قداسة البطريرك مار كيوركيس الثالث يونان يترأس قداسًا احتفاليًا بعيد تجلي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح - كنيسة السيدة العذراء مريم في عنكاوا      مع استمرار التهديدات في نينوى.. المسيحيون يجدون الأمان في كوردستان      ‎قداسة البطريرك مار افرام الثاني يلتقي وزير الشؤون الاجتماعية والصحة العامة في السويد      بعد عقد على تدمير ديرها… «القريتين» السوريّة من الأَسر إلى النجاة      كوردستان تنتقد قرارات وزارة الهجرة العراقية: محاولة لتغيير ديموغرافي في مناطق المسيحيين والإيزيديين      قداسة البطريرك مار آوا الثالث يستقبل الدكتور ميشيل عبس الامين العام لمجلس كنائس الشرق الاوسط      ‎قداسة البطريرك مار افرام الثاني يترأس صلاة المساء في كنيسة القديسة صوفيا في يونشوبينغ      البطريرك ساكو يختم الرياضة الروحية لأساقفة وكهنة العراق بالقداس الاحتفالي      دمشق تسعى لاسترضاء المسيحيين وسط جدل ودور روسي محتمل      بين الجبال والبحر: اللاذقية بعد سقوط الأسد وموجة العنف الطائفي      اكتشاف صيني يكشف سر ثوران براكين القمر في "سنواته الأخيرة"      على هامش أعمال الأسبوع المسكوني الذي استضافته العاصمة السويدية.. الكاردينال ألبوريليوس يقول إن المؤمنين قادرون على العمل معاً من أجل السلام      جفاف شط "بولحيا" في ذي قار.. كارثة بيئية تدفع الأهالي إلى النزوح      آلية جديدة لتبادل المخالفات المرورية بين إقليم كوردستان وبقية محافظات العراق      "واشنطن بوست": البنتاجون يعتزم نشر قوات عسكرية في شيكاجو      حذارِ... التثاؤب المتكرر ليس مجرد ملل أو حاجة إلى النوم      الصيني "جوجون" يفوز ببطولة Street Fighter 6 للمرة الثانية بكأس العالم للرياضات الإلكترونية      شركة هانت أويل الأمريكية تستأنف عمليات إنتاج النفط في إقليم كوردستان      جفاف سد بوكان ينذر بكارثة.. ملايين السكان في إيران والعراق في مواجهة العطش      بالبلوتونيوم المخزّن.. "خطوة نووية" مثيرة للجدل من ترامب
| مشاهدات : 673 | مشاركات: 0 | 2025-08-02 09:24:12 |

حين خفت الصوت الذي كان لنا...

عصام الياسري

 

 

في زمنٍ يضيق فيه الأمل وتكاد تنطفئ الأصوات الصادقة، رحل زياد الرحباني.

 

رحل من كان صوته نداءً مختلفًا في هذا الشرق المزدحم بالضجيج، رجلٌ حمل في قلبه وطنًا موجوعًا، وبلّغه إلى الناس عبر نوتاتٍ نازفة وكلماتٍ لم تتورّع عن فضح القبح، وتعريته.

 

زياد، الفنان الذي اختار أن يقف إلى جانب الإنسان حين اختار كثيرون أن يصعدوا على أكتافه. المبدع الذي فضّل أن يبقى مهمومًا بالحقيقة بدل أن يعيش مرتاحًا في كنف الزيف.

 

ليس من السهل الحديث عن زياد الرحباني بصيغة الغياب، لأن حضوره لم يكن فنًا فقط، بل كان موقفًا، وضميرًا حيًّا، ونبضًا يُقاس على إيقاع الانحياز الدائم للحق.

 

من "نزل السرور" إلى "بالنسبة لبكرا شو"، ومن قصائد السياسة إلى مقطوعات الحب الموجوع، كتب زياد سردية جيلٍ بأكمله: جيلٌ سئم الشعارات الجوفاء، واختنق من الطائفية، وارتبك أمام هزائم متكررة، فوجد في موسيقاه صدىً لصوته المقموع، وفي مسرحيته مرآةً لواقعه البائس، وفي سطوره ضوءًا يمرّ من خلال شقوق القلب.

 

لقد عاش زياد في الهامش الذي صنعه لنفسه بوعي، وبتعمد، لا لأنه أراد أن يبتعد، بل لأنه آمن أن البقاء في المركز يتطلب غالبًا بيع الروح. وهكذا، بقي يقاوم بمنطق الحكاية، وبذكاء السخرية، وبمرارة اللحن، فصار الفن عنده بيانًا سياسيًا، وصارت الضحكة سلاحًا نبيلاً في وجه اليأس.

