أول تعليق من كاهن كنيسة سيدني عقب "الهجوم الإرهابي"      مصدر: والد المشتبه به في هجوم كنيسة سيدني لم يشهد أي علامات تطرف على ابنه      أستراليا.. الشرطة تؤكد الطابع "الإرهابي" لهجوم في كنيسة      السوداني يسعى إلى حل التداعيات الناجمة عن سحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين غبطة الكاردينال ساكو      العيادة الطبية المتنقلة التابعة للمجلس الشعبي تزور قرية بيرسفي      مارتن منّا: هناك محاولات لإعلان التوأمة بين عنكاوا و وستيرلينغ هايتس الأميركية      اللقاء العام لمجلس الرهبنات الكاثوليكيّة في العراق/ أربيل      غبطة البطريرك ساكو يستقبل السفير الفرنسي لدى جمهورية العراق      قناة عشتار الفضائية تتمنى الشفاءالعاجل للمطران مار ماري عمانوئيل      محافظ نينوى يزور مطرانية القوش      السبب الحقيقي وراء انقطاع خدمات Meta المستمر      جدل حول آثار جانبية حادة لاستخدام الأدوية المضادة للذهان لتخفيف الزهايمر      مايلز كاغينز‏: الحوار حول استئناف تصدير نفط إقليم كوردستان سيبدأ قريباً      إلزام يوفنتوس بدفع 9.7 مليون يورو كرواتب متأخرة لرونالدو      العراق يسعى لتوقيع بروتوكول المياه خلال زيارة أردوغان      وزير الخارجية التركي: حماس مستعدة لإغلاق جناحها العسكري إذا أقيمت الدولة الفلسطينية      مفاجأة ... 5 أنواع من الفواكه تحتوي على نسبة عالية من البروتين      نتائج بطولة (رواد برطلي الثانية) بكرة القدم الخماسية – يوم الثلاثاء      نيجيرفان بارزاني: الوضع في الشرق الأوسط مرشّح للأسوأ إن لم يبدأ حوار بين جميع الأطراف      10 الاف عن كل يوم.. البرلمان ينظر بمقترح "بيع الحريّة" للمحكومين
| مشاهدات : 1911 | مشاركات: 0 | 2020-01-13 15:31:32 |

أزمة ثقة أم زمن الغباء والحماقات

لويس اقليمس

 

تبادلت إيران الردّ بالمثل عسكريًا على قوة "الاستكبار العالمي" التي تنفذ أجندتها في ضوء مصالحها القومية في كلّ الأحوال، فيما تسعى بها لتحييد قوى وشخصيات ترى فيهم أدوات للشر وعدم الاستقرار. لكنّ الردّ المقابل جاء هزيلاً في الفعل والقدرة وصار محل تهكم، ما حدا بالبعض كي يصوّره بما يشبه مسرحية كوميدية هزيلة خفيفة الظلّ تستخدم فيها أسلحة مائية عقيمة التأثير والفعل، وليس مثل ما توعّدت به جهات عليا ضمن محاولة منها للتخفيف من الغضب الشعبي المتفاقم وخفت ثورة الشارع "المذهبي" المطالب بالانتقام لمقتل أذرع شاخصة كان لها تأثيرها المدمّر في المنطقة لسنوات عديدات. ولعلّ التراشق العدائي القائم بين الخصمين اللدودين، أميركا وإيران، نابع في بعضٍ من جزئياته عن أزمة ثقة بين الطرفين بسبب التنافر والتسابق لتحقيق المصالح الوطنية والقومية لكل منهما أولاً، والسعي للهيمنة وتوسعة قوة النفوذ لكلّ منهما في منطقة كانت وستبقى محور الصراع طالما هي تحتفظ ببراميل ثروة يسيل له اللعاب من جانب كلّ طامع ارتفعت فيه متلازمة "الأنا" لتحقيق مسعى الهيمنة وقيادة المنطقة بأيّ ثمن وأية أدوات.  

