تدشين كنيستين في الموصل بعد ثلاث سنوات من أعمال الترميم      الأب فادي بركيل من وادي المسيحيين: “فلنوحّد صوتنا كمسيحيين.. فالوحدة اليوم واجب لا خيار”      قداسة البابا تواضروس الثاني يستقبل الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس      البطريرك ساكو يزور القوش      مؤتمر دولي في عمّان يبحث دور المسيحيين في الإصلاحات الإقليمية والتحديات الراهنة      من ذاكرة التاريخ إلى أفق الانتعاش… ملامح نهضة مسيحيّة في ماردين      البطريرك مار اغناطيوس افرام الثاني يترأس القداس الالهي في كاتدرائية ام النور للسريان الارثوذكس/عينكاوا      تراجع الوجود المسيحي في الموصل: أقل من 70 عائلة باقية في المدينة التاريخية      الدكتور رامي جوزيف آغاجان يستقبل رئيس وأعضاء اللجنة المركزية لطائفة الأرمن الأرثوذكس      مسرور بارزاني يفتتح كنيسة أم النور في عينكاوا      السر في مطبخك.. 6 أطعمة تمنح عظامك قوة الشباب      الأسود بمواجهة الأخضر السعودي اليوم.. ماذا يحتاج منتخبنا الوطني؟      جورج زعرور.. شيخ حراس اللغة الآرامية في جبال القلمون      من مونتريال الكنديّة إلى الشرق الأوسط… صلاة على نيّة السلام      الصمت الرقمي.. ماذا يقول علماء النفس عن التصفح دون تفاعل؟      حكومة إقليم كوردستان تعزز أمنها المائي      بعد 50 عاما على سرقتها.. سيدة تعيد قطعة أثرية إلى اليونان      الغبار "يغمض عين العراق" ويخفي خلفه مفاجأة.. ليالٍ شتوية مباغتة      الرئاسة الفرنسية تعلن عن تشكيل حكومة جديدة      ترامب يحذر روسيا: سنرسل صواريخ توماهوك لأوكرانيا إذا لم تنه الحرب قريبا
| مشاهدات : 387 | مشاركات: 0 | 2025-10-14 07:25:51 |

جورج زعرور.. شيخ حراس اللغة الآرامية في جبال القلمون

 

عشتار تيفي كوم - سيريك برس/

معلولا، سوريا – من بيت محفور في الصخر، ومكتبة صغيرة تفيض بالكتب والمخطوطات القديمة، يواصل الباحث السوري، جورج زعرور، البالغ من العمر 66 عاماً، مهمته التي تشبه مقاومة هادئة ضد النسيان: إنقاذ اللغة الآرامية من الانقراض. 

يقضي 8 ساعات يومياً يقرأ ويترجم ويدوّن، مستعيناً بعدسة مكبّرة بعد أن خذله بصره، ليواصل ما يسميه رحلة العمر مع لغة السيد المسيح 

يقول زعرور بصوت متهدج وهو يشير إلى رفوف مكتبته: اللغة هي وعاء هويتنا وحضارتنا، فإذا انكسرت، انسكب منها كل شيء. خلف تلك الجملة يكمن مشروع شخصي بدأ قبل 4 عقود، عندما كان شاباً يافعاً تخرّج حديثاً من كلية الاقتصاد في جامعة دارمسوق (دمشق)، ثم أصيب بضعف شديد في العصب البصري، غيّر مجرى حياته. 

في إسبانيا، حيث سافر للعلاج، اكتشف أن اسم بلدته الصغيرة معلولا – الواقعة على بعد 50 كيلومتراً شمال دارمسوق (دمشق) – يحظى باهتمام واسع بين الباحثين والكنائس الغربية، بوصفها واحدة من آخر الأماكن في العالم التي ما زال بعض سكانها يتحدثون الآرامية، لغة المسيح. عاد زعرور من رحلته تلك بعينين ضعيفتين، لكن بإصرارٍ قوي على أن يكرّس ما تبقّى من حياته لخدمة هذه اللغة، التي توشك أن تصمت“. 

بدأ زعرور بكتابة تاريخ معلولا بطريقة علمية، متجنباً النقل والتكرار الذي يميز أغلب ما كُتب عنها. جاب الأزقة القديمة، درس النقوش في الأديرة والكنائس، ودوّن حكايات الناس والمكان. لاحقاً، تحوّل اهتمامه إلى اللغة نفسها، فغاص في مقارنة النقوش والكتابات الآرامية القديمة، وميّز بين خطوطها، القلم الآرامي الدائري، والعبري المربع، والسرياني المشرقي. كان هدفه – كما يقول – استخلاص اللغة السورية الأم من رحم الكتابة الآرامية الأولى 

ألّف عدداً من الكتب والمخطوطات التي لم تُنشر بعد، منها  آرامية معلولا وآرامية نبط والثنائية الآرامية وأهميتها في نشأة الكلام، إضافة إلى مجموعات شعرية مثل معلولا مزامير آرام. يعمل اليوم على موسوعة ضخمة بعنوان مقاييس اللغة الآرامية، من 22 مجلداً، إلى جانب مشروع ترجمة العهد القديم إلى الآرامية، مستخدماً هاتفه وعدسته كأدوات عمله الأساسية. 

