عشتار تيفي كوم/
بقلم اترا حكمت
لم أكن شاعراً ولا كاتباً، لكن قلمي هو الذي يسطر صداقتي مع إيوان أغاسي. منذ صغري، كنت أحتضن أشرطته وأستمع إلى صوته العذب. كان حلمي ليس فقط أن أراه، بل أن أحتفظ بصورة منه، رغم قمع النظام السابق لقضيتنا.
ليس هذا مجرد قصة، بل هو حلم تحقق عندما فتحت أمامي قناة عشتار الفضائية الباب. حين التقيته لأول مرة، استقبلني بكلمات كأنها أغنية من أغانيه الشهيرة مثل أتر دايلاني و*أورمي أتر دقودمي*. تحقق الحلم الذي راودني طويلاً، وكان لقائي به بواسطة قناة عشتار الجسر الذي أوصلني إليه.
تطورت صداقتي مع إيوان على أساس قضيتي المشتركة. ما يميز صداقتنا هو أنها لم تُبنى على العمل أو الصدفة، بل على أساس الإيمان بقضية أمتنا. التقيت به مرات عديدة، سواء في لقاءات تلفزيونية أو جلسات ودية لتناول القهوة أو الغداء. كل لقاء كان يحمل طعماً خاصاً، وكان الجلوس معه مثل حضور دروس لطالب يتعلم عن شيء كان محروماً منه: حق الحديث عن قضيتي وحقوق شعبي.
تواصلنا كثيراً، وكل اتصال كان أكثر عمقاً من الذي قبله. تحدثنا عن حياته، وتعرفت على عائلته الكريمة والمؤمنة. كنت أتعلم في كل مرة من إيمانه الراسخ بقضيتنا، كما كان إيماني منذ طفولتي. ذات مرة، أخبرني شقيقه الشاعر أن إيوان قال: أنت صديقي. حينها، تذكرت حلمي، عندما تؤمن بشيء يتحقق.
إيوان كان مؤمناً بقناة عشتار وبالدور الكبير الذي قام به الأستاذ سركيس آغا جان في دعم القناة وخدمة مجتمعنا بأسره. لم يكن آغا جان مجرد داعم للقناة، بل قدم يد العون لأبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في مختلف المجالات، وساهم في بناء قرى لأبناء أمتنا. هذه الإنجازات كانت واضحة للجميع، وكان إيوان جزءاً من هذه المسيرة، قائداً بروحه وصوته الشجاع الذي لم يتردد في قول الحق.
خدم إيوان أمتنا لأكثر من خمسة وخمسين عاماً، واليوم من واجبنا تخليده والاحتفاء بما قدمه. من لا يحترم من خدم قضيتنا، ليس من أمتنا.
آخر اتصال لي معه كان عندما قال لي إنه لا يستطيع العودة إلى الوطن بسبب مرضه. كنا متفقين على إنتاج المزيد من أغانيه، لكنه أخبرني أنه سيكون ضيفي. بعدها سمعت خبر مرضه الشديد. حاولت الاتصال به مرات عدة لكنه كان قد توقف عن التواصل مع الجميع لتلقي العلاج.
في صباح يوم مشؤوم، قبل ذهاب زوجتي إلى عملها، كانت مترددة في إيقاظي خوفاً من الصدمة. جاءت إلي عدة مرات، وأخيراً قالت: إيوان أغاسي قد توفي... في تلك اللحظة لم أتذكر أي شيء من حلمي أو صداقتنا، لكنني فكرت بشيء واحد: لقد خسرت أمتنا أعظم أسطورة، الرجل الذي أحيا بقضيته وثقافته فينا روح الثورة والإيمان.
اتصلت بابنه براينر وسألته عما إذا كان والده قد ترك وصية. أجابني بالنفي، لكنه قال إنه كان يتمنى أن يغني مرة أخرى... وهذا ما كان إيوان يحبه دائماً: الحياة عبر الأغنية والكلمة الصادقة."