إنَّ سرّ الله العظيم المُخفي منذ الدهور (سرّ الثالوث) بمفاعله المتعددة للانسان, إنكشف لرسله بحسب شهادة القديس بولس الرسول, لعمل يوم الخمسين في الرسل, إذ أستُعلن بواسطة الروح القدس, بقوة فائقة وحكمة لا يستطيع أن ينطق بها أي لسان, سرّ المسيح ابن الله الذي جمع فيه الأب كل شئ ما في السماوات وما على الأرض. كانت الكنيسة تُبنى وتنمو بالروح القدس بسرعة وثبات وببساطة فائقة, لأن التلاميذ الذين أؤتمنوا على إدارة وتدبير شئون الكنيسة كانوا يمتلئون كل يوم من الروح القدس. هذه كانت الغاية الأساسية والعظمى التي من أجلها أرسل الرب الروح القدس من عند الأب في يوم الخمسين. المسيح شدَّد على التلاميذ في عدم العمل بدون حلول الروح القدس, بل وحدَّد إقامتهم وجددّ حركتهم حتى ينالوا هذه القوة من الأعالي. وبهذا ارتبطت الكنيسة في عملها ونموها وتعليمها وشهادتها بالروح القدس ارتباطاً أبدياً لا يمكن التقليل من قيمته. الكنيسة بإعتبارها جسد المسيح, وقد أوجدها بموته وقيامته, سلمَّها للروح القدس لميلأها بالمواهب اللازمة لنموها وتكميلها ثم إستعلانها, وأيضاً لكي يظل الرب يبررها بنفسه كرأس لها, بواسطة عمل الروح القدس في الأفراد ليكونوا جسداً واحداً وروحاً واحداً. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم.... ((بحلول الروح القدس يتم التقديس الذي من خلاله, يصبح الله نفسه هو الذي يباشر سلطانه على المختارين والذين أقامهم مدبرين من شعبه)). أن عطية الروح القدس في يوم الخمسين كانت بالنسبة للكنيسة, بداية حضور المسيح السري في الكنيسة, حيث بدأ يُمارس كرأس للكنيسة, التي هي جسده يُدَّبرها بنفسه من خلال عمل الروح القدس)). يقول أحد الأباء... (( أينما وُجدت الكنيسة وُجد الروح القدس, وأينما وُجد الروح القدس وُجدت الكنيسة. وحيثما توجد أسرار الرب, بقدر ما يتعطف ويتفضل بالحضور. لأنه حيث يوجد الروح القدس, يوجد المسيح أيضاً)). فأجسادنا التي من الطين, إذا إلتهبت بحرارة ونعمة الروح القدس تشهد لألام الرب يسوع, وتعترف جُهراً بالايمان به. وهذا بلا شكهو الروح القدس الذي يُدعى ناراً كما يُدعى نوراً!!! وعندما يكون فينا الروح القدس, يكون فينا أيضاً الكلمة الذي يمنح الروح القدس, والأب الذي هو في الكلمة, وكما قال الرسول ((إليه نأتي (أي أنا والأب) وعنده نصنع منزلاً...يوحنا 23:14)). لأنه حيث وُجد النور, وُجد الشعاع أيضاً, وحيث وُجد الشعاع وُجد أيضاً نشاطه ووجدت نعمته الخافقة, وهذا ما نادى به الرسول بولس عندما كتب لأهل كورنثوس ((نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشِركة الروح القدس مع جميعكم)). لأن النعمة والموهبة التي تُمنح, إنما تُمنح في الثالوث من الأب والابن في الروح القدس. لقد أختارت الكنيسة أن يكون التعييد لحلول الروح القدس في يوم الخمسين, طلباً لاستمرار حلوله ودوام عمله, (بالسجود الى الأرض) ولذلك يُسمى أيضاً بطقس السجدة (كما هو موجود في طقس كنيسة المشرق وبالتحديد في كتاب الخوذرا صحيفة (ܩܢܕ) لأنه ليس من طريق اخر للدخول الى الثالوث من أجل إنسكاب الروح القدس إلا من خلال الإتضاع والإنسحاق وبالصلاة الحارة والمحبة الملتهبة. الله الأب بواسطة الابن والروح القدس جُبِلَّ الانسان على صورة الله. فالانسان الكامل يتكون من شركة وإتحاد النفس التي تقبلت (روح الأب) مع الجسد الذي صُنع أيضاً على مثال الله, فيصير روحانياً كاملاً بسبب إنسكاب الروح ((روح الله)) فيه فيكون على صورة الله ومِثاله, فإذا فقدت النفس ((الروح, روح الله)) يثير مخلوقاً غير كامل كطبيعة الحيوان: يحمل صورة الله ولكنه يكون فاقداً المُشابهة والمِثال اللذين يُعطيهما الروح. أحبائي... إذاً فليكن الروح القدس هو المدبر والناطق فينا, ولنحتفظه فينا بأعمال صالحة لكي لا ينطفئ من داخلنا, وتُظلم نفوسنا وأرواحنا...أمين+++
الشماس يوسف نورو