لا يهم رياضي كمال الأجسام ما يتعرض له ما دام أنه يحقق هدفه (رويترز)
عشتارتيفي كوم- اندبندنت/
لا تخفى الفوائد الصحية التي توفرها الرياضة على أحد، وكل الخبراء يشددون على أهميتها، بعدما أثبتت دراسات عدة أثرها الإيجابي في الصحة عموماً، وفي صحة القلب بصورة خاصة، حتى أن أحدث الدراسات أكدت أنها تلعب دوراً أيجابياً في إطالة سنوات العيش وتحسين جودة الحياة، إلا أن دراسة إيطالية حديثة أتت بنقيض هذه الفكرة بالإشارة إلى أن من يمارسون إحدى الرياضات هم أكثر عرضة للوفاة المفاجئة. بالفعل تبين الدراسة أن رياضيي كمال الأجسام أكثر عرضة للوفاة المفاجئة المرتبطة بمشكلة في القلب، فهل يمكن لدراسة مماثلة أن تدعو إلى إعادة النظر في فوائد الرياضة وأهميتها وطرق ممارستها. علماً أن رياضة كمال الأجسام تفرض شروطاً صارمة على من يمارسها سواء من حيث الجهد أو التغذية المناسبة، وحتى من حيث المنشطات والهرمونات التي يتناولها الرياضيون عادة في سبيل تحقيق أهدافهم بتكبير عضلاتهم.
رياضة كمال الأجسام في واقع مختلف
في الدراسة الإيطالية الجديدة التي أجريت بقيادة خبير الطب الرياضي من جامعة "بادوفا" الإيطالية الدكتور ماركو فيشياتو ونشرت نتائجها في مجلة "القلب" الأوروبية، تابع الباحثون سجلات 20 ألفاً و286 لاعب "كمال أجسام" شاركوا في فعالية رياضية رسمية في الأقل بين عامي 2005 و2020، وبعد تحليل البيانات تبين أن 121 رياضياً توفوا بمتوسط عمر 45 سنة. وتوصل الباحثون إلى أن لاعبي كمال الأجسام يواجهون خطراً كبيراً للوفاة المفاجئة بسبب مشكلة في القلب، خصوصاً إذا كانوا يتنافسون في مسابقات احترافية.
وأظهرت الدراسة أن الرياضيين الذين بنوا مزيداً من العضلات بمستويات أعلى خلال حياتهم كانوا أكثر عرضة للوفاة المفاجئة بسبب القلب، بمرتين مقارنة مع غيرهم من الأشخاص.
وزاد بصورة واضحة خطر حصول وفاة مفاجئة لدى المشاركين في مسابقات كمال الأجسام المنتظمة بمعدل خمسة أضعاف مقارنة مع الهواة، إذ إن نسبة 40 في المئة من الوفيات بين هؤلاء الرياضيين كانت مفاجئة ولها علاقة بأمراض القلب.
فهل يرتبط هذا الخطر ببقية الرياضات في حالات معينة؟
ما يشدد عليه رئيس قسم أمراض القلب والأوعية الدموية في "المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية - مستشفى رزق" في بيروت الدكتور جورج غانم أنه "من المؤكد أن الرياضة مفيدة للصحة على اختلاف أنواعها، وإذا ما تناولنا فوائدها في مقابل أضرارها، من المؤكد أن هذه الفوائد تتفوق إلى حد بعيد على الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج منها في حالات معينة. وتبقى الرياضة الوسيلة الفضلى للحفاظ على الصحة وتأخير الشيخوخة، والوقاية من أمراض القلب والشرايين والجلطات والأمراض السرطانية". ويصف غانم الرياضة بـ"الجرعة السحرية" بالفعل، لما لها من آثار إيجابية. والأهم أنها في متناول الكل، وفي حال الالتزام بها وممارستها بانتظام يومياً أو بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع في الأقل على مدى سنوات لتصبح نمط حياة، من الممكن الاستفادة منها إلى حد كبير، كما أثبتت الدراسات والعلم، ولا خلاف على ذلك أبداً.
