
يعد المؤتمر الأول من نوعه في السعودية وتشارك فيه جهات دولية ووطنية وخبراء ومختصون يمثلون أكثر من 100 دولة حول العالم (واس)
عشتارتيفي كوم- اندبندنت/
لربما أن واحدة من أبرز النداءات التي جاءت في المؤتمر الدولي للتأهب والاستجابة للطوارئ النووية والإشعاعية في السعودية هو نداء صوفي بوتو، مديرة مكتب المعلومات العامة للتواصل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حين وجهت نداءها إلى المؤسسات الصحافية، داعية إلى ضرورة تخصيص "صحافيين في الشأن النووي" ليكونوا جاهزين وقت الازمات.
ولأن الخطب جلل، تؤكد صوفي أن "التواصل أثناء الطوارئ ينقذ الأرواح، بصورة حقيقية، وليس مجرد عبارات إنشائية"، ولهذا يجب أن يكون ثمة صحافيين يدركون معنى "النووي" ويفرقون بين "الحادثة والكارثة".
وانطلقت أمس الإثنين أعمال المؤتمر الدولي للتأهب والاستجابة للطوارئ النووية والإشعاعية (EPR2025)، الذي تنظمه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالتعاون مع هيئة الرقابة النووية والإشعاعية في العاصمة السعودية الرياض.
وهو المؤتمر الذي جاء تحت شعار "الطوارئ النووية والإشعاعية.. بناء المستقبل في عالم متطور"، ويستمر لمدة أربعة أيام، بمشاركة جهات دولية ووطنية وخبراء ومختصين يمثلون أكثر من 100 دولة حول العالم.
شددت صوفي بوتو على أن العلاقة بين الإعلام والجمهور والجهات الدولية "شبكة واحدة يجب بناؤها وصيانتها باستمرار"، موضحة أن الاستعداد للطوارئ يبدأ في الأوقات العادية، ويتطلب "التدريب المكثف، وبناء بروتوكولات اتصال سريعة، وتجهيز متحدثين متخصصين".
تقول صوفي التي شاركت في جلسة بعنوان "الإعلام والطوارئ النووية والإشعاعية: من إدارة الأزمة إلى بناء الثقة"، أن الجمهور الذي يعد الحلقة الأهم يجب أن يكون على اطلاع مسبق على مفاهيم أساسية مثل الفرق بين "حادثة وكارثة"، وما تعنيه مستويات الإشعاع، مشيرة إلى أهمية اتساق الرسائل بين الجهات النووية والإعلام لمنع الفوضى المعلوماتية.
ويتضمن المؤتمر أكثر من (120) ورقة علمية و(100) ملصق (بوستر)، وجلسات حوارية موسعة يشارك فيها أكثر من 700 مختص وخبير، وأكثر من ست منظمات دولية، لاستعراض أفضل الممارسات وسبل تعزيز مستوى الجاهزية والاستجابة للطوارئ النووية والإشعاعية.
وكان أبرز المشاركين في المؤتمر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، وهو الذي يرى أن في "الطوارئ النووية التأهب والاستجابة تسيران جنباً إلى جنب"، وقال في كلمته أمام مئات من الخبراء "تعتمد الطاقة النووية على الثقة، وهذه الثقة تكتسب من خلال الاستعداد للطوارئ والاستجابة لها على أساس علمي قوي".
أكثر من 6600 تحليل إشعاعي
من جانبه يرى الدكتور خالد العيسى، وهو الرئيس التنفيذي لهيئة الرقابة النووية والإشعاعية أن الاستعداد للطوارئ النووية ليس مفهوماً جامعاً، بل هو إطار ديناميكي وحيوي، وهو إطار يتكيف مع الحقائق الواقعية الجديدة، مستخدماً التقنيات الناشئة ويعتمد على القوة الجماعية والتنظيمية الرقابية والإنسانية".
وطبقت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية برنامج مراقبة شاملاً عبر الخليج العربي والبحر الأحمر، شمل محطات تحلية المياه الرئيسة، من الخبر والجبيل إلى ينبع وفرسان مع المعرفة العلمية بقدرة تقنيات التحلية على إزالة الملونات المشعة بجدارة، إذ جمعت أكثر من 1100 عينة مياه، وأخرى أكثر من 6600 تحليل إشعاعي، وفق العيسى.
وأضاف "تعلمنا أن أي خطر نووي في أي مكان هو تهديد في كل مكان، وأن أي فشل في أي مكان هو تحذير في كل مكان، وأن فقدان الأمان النووي في أي مكان هو فقدان للثقة في كل مكان، وأن أية دولة لا تقف وحيدة في حالة الطوارئ، فالصمود دفاع مشترك".
"تشيرنوبيل"
ولم يجد المؤتمرون من مثال لأخطار "الإشعاعات النووية" سوى "تشيرنوبيل"، وهي واحدة من أسوأ الكوارث النووية في التاريخ، التي حدثت في أوكرانيا عام 1986، حين انفجر أحد مفاعلات محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، مما أدى إلى تسرب كميات هائلة من الإشعاع، وإخلاء مئات آلاف السكان، وتأثيرات صحية وبيئية استمرت لعقود، وتغير عالمي في معايير الأمان النووي.
و"تشيرنوبيل" هو المثال التي أوردته كارين هيرفيو، نائبة المدير العام للأمان النووي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حين قالت في معرض حول "من المهم التواصل طوال فترة الأزمة مع شرح خلفياتها والتحذير من أخطارها"، وذلك حتى نتلاقى المعلومات المضللة التي أثبتت التجارب، مثل تشيرنوبيل، قدرتها على تضخيم الضرر النفسي وزيادة التعرض للإشعاع.
البدايات مليئة بالخوف
ورأت هيرفيو أن السرعة والدقة والشفافية هي العناصر الحاسمة لإنقاذ الأرواح عند وقوع أي طارئ نووي، وضرورة تقديم معلومات واضحة للجمهور منذ اللحظات الأولى، وتوضيح ما هو معروف وما يزال قيد التحقق. وأشارت إلى أن البداية تكون عادة مليئة بالخوف، مما يتطلب رسائل تطمينية دقيقة.
وأكدت أن أدوات الذكاء الاصطناعي أصبحت جزءاً مهماً من رصد الاتجاهات، وتحليل المخاوف، وإنتاج محتوى سريع يشمل الإنفوغرافيك، والأسئلة الشائعة، والفيديوهات الموثوقة، مما يساعد في الاستجابة والتوعية بصورة أسرع وأكثر فاعلية.
ويمثل هذا المؤتمر المقام في السعودية حدثاً عالمياً كونه الأول من نوعه الذي ينظم خارج الوكالة، ويهدف إلى تعزيز الجاهزية ورفع القدرات في التعامل مع الطوارئ النووية والإشعاعية.
كما يعكس اختيار المملكة، وفقاً لوكالتها الرسمية (واس) لاستضافة هذا الحدث الدولي مكانتها المتقدمة في منظومة الأمان النووي العالمي، وتطور بنيتها التنظيمية، وقدرتها المتنامية على دعم الجهود الدولية في مجال التأهب والاستجابة للطوارئ النووية والإشعاعية.