في عالم يميل إلى تصنيف كل شيء، بما في ذلك الأخطاء، نجد من يتحدث عن "خطايا صغيرة" و"خطايا كبيرة". فكرة قد تُريح الضمير في لحظة ضعف، أو تُبرر تجاوزًا بسيطًا. لكن هل هذا التصنيف يتوافق مع النظرة اللاهوتية للكتاب المقدس؟ الإجابة ببساطة: لا. الكتاب المقدس لا يميز بين خطايا صغيرة وكبيرة، بل يؤكد حقيقة عميقة ومركزية: كل خطيئة، مهما بدا حجمها في أعيننا، هي موجهة بالدرجة الأولى إلى الله.
فلتوضيح الأمر أكثر: هل عندما نكذب، تُعتبر هذه خطيئة صغيرة؟ وهل عندما نقتل، تُعتبر تلك خطيئة كبيرة؟ الإجابة بوضوح هي "لا". فكلاهما في نظر الله خطيئة موجهة ضده.
الخطية: ليست مجرد فعل، بل تعدٍ على طبيعة الله
عندما نُخطئ، غالبًا ما نركز على الأثر المباشر لخطايانا: هل أذت شخصًا؟ هل أثرت على سمعتي؟ هل هي ضد القانون البشري؟ ولكن جوهر الخطية أعمق من ذلك بكثير. الخطية، في تعريفها اللاهوتي، هي تعدٍ على قداسة الله وطبيعته الكاملة. الله قدوس، بار، محب، وعادل. أي فعل، أو كلمة، أو فكر يتعارض مع طبيعته هذه، هو خطية.
فالكذب، ولو كان "كذبة بيضاء"، يتعارض مع حقيقة الله. والسرقة، ولو كانت لشيء بسيط، تتعدى على عدالة الله. والحسد، ولو كان خفيًا في القلب، يتعارض مع محبة الله. كل هذه الأفعال، بغض النظر عن حجمها في المقارنات البشرية، تُظهر عدم امتثال لإرادة الله، وبالتالي فهي موجهة ضده. فالقتل هو انتهاك لأمر الله "لا تقتل"، والكذب هو انتهاك لأمر الله "لا تشهد شهادة زور" (أو الكذب بشكل عام). كلاهما كسر لوصية إلهية، وكلاهما يُعبر عن تمرد على سلطانه.
شهادة الكتاب المقدس: "لك وحدك أخطأت"
أحد أقوى الأمثلة على هذه الحقيقة نجده في المزامير، حيث يقول الملك داود بعد خطيئته مع بثشبع وقتل أوريا: "لك وحدك أخطأت، والشر قدام عينيك صنعت" (مزمور 51: 4). على الرغم من أن خطيئة داود كان لها عواقب وخيمة على بثشبع، أوريا، وعائلته، وحتى على شعبه، إلا أنه أدرك أن جوهر خطيئته هو تعدٍ مباشر على الله نفسه. كانت الخطية موجهة إلى سلطة الله، قداسته، وشريعته.
إن هذا الفهم يُغير نظرتنا للخطية جذريًا. فالمسألة ليست مسألة "مقدار" الضرر البشري، بل مسألة "طبيعة" التعدي الإلهي. خطيئة واحدة، حتى لو كانت صغيرة في أعيننا، هي كافية لكسر العلاقة مع الله القدوس، لأنها تتعارض مع طبيعته الكاملة.
عواقب عدم التمييز: رحمة الله الواسعة
إدراك أن كل خطية موجهة إلى الله لا يعني اليأس، بل على العكس، يُسلط الضوء على عظمة رحمة الله. فإذا كان الله يرى كل خطيئة بهذه الجدية، فإن محبته وغفرانه يتجاوزان كل تصور بشري.
هذه الحقيقة تدفعنا إلى:
في الختام، لا وجود لـ "خطايا صغيرة وكبيرة" في نظر الله. كل خطية هي انتهاك لقداسه، وتحدٍ لسيادته، وتعدٍ على محبته. هذا الفهم ليس مصدر خوف، بل هو دعوة لتقدير عظمة الله، وكماله، ورحمته التي لا نهاية لها. إنه تذكير بأن حياتنا كلها يجب أن تكون موجهة لإرضاء ذاك الديان العادل الذي يرى كل شيء، ويحاسب على كل شيء، ويغفر كل شيء لمن يتوب بصدق.