نعود للشوط الأخير من اللعبة القذرة التي انتهت في أرض عراقية كالعادة بالتعادل في التراشق المتبادل بين أميركا وإيران في انتظار الخطوة اللاحقة التي لن تكون أقلّ من سابقاتها. ففي جعبة قائد الفريق الأمريكي، يتوقع اتخاذ خطوات ومتابعات وقرارات ستأتي لاحقًا لتضع حدودًا لحالات الانفلات والاستغلال، وبعضٌ منها يتعلّق بحسابات قديمة مع أركان غير منضبطة في الحكم في العراق والمنطقة من الذين قرروا الخروج عن حماية العرين الأميركي وانضموا إلى المعسكر التوسعي المتهم بمحاربة مصالح راعي التغيير في 2003. وكان طبيعيًا أن تتضعضع الثقة بين راعي العملية السياسية مع الأدوات التي أتى بها للحكم "غير الرشيد" طيلة السنوات الفائتات من ضياع ثروة البلاد وأمان العباد وفقدان الخدمات وتراجع التعليم وازدياد البطالة وانتشار الموبقات واستشراء الفساد في جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها العامة والخاصة بلا استثناء. وقد قاد هذا أيضًا إلى أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم. ونحن نعلم أنه في حالة غياب مبدأ الثقة بين أطراف الحكم والشعب في أي بلد، فهذا يعرّض الأخير لتقلبات غير مأمونة الجانب لأسباب عدة منها سمة التخوين التي أضحت الأسطوانة المشروخة وسط الأحزاب التي تتكالب اليوم على السلطة وتتشبث بها بكل الوسائل المتاحة، سواء في بلدنا التائه في متاهات الدين والطائفة والمذهب والعرق أو في أية بقعة غيره تفتقد إلى الحنكة والحكمة والرؤية السديدة والاستراتيجية متعددة المديات التي من شأنها أن تبني وتطوّر وتخلق فرصًا للسلام والتنمية المستدامة والرفاهة للشعب والكرامة للوطن.

لا ننكر أننا في العراق، فقدنا تمامًا هذه الصفة التي غادرته بلا رجعة منذ الإطاحة بالعهد الملكي الذي ساده آنذاك شيءٌ من الاستقرار والأمان والإعمار معًا. والسبب ليس بخافٍ. فإصرار أحزاب السلطة اليوم التي حكمت البلاد بعد تجربة فاشلة رعتها الدوائر الأمريكية الاستكبارية في 2003، والتي تأبى مغادرة الحكم وإفساح المجال لدماء وطنية جديدة صحت صحوتها التشرينية الكبرى على فقدان وطن تسعى لاستعادته ومطالب شعب بائس يسأل عن انفراج أزمة كأداء ويبحث عن لقمة عيش كريمة وأمان له ولأهل بيته وبخدمات تضمن له كرامة آدمية، هي من أسباب فقدان الثقة بين الحاكم المتسلط والمحكوم المارد هذه الأيام من دون الدخول في تفاصيل مَن هو القائد ومَن هو المحرّض ومَن هو الصامت الراضخ، سواءً بحريته أو غصبًا عنه. ممّا لا شكّ فيه ممّا سمعناه وما اطلعنا عليه بشتى الوسائل المتعددة وما وضّحته وبيّنته وكشفته مراجع عليا دينية وأخرى ثقافية وأكاديمية واجتماعية، كلها تشير إلى بلوغ رسالة فقدان الثقة بين الأحزاب الحاكمة الفاشلة المتهمة بالفساد في كلّ شيء وبين ناخبيها واتباعها الذين أولوهم هذه الثقة بتمثيلهم حين هرعوا وتسابقوا إلى صناديق الاقتراع بالرغم من معرفتهم وإقرارهم بما جرى في تلك الصناديق من عمليات تزوير ومساومات وصفقات بين اللاعبين الكبار وبتوجيه من جهات عليا من خارج الأسوار طبعًا.