اليوم، حين نرثيه، لا نبكي فنانًا عاديًا، بل نودّع آخر رموز الشجاعة الإبداعية في هذا الشرق المكسور.

 

نودّع الصوت الذي لم يتورّط في المجاملة، ولا خضع للرقابة الذاتية، ولا باع قناعاته تحت عباءة الربح أو التصفيق.

 

نودّع من ظلّ وفيًا لفكرة أن الفن لا قيمة له إن لم يكن في خدمة الإنسان... الإنسان البسيط، الجائع، المقهور، الباحث عن حياةٍ بكرامة.

 

لكن رحيل زياد في هذا التوقيت، ونحن في قلب العتمة، مؤلم بقدر ما هو رمزي.

كأن الصوت انسحب حين لم يعد يسمع،

كأن اللحن انطفأ حين لم يعد أحد يرقص فرحًا أو يحتج غاضبًا،

كأن الكلمة أُسكِتت، لأن الكلام صار مكرورًا، والجدران سميكة، والناس مرهقون حتى من الحلم.

 

إن فقدان زياد الرحباني لا يعوَّض، ليس لأنه كان عبقريًا في تركيبة موسيقاه، أو شاعرًا مجنونًا في صياغة جُمله، بل لأنه كان شاهدًا على زمنٍ يتراجع فيه كل شيء، إلا صدقه.

 

لقد رحل رجل كان صوته أملًا وموقفًا، وذاكرة، ومختبرًا للحقيقة.

ويبقى السؤال الذي لا يُطرح على الغياب، بل علينا:

من يجرؤ بعد زياد على أن يكون فنانًا لا يطلب التصفيق، بل يسعى لأن يُوقظ؟

من يملأ هذا الفراغ الصاخب، حين يخفت صوتٌ كان لنا مرآة، وجرس إنذار، ومأوى في العواصف؟

 

كان زياد معروفًا بمواقفه اليسارية، وانحيازه للطبقات المهمشة، ورفضه للتطبيع مع إسرائيل، ونقده العلني للنظام الطائفي اللبناني والعربي. لم يكن يومًا فنانًا "محايدًا"، بل دائمًا في قلب النقاش الوطني والاجتماعي. كما يُعدّ أحد رموز الحداثة الفنية العربية، وشكّل صوته ثقلًا إبداعيًا متمردًا لا يمكن تجاوزه، سواء من خلال الموسيقى أو المسرح أو الكتابة الصحفية.

 

رحل زياد رحباني، وفي الحنجرة غصة، وفي القلب مرارة الكلام الذي تأخر، واللحن الذي لم يكتمل.

 

مات من كان صوته مرآةً ناطقةً للوجع، ونايًا يُصرّح حين يصمت الجميع، وعقلاً ظلّ حرًا، يوم أُعدَّت العقول كي تُباع على الأرصفة.

 

يا ابن الرحابنة، يا سليل نهر الأصالة والعصيان، أيها الشقيّ بحب الوطن، الذي أحبّه رغم خيباته، وصرخ لأجله حتى بَحّت موسيقاه...


من يكتب الآن عن بيروت حين تُصاب بالحُمّى؟

من يترجم أوجاع الفقراء إلى مقطوعة تعاند السقوط؟

من يشتم الطغيان بشعرٍ ضاحك، كأنه نبيٌّ ساخر؟

لقد رحلت ونحن في أشد الحاجة إليك...

نحن الذين ما زلنا نحمل أوهام العدالة كطفلٍ يتشبّث بلعبة مكسورة،

نحن الذين لم نحترف الصمت، واعتدنا أن نُصغي إليك كأنك خلاصٌ مؤجل.

غاب زياد، لا لأنه أنهى ما عنده، بل لأن هذا العالم لم يعد يليق بروحه.

غاب لأنه قال ما يكفي، وصرخ ما يكفي، ونزف ما يكفي...

وكان يعلم أن لا أحد يسمع حين تُمطر السماء عدلاً فوق أرضٍ أُغلقت آذانها بالإذعان.

أيها العابر فينا كنشيدٍ قديمٍ لا يموت،

أيها المُرّ، الجميل، الحر، المحكوم بالصدق،

نم قرير العين، فكل وترٍ سيذكرك،

وكل حنجرةٍ متمردة ستكمل ما بدأت،

وكل إنسانٍ لا يزال يرفض الظلم سيضع يدَه في يدك، وإن كنتَ بعيدًا...

 

سلامٌ عليك في الموسيقى،

وفي القصيدة،

وفي الإنسان.

 

  












أربيل - عنكاوا

  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    [email protected]
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2025
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.6590 ثانية