
عشتار تيفي كوم - سيريك برس/
عشية انطلاق الزيارة الرسولية الأولى للبابا لاوون الرابع عشر إلى تركيا ولبنان، من 27 من تشرين الثاني حتى 2 كانون الأول، سلط أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، الكاردينال بيترو بارولين، الضوء على ملامح الرحلة ودلالاتها، في مقابلة مع موقع فاتيكان نيوز. الزيارة، كما قال، ليست مجرّد جولة دبلوماسية، بل خطوة ذات وزن رمزي وروحي في لحظة إقليمية متخمة بالتوترات والبحث عن مخارج.
بارولين شدّد على أن البابا يدخل الساحة الدولية “حاملاً عصا الحاج“، على خطى من سبقه من الأحبار العظام: بولس السادس، يوحنا بولس الثاني، بنديكتوس السادس عشر، وفرنسيس. الهدف واحد كما قال: دعم الجماعات المسيحية في الشرق، مدّ اليد إلى المجتمعات المحلية، وفتح نوافذ جديدة للحوار في منطقتين تحملان ذاكرة دينية عميقة وواقعاً اجتماعياً متشابكاً.
تركيا: حيث وُلدت أولى أسئلة الإيمان
المحطة التركية للبابا تتمحور حول حدث مفصلي، الذكرى المئوية السابعة عشرة لانعقاد مجمع نيقيا، أول مجمع مسكوني في تاريخ الكنيسة، والذي أسّس للّاهوت المسيحي حول يسوع “الإله الحق والإنسان الحق“. بارولين يرى أن العودة إلى نيقيا ليست مجرد احتفال تاريخي، بل محاولة لإعادة وصل ما انقطع بين الكنائس، فالأساس الإيماني المشترك “لا يزال قائماً رغم الانقسامات“.
وتبرز تركيا، كما قال، بوصفها مهداً للمسيحية الأولى: رسائل القديس بولس، ولادة أولى الجماعات، وانعقاد ثمانية من المجامع الأساسية فيها. ومن هذا المنطلق، يكتسب الحوار المسكوني هناك طابعاً خاصاً، إذ يجتمع إرث الماضي مع ضرورة الحاضر.
الزيارة تحمل أيضاً بُعداً آخر، يتمثل في الحوار بين الأديان. فبعد ستة عقود على صدور إعلان المجمع الفاتيكاني الثاني حول علاقة الكنيسة مع الديانات الأخرى، يرى بارولين أن تركيا تمثل ساحة نموذجية لتأكيد قدرة المسيحيين والمسلمين على “صناعة مستقبل أكثر عدالة وأخوّة“.
والجدير بالذكر أنه وقبل الحرب العالمية الأولى وذروة مجازر السيفو عام 1915، كان نحو 25 في المئة من سكان ما يُعرف اليوم بتركيا الحديثة من المسيحيين. أمّا اليوم، فتقديرات الأعداد المتبقية تشير إلى أنّ نحو مئة ألف مسيحي فقط ما زالوا يعيشون في تركيا.
لبنان: اختبار الرجاء في بلد أنهكته الأزمات
الجزء اللبناني من الرحلة يحمل نبرة مختلفة، أكثر حميمية وربما أكثر ألماً. “الصلاة الصامتة“ التي سيؤديها البابا في مرفأ بيروت من نقطة الانفجار الذي هزّ المدينة في4 آب 2020 ستشكّل لحظة شديدة الرمزية لبلد لم يلتقط أنفاسه بعد. بارولين أشار إلى أنّ لبنان — الذي يضم عددًا كبيرًا من أبناء الكنيسة السريانية المارونية المتّحدة مع الكنيسة الكاثوليكية — قد “حقق خطوات أولية“ نحو الخروج من أزماته، بدءاً بوجود رئيس وحكومة تعمل على الإصلاح، رغم التعثرات والعراقيل التي تُبطئ العملية وتزيد من إحباط الناس. هنا، كما قال، يصبح الرجاء ضرورة وطنية، لا ترفاً روحياً.
الفاتيكان يولي لبنان عناية خاصة، “لأنه أكثر من بلد، إنه رسالة“، وفق الوصف الذي أطلقه البابا يوحنا بولس الثاني قبل عقود. هذه الرسالة قائمة على التعايش بين طوائف وأديان مختلفة، صيغة نادرة في المنطقة، ومهدّدة في آن. حضور البابا، بحسب بارولين، هو تجديد لدعم هذا النموذج، ودعوة لحمايته في وجه الانهيارات المتوالية.