 لقد سمعنا وشاهدنا واطلعنا على مقاطع فيديوية واعترافات واتهامات لزعامات وأتباع كتل وأحزاب نافذة كما تناقلتها وسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي، تنطق وتشهد لفساد العملية السياسية القائمة والتي سحبت الانتفاضة التشرينية مشروعيتها ودستوريتها حينما رفعت شعار "نازل آخذ حقّي، و"أريد وطن" و"إيران برّا برّا، بغداد حرّة حرّة". وفي اعتقادي نجد في هذه الشعارات وفي غيرها كثيرٌ ممّا يشير إلى فقدان ثقة الشعب المغلوب على أمره، بفعل هيمنة عنصر "الدين والمذهب" الذي يوصي بإطاعة أولي الأمر مهما طغى هؤلاء واستفحل فسادُهم وكذبهم، كطبقة حاكمة تسلّطت على رقاب الشعب في غفلة من الزمن وبرعاية غبية حمقاء من قوة الاستكبار العالميّ التي سلّمت العراق لفئات أشبه بعصابات سطت على كلّ شيء. وبفعل هذه الأعمال والسلوكيات غير المتزنة تراجعت حبال الوصل والثقة في صفوف شعبنا الساذج المتلوّن البائس إزاء الحاكم الفاسد الجائر الانتهازيّ الذي لم يدرك لغاية الساعة مدى خطورة أفعاله وخروجه عن معصية السماء وتوجيهات الأئمّة وسماتهم الفضلى في حكم الرعيّة ورعايتها بحكمة وحنكة وصلاح. وحتى لو أدركت هذه الطبقة الحاكمة المتسلطة مؤخرًا مدى خطورة أفعالها وأخطائها بحق الوطن والشعب، فهي بجبروتها الوجاهية وقدراتها المالية وقواتها التجييشية لأتباعها رافضةٌ ومعاندةٌ للقبول بالتغيير في سلوكها الشائن وبإعادة التوازن للعملية السياسية التي تقف اليوم على كفّ عفريت بفعل مماطلتها وتسويفها في النظر بجدّية بمطالب المنتفضين والمحتجين سلميًا في الساحات ومواقع التواصل وعبر ما يٌنشر في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. وها هي ذي تستغلّ الأحداث الساخنة الأخيرة لتركب الموجة حسب هواها ولتشيح النظر عن المطالب المشروعة للمنتفضين في ضوء ما تشهده البلاد والمنطقة من فوضى باستباحة الأرض والكرامة بين خصمين لدودين عرفا وخبرا كيفية تقاسم المغانم طيلة السنوات الست عشرة المنصرمة على حساب المصلحة العليا للعراق وشعبه المسكين الصاغر والتابع للغير دومًا.

 

المصلحة العامة عنوان سيادة البلدان

في الوقت الذي وعى الجميع لخطورة ما يحصل في العراق عندما اتخذه "الأصدقاء-الأعداء" ساحة للحرب بالوكالة على أرضه وسمائه ومياهه، نجد مَن يغازل ويجامل، ومَن يعاند ويجافي، ومَن يسكت دهرًا لينطق كفرًا، ومَن يرفع صوتَه مندّدًا ومعترضًا ورافضًا بعد أن خانه ضميرُه واكتفى بما ناله من مكاسب ومغانم وامتيازات فضّلها على المصلحة العليا للوطن والشعب. لقد آن الأوان إنْ لم يتأخر بفضل صحوة أبطال ساحات الكرامة، كي تصحو أحزاب السلطة من غفوتها وتترك جانبًا البحث عن مصالحها الفئوية والمذهبية وتدرك مدى خطورة انزلاق البلاد إلى صراعات جانبية داخلية إضافية وإقليمية ستأتي على الأخضر واليابس. فمصلحة البلاد العليا لا يمكنها أن تتجزّأ ولا أن تخضع لمقياس أحد أو تتماهى مع مزاج جهة أو حزب أو طائفة أو أن تنزلق لعواطف آنيّة وانفعالات طائفية أو مذهبية أو جهوية بعيدًا عن المصلحة العليا للوطن التي ستبقى المعيار الحقيقي الصامد للجميع مهما كانت الظروف أو تقلّبت المواقف. وهذا ما يحّذر منه أصحاب الفكر والرأي والخبرة في حالة المضي في اقتراح تشريعات غير رصينة أو اتخاذ قرارات عاطفية غير مدروسة تنحرف عن المعيار القياسي الذي يمكن أن يجتمع عليه المختلفون في الرأي وفي الردّ السليم والمقبول. وقد أشار في بعضٍ منها رئيسُ البرلمان حينما حذّر من العواقب الوخيمة باستصدار قرار ارتجاليّ في الجلسة "الشيعية" الصرفة لإخراج القوات الأجنبية من البلاد بالرغم من الشكوك الواردة بعدم اكتمال النصاب وعدّ الجلسة ردة فعل عاطفية لاستدرار عواطف الشارع الشيعي وتهدئة الخواطر وتأكيد التبعية لولاية الفقيه. لقد كان من شأن هذه الجلسة غير المتزنة أن يزيد من هوّة فقدان الثقة بين اللاعبين الكبار في البرلمان غير المتجانس أصلاً بسبب طغيان الصوت الشيعي الذي أراد تسجيل حضور طائفيّ ومذهبيّ لافت ردّا على اغتيالات الجمعة المشهودة.

