لا زلنا لحدّ اليوم بل لحدّ الساعة نتلقى أخباراً مؤلمة ومخيفة جداً بسبب ما حلّ بالمسكونة من زلازل في تركيا وسوريا وذهب ضحيته الآلاف من الأبرياء، وعدد هائل من الجرحى والمصابين لا زالوا تحت الأنقاض، إضافة إلى البشر الذين هُجّروا وإلى ما هُدم وخُرّب من منــــازل وعمـــــارات سكنية كمــــا لحقــــــت بالعديد منها أضــــرار بليغـــة إضافـــــة إلى
المباني الأثرية والإروائية والحالة النفسية التي أصابت العديد من الناجين. ولستُ أبالغ إذا قلتُ أن آلاف المنازل تحتاج إلى هدمها لأنها أصبحت غير صالحة للسكنى، وما يخيفنا لحد الآن الهزّات المرتدّة والتي لا زالت تُدخل الرعب في نفوسنا وفي العديد من نفوس كبار الدول ومن الشعوب بل في العالم أجمع. وهذا ما يجعلنا أن نقول أن النهار الذي كان قبل السابع من شباط (فبراير) 2023 هو غير اليوم الذي يليه، فهل نحن اليوم أمام زمن كورونا وداعش ولكن من نوع آخر؟ فبعد أن شُفينا منه نوعاً ما كان لنا الزلزال بالمرصاد حيث حلّ بيننا ضيفاً مؤلماً ومخيفاً وفي ساعة لا نعلمها، إنه أمر مرعب، بل هو وباؤنا الجديد.
وإذا ما عدنا قليلاً إلى ماضينا بإمكاننا أن نقول: أين يسير الإنسان بكذبه ومصالحه من تفجير مرفأ بيروت والذي أودى بحياة الآلاف كما لا زالت تدور بيننا الحرب الروسية الأوكرانية ولا زالت تحصد العديد من الضحايا الأبرياء بسبب البارود وبسبب تشويه الخليقة التي خلقها الرب فرآها حسنة (تكو27:1). فكل الضحايا التي وقعت بسبب الزلزال والحروب والتفجير رحلت على غفلة وفي ساعة لم يعلمها أحد (متى44:24) لا من كبار الدنيا ولا من صغار الزمن المتبجّحين بكراسي الزمن، كما لم يكن يظن أحد أن ذلك سيحصل ويموت العديد من البشر المخلوقين على صورة الله كمثاله (تك27:1). فما حصل لم يبالِ لا بالشاب أو بالشيخ، لا بالطفل أو بإمرأة، لا بالكبير أو الصغير، ولكن ما أدركه أن هؤلاء كلهم ضحاياه ومن جرّائه حصل ما حصل، وقد صرّحت في هذا الصدد منظمة الصحة العالمية إذ قالت "إنها أكبر كارثة طبيعية خلال هذا القرن حلّت بالمسكونة" فهرعت العديد من الدول وكذلك من المنظمات الإنسانية للتضامن مع هؤلاء الأبرياء بسبب ما حلّ بهم، فكانت المعونات المادية والمستلزمات الطبية وأخرى غذائية وكسوة وأخرى تدفقت بصورة ملحوظة، وسمعتُ أن حوالي 100 دولة قدمت يد المساعدة والعون والنجدة وما ذلك إلا علامة تضامن ومحبة، كما كانت عملاً بإنجيل التطويبات دون أن ندري "كنتُ جائعاً، عطشاناً، عرياناً، بدون مأوى..." (متى35:25) ولكن أسأل: هل الإنسان يحتاج اليوم فقط إلى ملء البطون؟ نعم هذا ضروري ولكن ليس كل شيء، وبإمكاني أن أقول: هل نحن في عالم غريب؟ فهذه الحروب والكوارث أليست من صنع البشر والإنسان؟ وهل الزلزال من صنع الطبيعة؟ هذا ما ندركه وربما الحقيقة هي غير ذلك. فالحقيقة لا تُعرف إلا من صانعها ومفبركها لغاية ما. كما أسأل: هل هذه الأمور حصلت وما يحصل دون علم الإنسان؟ وهل الله والطبيعة يريدان شرّاً بالإنسان الذي خُلق على صورة الله ومثاله" (تك27:1)؟.
