إصْحُوا وَاسْهَرُوا. · فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلَاطِينِ، مَعَ وُلَاةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِ
التجارب التي يعدها الشيطان لإسقاط الإنسان رهيبة ومخيفة لإسقاط الكثيرين ، لكنه لا يمتلك السلطة على الإرادة . الله يحدد له التجربة . بدأ الشيطان صراعه مع الله في السماء ، ومن ثم نقل المعركة إلى قلب الإنسان مستخدماً سلاح جديد ومؤثر كسيف ذو حدين وهو الحرية ، فالحرية تساعده في الخداع والنيل من فريسته . الشيطان لا يستطيع أن يحقق الفوز بدون تواطؤ قلب الإنسان . إنه يحاول في كل تجربة أن يغوي الإنسان لكي يجره إلى منحدر جديد لينزلق أولاً ثم يسقط .
كان للشيطان معلومات كافية عن يسوع بأنه هو إبن الله فعلاً ، لهذا إستفزهُ بالسؤال ( إن كنت إبن الله ... ؟ ) هكذا الإنسان معرض لتجارب خطرة . الملائكة تخدم الإنسان المجرب كما خدمت يسوع بعد التجارب الثلاثة . أنهم أرواح مكلفون للخدمة والحراسة . يرسلون من أجل الذين يرثون الخلاص ( طالع عب 14:1 ) وإكراماً للمخلص يجعلون أنفسهم خدام الذين يصومون معه في البرية . والذين يحبون الصلاة والخلوة ، والذين يتقاطعون مع كل ما في الطبيعة ، ولا يشغفون به البتة .
الشيطان يجرب الإنسان خاصةً في موضوع الرذائل الثلاث التي جرب بها يسوع . وهي الشراهة في الأكل ، لهذا قال له يسوع ( ليس بالخبز يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله ) " مت 4:4 " . وفي التجربة الثانية جربه بالمجد الباطل ( مت 6:4 ) أما في التجربة الأخيرة فجرب يسوع بموضوع الطمع مقابل أن يسجد له " مت 9:4 " . فكان رد يسوع له ، مكتوب : للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ) أي عليك أنت أن تسجد لي .
لقد قبل يسوع بهذه التجارب لكي يعلمنا من خلال مثاله كيف ينبغي أن نتغلب على مكائد المجرب إذا تعرضنا الى تجارب مماثلة .
إستطاع الشيطان أن ينال من آدم الأول ، لكنه لم يستطيع أن ينجح مع آدم الثاني الذي هو إبن الله الذي صار بشراً ليخلص الإنسان الذي خطأ بسبب خشبة العصيان التي كانت في جنة عدن . فأصلح يسوع صورة الله الأصلية في الإنسان الذي خلقه كصورته ومثاله عندما مات على خشبة الشجرة التي إختارها مذبحاً له لخلاصنا .
النفس العاقلة التي تنمو بكلمة الله ومخافته لا بد أن تنمو روحياً وتتغذى من خبز الروح ( جسد يسوع السري ) ومن غذاء العقل ( كلمة الله ) " طالع مز 15:103" . عندما ينمو الإنسان في الروح لا يجد أي صعوبة في مقاومة التجارب مهما كانت ، والله لا يسمح للشيطان أن يجرب الإنسان أكثر من طاقتهِ . الشيطان مخادع بارع ، لكن خدعته يكشفها المؤمن المحارب بقوة إيمانه . فينتصر على كل فخ شيطاني ، لأن حسابات الشيطان مطبوعة باللامنطق مقارنة بتجاربه مع يسوع ، فمثلاً قال ليسوع ( أعطيك هذا كله إن جثوت لي ساجداً ) إنه وعد كاذب لا معنى له ، لأنه لا يمكنه أن يقدم كل شىء لشخص واحد إلا إذا إنتزع كل شىء من الجميع ، وإن حصل ذلك فعلاً فسيفقد الجميع ممتلكاتهم من أجل الواحد . ، لهذا سماه المسيح ( كذاب وأبو الكذاب ) .
قال يوحنا ذهبي الفم : أن الشيطان منتحل يحاول في إسترسال عروض مبرمجة لإيقاع الإنسان ، لكنه لا يستطيع الصمود أمام من يصمد أمامه بقوة إيمانه وأفكار. كما أن الشيطان ينقصه المثابرة ، إذ يكفي أن تتم مقاومته وردعه بسهولة وكما فعل المسيح فيتخلى من مكانه . المطلوب من المؤمن أن لا يستسلم لليأس أمام التجربة ، بل أن يكون مستعداً لردع العدو بكل ثقة .
كل مسيحي مدعو إلى إستخدام ما يملك من أسلحة ضد التجارب خاصة سلاح الصلاة والصوم والسهر لكي يبرهن على صبره وتواضعه وإيمانه المقاوم . وأن يتجنب كل أنواع التهور بالإعتماد على قوته الذاتية .
الأقوياء في الإيمان هم أبناء الله وإخوة يسوع القوي ، وهم وحدهم قادرون على الذهاب إلى البرية مثل المسيح ليجربوا مثله ( مت 1:4 ) لهذا آلاف الرهبان والنساك تركوا العالم وتوجهوا إلى البرية لمجابهة تلك الأرواح النجسة والتغلب على كل التجارب التي ينسجها الأبليس لأسقاط أولئك القديسين . إنهم كالمسيح الذي خرج هو بعد المعمودية إلى ساحة القتال ليدع الشيطان ليجربه . هكذا فعلوا ويفعلون المؤمنين الأقوياء
المتسلحين بكلمات المسيح ليتحَدّوا تجارب الشيطان .
مجداً ليسوع المنتصر
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " 16:1