لكل رياضة خصوصية
وتابع الدكتور غانم، "لكن لا بد من التمييز بين أنواع عدة من الرياضات، فمنها ما يشغل القلب بمعدلات كبرى، وهي تمارين الكارديو (الخاصة بنبضات القلب)، والأيروبكس مثل الركض والمشي والسباحة والتزلج وركوب الدراجة، كلها تساعد في تعزيز صحة القلب وفي تحسين وظائفه. ومن الرياضات أيضاً تلك التي تعرف بالرياضات اللاهوائية التي تشمل الركض السريع ورفع الأوزان وكمال الأجسام والملاكمة وكرة المضرب"، لكل من الرياضات فوائدها التي تختلف عن الأخرى، لكن غانم يدعو إلى الجمع بطريقة متوازنة ما بين رياضات الكارديو وتلك اللاهوائية لتحقيق استفادة قصوى ومثالية، فيساعد ذلك في تقوية العضلات ورفع معدلاتها بطريقة صحية.
إنما أياً كان نوع الرياضة التي يختار الفرد ممارستها، لا بد من التحقق من حالته الصحية للتأكد ما إذا كانت تسمح فعلاً بممارستها، "قد لا تكون هناك مشكلة للشباب أو الأطفال عندما يباشرون بممارسة الرياضة عامة، لكن حتى في سن مبكرة في حال الرغبة باحتراف رياضة، لا بد من إجراء فحص القلب أولاً في أية مرحلة عمرية. ومع التقدم بالعمر، يصبح فحص القلب للتأكد من إمكان ممارسة الرياضة أكثر أهمية قبل المباشرة بذلك، وهي خطوة لا يمكن التغاضي عنها. فقبل البدء بممارسة الرياضة في عمر الـ40 أو الـ50 عاماً، من الضروري إجراء فحص شامل للقلب أولاً للتأكد من صحة القلب والأوعية الدموية، ومن إمكان ممارسة الرياضة بأمان. وحتى في حال الاعتياد على ممارسة الرياضة من سن مبكرة، لا بد من إجراء فحوص شاملة للقلب في الأربعينيات من العمر، خصوصاً في حال الرغبة باحتراف الرياضة أو ممارستها بمزيد من الحدة، إذ إن ثمة مشكلات جينية يمكن أن تظهر في أي وقت على رغم ممارسة الرياضة، ويمكن أن تسهم الرياضة في تأخير ظهورها أحياناً، لكن لا بد من إجراء فحوص للقلب للتأكد من عدم وجودها. وهي خطوة أساسية لا بد من القيام بها خصوصاً في حال ارفعت حدة الرياضة التي يمارستها الشخص، ولا بد من أن يجيز طبيب القلب ذلك".
ركوب الدراجة
وأظهرت دراسات أن الرياضيين المحترفين الذي يمارسون مثلاً رياضة ركوب الدراجة يعيشون أكثر مقارنة مع غيرهم، شرط أن يحافظوا على نمط حياة صحي بعد التوقف عن ممارسة الرياضة الاحترافية في مرحلة عمرية معينة، وبالتالي يمكن للاحتراف أحياناً أن يطيل مدة سنوات العيش، ويمكن الاستفادة من أهمية الرياضة لتحسين جودة الحياة.
إلا أن هذا الواقع قد لا ينطبق على رياضة كمال الأجسام، لما لها من متطلبات خاصة تفرضها على الرياضي الذي يمارسها وعلى نمط حياته، لذلك قد تختلف إلى حد كبير من حيث أثرها عن بقية الرياضات. ويوضح غانم أن "من يمارس رياضة كمال الأجسام يعمل وفق أسلوب Valsalva في التدريبات، الذي يتطلب قطع النفس أثناء الشهيق أو الزفير لبضعة ثوان حتى يقدم الأداء الأفضل ويعطي أفضل ما لديه في رفع الأوزان الثقيلة. هذا المبدأ له أثر كبير في القلب والرئتين، ويحدث تغييراً مهماً في الضغط والدورة الدموية من القلب إلى الجسم ومن الرئتين إلى القلب. مما قد يفرض مجهوداً زائداً على القلب في المدى البعيد إذا لم يقم به الرياضي بالصورة الصحيحة، وفي حال لم يمارس إلى جانب رياضة كمال الأجسام تمارين تمزج مع رياضة الكارديو كالمشي والركض والسباحة تزيد الخطورة عليه. فكثر من رياضيي كمال الأجسام يغفلون عن القيام بهذه الخطوة المهمة، ولا يدركون بالفعل أهميتها بسبب بحثهم بصورة أساس عن بناء كتلة عضلية كبرى".