حين دخلت الحرب السورية إلى معلولا عام 2013، اضطر زعرور للنزوح عاماً كاملاً. وعندما عاد، وجد بيته الصخري مثقوباً بالقذائف، لكن مكتبته صمدت. يقول بابتسامة حزينة: الكتب كانت أقوى من الحرب، الغبار غطاها، لكن أغلبها ظل سليماً. كأنها تقاوم مثلي 

أعاد ترميم بيته، وأنشأ مكتبة سماها مزامير آرام، تحوّلت إلى مركز صغير لتعليم اللغة وبيع الكتب والأيقونات. لكن المدينة نفسها لم تعد كما كانت. قبل الحرب، بلغ عدد سكانها نحو ستة آلاف، أما اليوم فلا يزيد عدد المقيمين الدائمين على بضعة مئات. ومع نزوح العائلات الشابة، تضاءل عدد من يتحدثون الآرامية بطلاقة، لتبقى على ألسنة الشيوخ وبعض المهتمين. 

يقول زعرور: الآرامية اليوم مريضة، تتنفس بصعوبة. بعض المؤسسات تتاجر بها، فتمنح شهادات شكلية لا تعني شيئاً. أما الجادون فيتعرضون للتهميش 

اللغة الآرامية التي كانت يوماً لغةً عالمية في المشرق القديم، ازدهرت منذ القرن العاشر قبل الميلاد، وكانت اللغة الرسمية للإمبراطوريات الآشورية والبابلية والفارسية. ومع اعتناق الآراميين الأوائل المسيحية، باتوا يُعرفون بالسريان، وأصبحت السريانية لغة الطقوس في كنائس الشرق، ولا تزال الآرامية تُتحدث بلهجات محدودة في ثلاث قرى سورية فقط: معلولا، وبخعة (الصرخة)، وجبعدين. 

ورغم إدراجها ضمن برامج التعليم في معلولا منذ عام 2014، إلا أن الجهود – كما يرى زعرور – ما زالت رمزية، إذ لا توجد مناهج رصينة أو معلمون مؤهلون كفاية. لذلك أطلق، بالتعاون مع مؤسسة الياس حنا التراثية الخيرية، دورات لتأهيل مدرّسي اللغة، ثم دروساً مجانية للأطفال. هذه الخطوة لاقت إقبالاً لافتاً، وأعادت بعض الأمل إلى الباحث الذي كاد يفقده. 

في السنوات الأخيرة، بدأت جامعة دارمسوق (دمشق) ومركز معلولا للغة الآرامية، الذي تأسس عام 2017، بتنفيذ برامج أكاديمية متخصصة تهدف إلى دراسة اللهجات الآرامية المحلية وتوثيقها رقمياً. كما جرى التعاون مع مديرية الآثار والمتاحف السورية لتسجيل النقوش والمخطوطات النادرة، وتدريب جيل جديد من الباحثين الشباب على قراءة النصوص القديمة. هذه الجهود، وإن بدت محدودة، تشكّل جزءاً من حركة أوسع تتماشى مع مشاريع دولية لحماية اللغات المهددة بالاندثار، مثل مبادرة اليونسكو أطلس لغات العالم المهددة، التي تصنّف الآرامية بلهجاتها الثلاث في سوريا ضمن فئة اللغات المعرضة لخطر شديد“. واستمر هذا المشروع حتى سقوط النظام السوري في كانون الثاني 2024 

يقول زعرور إن هذه الجهود بذرة أولى، لكنها تحتاج إلى دعم رسمي أكبر، وإلى إرادة مجتمعية تعيد اللغة إلى البيوت قبل الصفوف الدراسية. حين يتحدث الأب والأم مع أطفالهما بالآرامية، عندها فقط يمكن القول إن اللغة بدأت تتعافى“. 

ويبقى جورج زعرور يردد أبياتاً من شعره الآرامي. يقرأها ببطء، ثم يترجمها للعربية بصوت رخيم: 

السيف إن ظلّ في قرابه، فالعصا أفضل منه. والإنسان من دون كتابه، لا أعرف ماذا أسميه. أعطوا ساعة للكتاب، حتى تروا النور“. 

في وجهه تعب القرون، لكن في صوته ما يشبه الإيمان بأن اللغة التي صمدت آلاف السنين لن تموت، ما دام هناك من يؤمن أن الحروف أيضاً يمكن أن تُنقذ وطناً من النسيان. 










أربيل - عنكاوا

  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    [email protected]
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2025
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.5772 ثانية