتظهر بكاملها او بدرجة واحدة في جميعهم وامعان النظر في السمات السلوكية لعدد كبير من السايكوباثين يفيد بوجود خصائص تميز سلوكهم عن غيرهم في بعض النواحي ومن اهم الخصائص العامة (عدم مقدرة السايكوباث على التحكم بدوافع سلوكه ) وعدم توفر الوازع الضميري بما يكفي للشعور بلأثم والندم على تصرف مخل بالنواميس والمثل الاخلاقية للمجتمع الذي ينتمي اليه ويرتبط هذا النقص بامتناع الحالة على العلاج سواء كان ذلك بالترحيب او الترغيب وبالمكافأة أوالعقاب والى جانب هذه السمات العامة والمشتركة تتوفر صفات فردية خاصة تربو على الصفات العامة بكثير (وهي تختلف عددا وقوة بين سايكوباثي واخر ) كما انها قد تظهر في المريض الواحد بين فترة واخرى. ومن اكثر هذه السمات وضوحا السطحية في العلاقات العامة والعجز عن اقامة علاقة صحيحة وثيقة ودائمة حتى مع شخص واحد والسعي الى استغلال الآخرين اما بالتحايل او الابتزاز او التواكل او التطفل وفقدان الخجل والشعور بالعيب وانعدام التحسس بالنخوة او الشرف وفقدان القابلية للتعاطف مع الاخرين او الشفقة عليهم كما تنقصهم المقدرة على التفكير المنطقي المتواصل والتبصر في الامور من حيث اسبابها ونتائجها واتخاذ الاهداف الجادة والمعقولة والسعي الى تحقيقها بالطرق الاصولية وهم على العموم سريعي التأثر والانفعال . يتصرفون برعونة وغطرسة ولايحترزون بالاحترام والتقدير حيث يجدر بهم ذلك ويندفعون بدون ضوابط للتعدي على الغير او الاشياء وبدون مبرر غير ما يعرض لهم من نزوة عابرة او متعة آنية او اثارة عارضة او حتى بدون سبب غير ممارسة القسوى والآذى .(واذا كانت لهم بعض الكبرياء فهي كبرياء منحرفة مريضة ) تخدم غرض التباهي والتفاخر في المقدرة على الحاق الاذى والافلات من العقاب وتكثر في السايكوباثية اعراض عدم الاستقرار والالتزام في المجال البيتي والمدرسي والحياة العامة كالتخلف او التعثر في الدراسة وفقدان الطاعة والانتظام العائلي والمشاكسات والخروج على القانون في مجال الحياة العامة مما قد يجلب صاحب السلوك الى مواجهة القضاء ومثل ذلك يحدث ايضا في مجال العمل كالتغيب والتمارض وتجنب المسؤولية ودفع العمل على الاخرين اضافة الى اضطراب العلاقة على مستوى او اكثر من مستويات العمل والادارة والعلاقات الشخصية ( كما يلاحظ في الكثير من الحالات بعض مظاهر القصور في النمو العاطفي والاتجاه نحو الانحراف والشذوذ في مجال الحياة الجنسية وتعاطي المشروبات والمقامرة والتعود على العقاقير والادوية.
ان السمات التي اوردناها لاتجمع كل ما يتصف او يمكن ان يتصف به السايكوباث غير ان من الواضح ان هذه السمات تمثل في مجموعها خروجا واضحا على كل ما مألوف ومقبول في المجال الاجتماعي مما يجعل الصفات ممجوجة من قبل المجتمع وتجعل من السايكوباث عبثا ثقيلا على المجتمع يسعى للتخلص منه بكل وسيلة ممكنة وبالنظر لأن خصائص السايكوباثية ترد في حياة الفرد منذ سن مبكر وتلازمه زمنا طويلا فهي لذلك تسبب اضطرابه في مجالات واسعة في البيت والمدرسة والعمل والشارع والحياة العامة بشكل عام.
ومن المفيد ان اذكر هنا :- أن الدرجة التي تسببها هذه الحالة لاتعتمد فقط على مدى خروج الاضطراب السايكوباثي عما هو مألوف من السلوك وانما تعتمد ايضا على مدى قبول او رفض المجتمع لهذه الانماط السلوكية وهكذا فأن ما يصح اعتباره خروجا عن الحدود المعتدلة في نطاق عائلي او اجتماعي معين .قد يكون مقبولا او حتى مرغوبا فيه في مجال عائلي او اجتماعي آخر فعلى سبيل المثال فان بعض العائلات لاتجد في سايكوباثية أبنائها أمرا غير طبيعي .بل انها على العكس تجد في شراستهم وانحرافهم تعبيرا عن مكانة العائلة وسلطتها ومحيطها وفي بعض الحالات يتوفر الدليل على مساهمة العائلة الفعالة في دفع السايكوباث للأمعان في سلوكه اذا ما تحققت لها الفائدة المادية و المعنوية التي يمكن ان تجنى من هذا السلوك.ولعلنا نجد في ذلك تدليلا على توفر الاتجاه السايكوباثي في العائلة نفسها وهو ما يحدث في الكثير من الحالات.
أسباب السايكوباثية
يمكن القول منذ البداية ان اسباب هذه الحالة ما زالت غامضة ومبهمة وذلك بالرغم من مختلف النظريات السببية وابحاث الواسعة التي تهدف الى تحديد هذه الاسباب وكما هو الحال في الكثير من الحالات المرضية التي يتعذر تحديدها فان هنالك نظريات متعددة لتفسير السلوك السايكوباثي والمتمعن في هذه النظريات يجد بان ما من نظرية واحدة تكفي لتفسير جميع الحالات السايكوباثية والتي تقع ضمن المفهوم العام لها ومن هذه النظريات ما يؤكد على العامل البايولوجي في تكوين الحالة ومنها ما يؤكد العامل المحيطي المكتسب بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية ومنها ما يؤكد على عامل التربية بما في ذلك عمليات التعود والتطبع ومع انه قد يكون لكل واحد من هذه العوامل أثره في تكوين الحالة السايكوباثية الا انه لايمكن القول بأن عاملا واحدا منها يكفي لتكوين الحالة وانه لابد من تظافر هذه العوامل كلها او بعضها في هذا التكوين.
عادل فلرج القس يونان
20 نيسان 2012