من هذا المنطلق، نقول ليس للعراق وشعبه قدرة إضافية لتقبُّل مواسم عقابية جديدة في حالة انزلاق البلاد إلى حافة الهاوية والاصطفاف والانسياق مع العواطف التي قد تدمّر وتخرّب وتأخذ بالبلاد إلى متاهات الغياهب السود. وقد ذقنا فيما مضى شيئًا كثيرًا منها بفعل حماقات لم تنفع معها كلُّ أشكال النصح والعبر والدروس التي أملاها التاريخ ولم يتعظ بها حكّام سابقون، سواءً بسبب جهلٍ مستفحل أو غباءٍ مكتسب أو كبرياء فارغ أو عناد لا فائدة منه في كلّ الأحوال والظروف. ففي الأخير يبقى صوت الشعوب أقوى من أفعال الطغاة مهما تجبّروا واستفحلوا وتمادوا. 

لعلّ الحكمة تقول: "ألف صديق ولا عدوّ واحد". فالألف صديق قليلٌ ويبقى قليلاً والعدوّ الواحد يبقى كثيرًا على ندرته، وذلك في ضوء سعة العالم الذي أصبح قرية مصغّرة بفعل التكنلوجيا المتطورة والتنمية المستدامة التي تنشدها جميع الأوطان والبلدان المتحضّرة والشعوب والأمم المتحرّرة إلاّ نحن في العراق والمنطقة! فإبقاء الصداقة والعلاقة مع الجميع، مهما اختلفت الأطراف في نواياها ونتائج أفعالها وسلوكياتها التي حتّمتها ظروف استثنائية خارجة عن الإرادة، ستكون دومًا مفتاحًا لحلّ ألغاز وأحاجي وطلاسم لم تكن في حسبان الساسة وشعوبهم المتعاطفة معهم في وقت الشدّة والانفعالات خارجًا عن إرادتهم بسبب ظروف أو ضغوطٍ حتّمتها وقائع وأفعال شاذّة خارجًا عن المعيار الوطني الذي يضمن المصلحة العليا للوطن والشعب، تمامًا كما هي حالة البلاد هذه الأيام. كما أنّ الحليف الرديف الذي ينفع وقت الشدّة وحين الطلب خيرٌ من عدوّ طامع مدسوس تحرّكُه عواطفٌ وانفعالات مذهبية ضيقة عفا عليها الدهر وأصبحت من الماضي بحيث لا تنفع سوى للاستهلاك المحلّي الفارغ. كما أنَّ الشعوب والأمم والدول لا تُبنى إلاّ على ما يقوم به حكامُها والمتولّون على أمرها من فعالٍ صالحة وخدمات تشرح صدور الفقراء والمحتاجين والبؤساء من أبنائها وبناتها. وهذه لا تخرج اليوم عن المقاييس الإنسانية التي ترسمها مجتمعات رصينة متطورة تقدّس الإنسان وتأمن حريتَه ولا تضّيق عليه الخناق بحجج وأسباب واهية تخدم مصلحة الغير الدخيل قبل مصلحة الوطن العليا. فليس من مصلحة الوطن أن يعود شعبُه لسمة "الشقاق والنفاق" التي طبعت صفاته التاريخية بسبب تلوّنه وعدم قدرته على ضبط النفس بوتيرة وطنية عليا تحفظ مواطنيتَه كما يفصح عن ذلك تاريخ العراق. فيما الإبقاء على بصيص أملٍ وشيء من الثقة بين الأطراف المتنافسة خيرٌ من خسارة وطن بأكمله وضياع شعبٍ لم يعرف الاستقرار لحقب طويلات.