وذكر غانم أن "الشكل الخارجي لا يعكس دوماً صحة الجسم، فاكتساب مستويات أعلى من العضلات لا يعني بالضرورة أن القلب والرئتين والشرايين بصحة جيدة، وإن كانت للعضلات أهمية كبرى وهي من المعايير الأساسية للتقدم بالسن بطريقة صحية والحفاظ على الشباب وتأخير الشيخوخة. فهي تحمل الجسم في مرحلة من المراحل وتشكل دعامة للعظام، وتساعد في الحفاظ على النشاط الجسدي، لكن لا يمكن الاعتماد على المظهر حصراً، فإلى جانب العضلات التي ترتبط بالمظهر الخارجي، لا بد من الحرص على صحة العضلات الداخلية الصغرى التي لا يمكن رؤيتها في الظاهر، وهي موجودة داخل الأوعية الدموية، وهي عبارة عن عضلات للقلب، ويمكن تحقيق ذلك عبر المزج بين رياضات تقوية العضلات ورفع الأوزان وكمال الأجسام، ورياضات الكارديو والأيروبكس".
المنشطات خطر آخر
لنوعية التمارين التي يمارسها رياضيو كمال الأجسام أثر واضح في صحتهم، إذ إنه لتقوية العضلات وتكبيرها بدرجات عالية لا تكفي التمارين وحدها، فلا بد من الحصول على البروتينات اللازمة بكميات كافية في الوقت نفسه. لكن لتنجح عملية بناء العضلات بمستويات كبرى، ثمة حاجة إلى كميات كبرى من البروتينات، فأتت مكملات البروتينات لتحقق هذه الغاية، ففي كل نوع من أنواع الرياضات هناك حاجة إلى مكملات معينة، خصوصاً في حال الاحتراف أو ممارستها لفترات طويلة. فتبدو البروتينات ضرورية لتعافي العضلات بعد ممارسة الرياضة ولبنائها بمعدلات كبرى. أما بالنسبة إلى رياضيي كمال الأجسام فيختلف الوضع لأنهم يحتاجون إلى كميات كبرى من البروتينات المتوافرة بصورة مكملات، وفي كثير من الأحيان لا تكون كافة مكوناتها معروفة، "أحياناً يأتينا أشخاص يتناولون هذه المكملات ويعانون ارتفاعاً كبيراً في ضغط الدم بسببها، إذ قد تحتوي على معدلات كبرى من الملح، ومنهم من يعانون مشكلة ارتفاع ضغط الدم في مرحلة العشرينيات من العمر. ومن هذه المكملات ما يرفع مستويات الكوليسترول في الدم لدى بعضهم، هؤلاء الأشخاص قد لا يعطون أهمية لهذا النوع من المشكلات كونهم يركزون أساساً على تكبير العضلات، وهنا الخطورة الكبرى في هذه الرياضة"، بحسب الطبيب غانم.
من جهة أخرى، في مرحلة ما، لا تعود البروتينات التي يحصل عليها رياضيو كمال الأجسام كافية لهم، وذلك لرغبتهم في تكبير عضلاتهم أكثر بعد. وهنا تأتي الهرمونات التي تحوي على التيستوستيرون لتحقيق هذا الهدف. فهي تكبر العضلات إلى حد كبير وبصورة سريعة، ولا يمكن تحقيق ذلك بممارسة التمارين لسنوات طويلة. ولهذه الهرمونات آثار جانبية كثيرة، ومن ضمنها زيادة خطر الإصابة بأمراض تصلب الشرايين والكوليسترول والتجلط الدموي، وهنا خطورتها الحقيقية، خصوصاً أنه في حال الحصول عليها تبقى في الجسم ولو بعد التوقف عنها، ويبقى ارتفاع ضغط الدم وخطر تصلب الشرايين والتجلط موجوداً. بهذه الطريقة يكون الرياضي قد تمكن من تكبير عضلاته والتباهي بها لبضع سنوات، فيما قضى في المقابل على القسم المتبقي من حياته، وفق غانم.
