في مشهد الأزياء المعاصرة، أصبح من الشائع رؤية الشباب والشابات يرتدون بنطلونات ممزقة (مشققة) أو تلك التي تكشف جزءًا من الجسم، مثل منطقة الورك، تحت مسمى "الموضة" أو "الستايل". هذا الاتجاه يثير تساؤلات عديدة حول مدى ملاءمة هذه الألبسة، ونظرة المجتمع لها، والأهم، موقف الكتاب المقدس منها، ودور الوالدين في توجيه أبنائهم.
هل يصح ارتداء هكذا ألبسة وجسدهم مكشوف؟
من منظور عام، تتعدد الآراء حول هذا النوع من الأزياء:
- منظور الموضة والحرية الشخصية: يرى البعض أن الموضة هي تعبير عن الذات والحرية الشخصية، وأن لكل فرد الحق في اختيار ما يرتديه طالما لا يؤذي الآخرين. يعتبرون أن "الستايل" يتطور ويتغير، وهذا جزء من التطور الطبيعي للأزياء.
- منظور المجتمع والقيم: بينما يرى آخرون أن هذه الألبسة قد تتعارض مع قيم المجتمع وعاداته، خاصة في المجتمعات الشرقية أو المحافظة. قد يُنظر إليها على أنها غير محتشمة أو غير لائقة، وقد تثير ردود فعل سلبية أو أحكامًا مسبقة على مرتديها. فكشف أجزاء من الجسم في الأماكن العامة قد يُعتبر استفزازيًا أو غير محترم للآخرين.
- منظور السن والمرحلة: قد يُنظر إليها بشكل مختلف حسب الفئة العمرية. فما قد يُقبل كـ"موضة شبابية" جريئة، قد لا يُقبل لسنوات متقدمة.
نظرية العالم إليهم:
ينقسم العالم في نظرته إلى هذه الأزياء. في الثقافات الغربية الأكثر انفتاحًا، قد تُعتبر هذه الملابس جزءًا من التعبير الفني أو التمرد على القواعد التقليدية، وتُقابل بقبول أوسع. بل قد يروج لها المصممون والعلامات التجارية الكبرى.
أما في المجتمعات الأكثر محافظة، بما فيها بعض المجتمعات العربية، فقد يواجه مرتدي هذه الألبسة نظرات استهجان، أو تعليقات سلبية، أو حتى وصم اجتماعي. قد تُربط هذه الأزياء بسلوكيات معينة أو بنمط حياة لا يتوافق مع القيم السائدة، مما يؤثر على النظرة العامة للشباب والشابات الذين يرتدونها. قد يُنظر إليهم على أنهم "متأثرون" بالغرب بشكل مفرط أو أنهم يفتقرون إلى "الاحتشام".
نظرية الكتاب المقدس عن هذه الألبسة:
الكتاب المقدس لا يذكر البنطلونات الممزقة تحديدًا، بالطبع، كونها أزياء حديثة. لكنه يقدم مبادئ عامة حول الاحتشام والوقار في اللباس والسلوك. عدة نصوص تشجع على اللباس المحتشم الذي يعكس التواضع واحترام الذات والآخرين:
- 1 تيموثاوس 2: 9-10: "وكذلك أن النساء يتزين بلباس الحشمة مع ورع وتعقل، لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن، بل بما يليق بنساء يتظاهرن بتقوى الله بأعمال صالحة." هذا النص يدعو إلى الاهتمام بما هو جوهري (الأعمال الصالحة) بدلاً من المبالغة في الزينة أو اللباس الذي يجذب الانتباه بطريقة سلبية.
- 1 بطرس 3: 3-4: "لا تكن زينتكن من الخارج، من ضفائر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب، بل إنسان القلب الخفي في عدم الفساد، زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن." هنا، يُركز على الجمال الداخلي والقيم الروحية كأولوية على المظاهر الخارجية.
بشكل عام، تدعو تعاليم الكتاب المقدس إلى الاعتدال والتمييز في اللباس، بحيث يعكس الاحترام للجسد كمكان لسكن روح الله، ويجنب الإغراء أو التشتيت غير اللائق. ليس الهدف هو فرض نمط موحد، بل غرس مبدأ داخلي للاحتشام ينبع من قلب نقي.
أين دور الوالدين في هذا الاتجاه؟ هل أنهم متغافلون عن نصيحتهم؟
دور الوالدين هنا محوري وحاسم. كثيرًا ما يُتهمون بالتغافل أو عدم الاهتمام، ولكن الواقع أكثر تعقيدًا:
- التغافل أو التجاهل: في بعض الأحيان، قد يكون الوالدان مشغولين أو لا يدركون مدى تأثير هذه الأزياء على أبنائهم أو على نظرة المجتمع لهم. قد يكونون قد استسلموا لموجة الموضة ظنًا منهم أنها عابرة، أو يتجنبون المواجهة مع الأبناء للحفاظ على السلام في المنزل.
- الجهل بالمخاطر: قد لا يدرك بعض الآباء أن المبالغة في الأزياء الجريئة يمكن أن تعرض أبناءهم لمخاطر اجتماعية أو نفسية، أو أنها قد تفتح الباب لتجارب غير مرغوبة.
- الصراع مع جيل مختلف: يواجه العديد من الآباء صعوبة في التواصل مع أبنائهم حول هذه القضايا. فالشباب اليوم يتعرضون لتيارات ثقافية قوية عبر الإنترنت ووسائل الإعلام، وقد يرون نصائح والديهم "قديمة" أو "غير مواكبة".
- الحوار والتوجيه: على الوالدين أن يقوموا بدورهم كمرشدين لا كمتسلطين. يجب أن يبدأوا حوارًا مفتوحًا وصادقًا مع أبنائهم حول معايير اللباس، لا بفرضها، بل بشرح الأسباب الكامنة وراءها، مع التركيز على قيم الاحترام، الوقار، وحماية الذات. يمكنهم توضيح كيف أن اللباس يعكس الشخصية، وأن الموضة يجب أن تخدم الإنسان ولا تهينه.
- القدوة الحسنة: الآباء هم القدوة الأولى لأبنائهم. عندما يرتدي الآباء أنفسهم ملابس محتشمة ولائقة، فإنهم يزرعون هذه القيمة في نفوس أبنائهم بشكل طبيعي.
- التوازن بين الحرية والمسؤولية: الأهم هو تعليم الشباب مفهوم الحرية المسؤولة؛ أن الحرية في الاختيار تأتي مع مسؤولية تجاه الذات والآخرين والمجتمع والقيم الروحية.
في الختام، مسألة الأزياء الجريئة ليست مجرد قضية ذوق شخصي، بل هي انعكاس لقيم أعمق تتطلب تأملاً وحوارًا. إنها دعوة للشباب ليعكسوا جمالهم الداخلي من خلال مظهرهم الخارجي، وللآباء ليقوموا بدورهم كمرشدين حكماء في هذا العالم المتغير.