نعم، إن حادث الزلزال في تركيا وسوريا وبلدان أخرى هو حديثنا وشغلنا الشاغل كباراً كنا أم صغاراً، فنحن لحد الآن لم ننسى بعدُ تماماً زلزال داعش الإرهابي حتى تضاعف القلق والهواجش من أية كارثة جديدة ومحتَمَلة وربما تفسد وضعنا بين الأخبار المسموعة والصور المرئية التي تنقلها إلينا قنوات العالم. ولكن أمام كل ذلك لم نملك خطة تقينا وخاصة – لا سمح الله – إذا كانت الكارثة بحجم الزلزال أو الكوارث أو الضحايا البريئة في الحروب، أقول ذلك أنه ليس من التفاؤل فقط أن أقول تلك حقيقة دامغة فالبشر مهما اختلفت أجناسهم ومشاربهم وأزمنتهم يشعرون بحاجة إلى الله القادر على كل شيء، وإلى توثيق العلاقة به. ولكن أليس أننا أبعدنا الله عن مسيرتنا ومسيرة إخوتنا البشر والآخر المختلف؟ فالكثير منا حتى أمام ما يحصل يتباهون بالسيطرة والعظمة والسلطة والحسب والنسب والصفات والألقاب والكراسي والأمجاد وينظّمون المآدب الفاخرة لكبار المدعوين، نعم جميل جداً أن نملأ الدنيا فرحاً وفي قلوب الآخرين ولكن الرب يسوع أنبأنا وسبق وأعلن لنا أننا سنمرّ "بأزمنة قاسية، بحروب وأخبار حروب، وتكون مجاعة، وتقوم أمة على أمة، وأوبئة وزلازل في أمكنة... ويسلّمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغَضين، ولكثرة الإثم تبرد المحبة" (متى1:24-34) فلماذا نخاف كبطرس، ولماذا نخاف كالتلاميذ، ألم يقل لنا المسيح الرب "تشجعوا، أنا هو، لا تخافوا" (متى27:14).
لذلك ما هو مطلوب منا أمام مثل هذه المحنة أن لا نخاف "كما حصل لأولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم... لذلك أقول لكم إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو1:13-5). فالتوبة اليوم هي مشوارنا الأمين ولا شيء آخر وخاصة في زمن الصوم فالرب يدعونا دائماً إلى التضامن مع المحتاجين والمبتلين ولكن لا نعمل من أجل عالم الشر والأنانية والسيطرة والنسب والكراهية فذلك هو أساس لشلل حياتنا الإنسانية بسبب الخطيئة التي ملكت على نفوسنا فقد قال الرب "أتيتُ لدينونة هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون وتقولون أننا نبصر فخطيئتكم باقية. فاعملوا كي لا تكونوا عمياناً" (يو39:9-41) وكي لا يحصل الزلزال في نفوسنا بغتة وفي ساعة لا نعلمها يأتي علينا (متى1:24) ولكن لنعلم أن الرب أحبّنا فسكن بيننا وجاء إلينا ليكون معنا وتكون لنا الحياة (يو4:1) ويشاركنا بما فيها من مآسي وأفراح، ولكن الإيمان يقول لنا لننتبه لأنه "في غفلة، في طرفة عين وفي ساعة لا نعلمها يأتي سيد البيت ليحاسبنا على ما أدّيناه وقمنا به" (لو46:12). فالسهر والصلاة واجب علينا حسب قوله "كي لا ندخل في تجربة" فقد قال "إن لم تتوبوا جميعكم تهلكون" (لو1:13-5) فالله من حبه لنا سبق وأعلمنا حقيقة الحياة في أن نكون مستعدين.
نعم، لنسأل أنفسنا: أين نحن من مسيرة الحب هذه؟ وأين منزلة الله في نفوسنا؟ وماذا نعمل لخلاص نفوسنا؟ هل نحن جميعاً "نسير معاً" أم لا نفتش ولا نسأل إلا عن أنانيتنا ومصلحتنا وكبرياءنا؟.
نعم، أضعنا الله بأمور بسبب التقنيات والحرية الغير مسؤولة، باستنفارنا لكل المواضيع وما يهمّنا. فلتعلّمنا الطبيعة رسالة الأخوّة والمحبة والإيمان للسير معاً مهما كان مركزنا ومنصبنا ولا نتباهى، فالبابا القديس يوحنا بولس الثاني يقول في رسالته "إنجيل الحياة":"كل إنسان أصبح موكولاً إلى الكنيسة" (فقرة 3) "فالعلاقة مع الله علاقة مع الخليقة كلها" (فقرة 3) ولا أحد يضمن حياته إلا إذا كانت في الرب، ففيه نموت وفيه نحيا (رو8:14)... نعم وآمين.