وتبرز الخطورة الكبرى أيضاً عند توقف رياضيي كمال الأجسام عن ممارسة الرياضة، فهم يتناولون في فترة الاحتراف 3 آلاف أو 4 آلاف وحدة حرارية يومياً، ويحصلون على المنشطات والبروتينات، ويكبرون العضلات بصورة مبالغ فيها. وعند وقفها كلها، في حال عدم التحول إلى رياضات أخرى أقل حدة، يتحول العضل إلى شحوم وتزيد بمعدلات كبرى ومعها أوزانهم، مما يسهم في إنتاج السموم التي تؤدي مع الوقت إلى أمراض في الشرايين مثل تصلب الشرايين وأمراض القلب.
أمراض القلب
كل هذه الأسباب تجعل هؤلاء الرياضيين أكثر عرضة لأمراض القلب والشرايين، والسكتات المفاجئة للقلب، والجلطات، وارتفاع الكوليسترول، وضغط الدم. من هنا أهمية التركيز على ممارسة رياضة كمال الأجسام بصورة يمكن فيه الاستفادة من ميزاتها ومن آثارها الإيجابية في صحة القلب والشرايين وفي الصحة الداخلية عموماً والرئتين، إلى جانب تعزيز مستويات العضلات.
كما شدد غانم على المنفعة النفسية للرياضة التي لا يمكن تجاهلها، وهذا ما يجب التركيز عليه بصورة أساس بدل تحويلها في اتجاه معاكس عبر التركيز على بناء العضلات بأي شكل من الأشكال، وتناول الهرمونات والمنشطات والبروتينات لتحقيق هذا الهدف، فهذا ما ينعكس سلباً على الصحة النفسية ويزيد العدوانية أيضاً بصورة واضحة لدى الشخص الرياضي، فيكون بذلك خسر فوائد الرياضة كافة.
ضريبة على رياضيي كمال الأجسام
من جهته أوضح المدرب الرياضي عبد كنيعو أنه "بصورة عامة يعتبر معدل سنوات عيش رياضيي كمال الأجسام منخفضاً مقارنة مع غيرهم من الأشخاص فيتراوح بين 50 و55 سنة، وهنا يجب التذكير بأنهم يبذلون جهداً إضافياً ويتناولون الستيرويدات حكماً بصورة مبالغ فيها، وغالباً من دون متابعة طبية. أما ما تفعله هذه الستيرويدات فهو تكبير العضل من جهة وتزيد سماكة العظام من جهة أخرى، إلا أنها في الوقت نفسه تؤثر في الأوعية الدموية وتسبب تغييرات عدة في الجسم من النواحي كافة، وعند الحصول عليها يشعر الرياضي بقوة تفوق المعدلات الطبيعية، وهذا ما يشجع هؤلاء عادة على اللجوء إليها. إنما هي تكون بذلك سبباً أيضاً لتعرض الرياضي إلى الإصابات بمعدلات كبرى، لأنه يشعر بقوة غير حقيقية، مما ينعكس على صحة العظام والمفاصل أيضاً بما أنه يحمل أوزاناً تفوق قدراته". وأضاف "بصورة عامة لا يهم المحترف كيف يحقق هدفه في رياضة كمال الأجسام ما دام أنه يحققه، فهذا ما يسعى إليه دوماً بغض النظر عن العواقب، كما أن التزام المحترف هنا يفرض عليه نمط حياة محدد، فيلتزم بالتمرينات في الصباح والمساء يومياً، وأحياناً خلال النهار أيضاً. كما يفرض عليه ذلك الأكل ليلاً لزيادة معدلات الطاقة في العضلات ليزيد حجمها أكثر بعد، فبقدر ما يزيد الطاقة فيها يزيد حجمها أكثر بعد. لذلك هو يزيد من كمية البرويتات والنشويات بصورة مبالغ فيها، مما لا شك فيه أن لرياضية كمال الأجسام ولتحقيق الأهداف المرجوة منها ضريبة يدفعها الرياضي من حياته ومن صحته أيضاً".