إعادة الثقة بين اللاعبين في الساحة العراقية

ما يهمّ البلاد أكثر في هذه الأيام الصعبة إعادة الثقة في الملعب العراقي بين الشعب والسلطات للوصول بالبلاد إلى برّ الأمان وإزاحة كلّ أشكال الخلاف التي تفرّق ولا توحد مع الاحتفاظ بسلمية وتيرة الانتفاضة التشرينية وديمومتها كي لا تستغلّها جهات سعت منذ بدايتها لسرقة مجهودها وشعارها وهدفها بركوب الموجة، ليس حبًا وتعاطفًا مع مطالب المنتفضين بل سعيًا لإطفاء جذوة فعالياتهم وأهدافهم السامية وتحريفًا لمسار انتفاضتهم المشروعة وخدمة لأجندات خارجية فرضتها الجارة الشرقية الطامعة التي رأت في انتفاضتها سقوطًا سياسيًا لأتباعها وزوالاً لأذرعها في العراق وخشية من امتداد تأثيرها على دول توسعت فيها على حساب شعوبها. وهذا يتطلب مزيدًا من الحرص والروية في معالجة اية ثغرات قد تظهر هنا وهناك من شأنها تشتيت الانتباه العام عن المطالب المشروعة للمنتفضين في ساحات الكرامة كي لا تذهب دماء الأبرياء من الشهداء والجرحى والمعاقين بسببها سدى. فالدعم المرجو لهؤلاء المنتفضين الأبطال يكمن في تواصل واستمرار جذوة مطالبهم وفي كشف المندسين وإخراج الزؤان والأدغال من صفوفهم كي لا تفقد انتفاضتهم مشروعيتَها وتخسر ما حققته لغاية الساعة من انتباه العالم الحرّ وتعاطف وطني داخليّ وشعبيّ ومن دول وشعوب رأت فيها صناعة بطولية لا تخبو أنشطتها ومقاومتها في مواجهة كلّ أشكال القمع والردع والقهر التي مورست طيلة هذه الفترة ضدّ وجودها وحضورها ورؤيتها وتماسكها ورويّتها في إدارتها معًا.  

ولعلّ ممّا يثلج الصدور ويريح النفوس الوطنية الطيبة، أن الحراك الشعبي الذي انطلق منذ تشرين أول الماضي 2019 ما يزال في أشدّ تماسكه بالرغم من ملاحظة انحسار جزئيّ في أعداد المتظاهرين الذين مازالوا يتوافدون في أوقات متباينة على ساحات التظاهر والكرامة حاملين على أكفهم وفي أفئدتهم هموم الوطن المفقود الذي يبحثون فيه عن هويتهم. وهذا مؤشر إيجابيّ في سياق الإصرار على الأهداف العليا والأولويات التي تحملها مطالب المنتفضين الصامدين بالرغم من سوء الأحوال الجوية والبرد وما يلاقونه من منغصات من راكبي الموجة ولاسيّما من ميليشيات معروفة تسعى للظهور بمظهر قيادة الانتفاضة، وهي التي لم تستطع طيلة سنوات الادّعاء بالتظاهر الفئوي الفارغ من تحقيق المبتغى الذي حققته الانتفاضة التشرينية منذ انطلاقتها. فقد تغيّرت المعادلة حينما أجبر هذا الحراكُ الصامد أركانَ الدولة العراقية برئاساتها الأربع كي تقدم شيئًا مهمًا من تنازلات للمطالب المشروعة التي نادى ومازال ينادي بها شباب الانتفاضة الأبطال بصدور مفتوحة ضدّ قوى الشرّ اللاوطنية التي تسعى لتخوينهم و اتهامهم  بالعمالة للأجنبي حينًا، وتركيعهم وتهديدهم حينًا آخر بأدوات مُسخية غير شريفة، أو بالمماطلة والتسويف في المطالب كما يتضح هذه الأيام التي تشهد تصعيدًا متزايدًا على أرض العراق بين دولتين طامعتين بالبلاد تتحاربان بأدوات يؤدي أدوارها بالوكالة أحزاب وميليشيات طائفية ورموزٌ معلومة في بعضها ومجهولة في بعضها الآخر، لكنّ جميعها تشترك في صفة الحماقة السياسية.

المهمّ في المحصّلة، أن يستعاد شيء من ثقة مفقودة بين الشعب والسلطات الماسكة لأدوات القوة والمال والجاه وصولاً لبناء عراقٍ جديد مستقل الإرادة وليس بإبقائه وطنًا مكسور الأطراف، مسلوب الإرادة، منقوص السيادة، غارقًا في بحور الفساد والتراجع، فاقدًا للأمن والإدارة الرشيدة. ولعلّ الامتحان العسير الأخير خيرُ حافز لاتخاذ مواقف وطنية صحيحة في هذه الأيام الصعبة عبر تغيير جذريّ ضروريّ يزيح عن البلاد كاهل السنوات العجاف وينهي خلافات الشركاء ويخفّف من أوجاع الشعب ومشاكله الجمّة التي حتمتها وفرضتها العملية السياسية العرجاء المبنية على التوافق والمحاصصة وباستقواء كلّ طرف بطرف خارجيّ يبحث عن مصالحه ومكاسبه.

 

لويس إقليمس

بغداد، في 9 كانون ثاني 2020

 

 










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.6309 ثانية