في الذكرى الرابعة والثلاثين لانتفاضة شعب كوردستان التي اندلعت في آذار عام 1991 والتي کانت لحظة فارقة في تاريخ هذا الشعب الجبار الذي وقف متحداﱠ ضد الظلم و القمع والإبادة الجماعية الذي مارسه النظام الديکتاتوري البائد، نتذکر تضحياته و إرادته الحرة و عزيمته القوية.
لقد عاني شعبنا على مدي عقود من قسوة الأنظمة الاستبدادية المتتالية والتي حکمت العراق بالحديد والنار، لذا قرر أن يكون له دور في تقرير مصيره، فانتفض ضد الظلم والاضطهاد في خطوة جريئة نحو الحرية.
حکومة البعث إستخدمت من خلال الهجمات الجوية والبرية قوة مفرطة لقمع الانتفاضة، ، إلا أن إرادة الشعب الكوردستاني كانت أقوى من آلة الحرب، وظلوا يقاومون بكل ما أوتوا من قوة. فالتضحيات الجسيمة لشعب كوردستان و كفاحە من أجل حصول الشعب الكوردستاني علي حقوقه المشروعة هي التي أرغمت المجتمع الدولي علي إتخاذ قرار (688) و بقية القرارات حتي موافقة مجلس الأمن الدولي علي تحرير العراق في نيسان عام 2003 وماحصل حتي صدور الدستور عام 2005. إذن هذه الانتفاضة كانت بداية لتغيير جذري في وضع كوردستان، حيث مهدت الطريق لإنشاء منطقة آمنة تحت حماية المجتمع الدولي، وهو ما سمح لشعب كوردستان بتحقيق خطوات مهمة نحو بناء إقليم كوردستان کجزء من العراق الاتحادي الفدرالي.
الرئيس مسعود بارزاني القائد يعرف بأن المرحلة التاريخية التي يمر بها إقليم كوردستان تجاوزت طرح أسئلة بسياقها الإجتماعي والسياسي المرهونة بفكر وثقافة فترة النضال المسلح ضد الدكتاتورية والأنظمة الشمولية المستبدة والبائدة، لذا يؤکد علي الوحدة الکوردستانية المؤمنة بالتسامح والتعايش السلمي وضمنان الحريات الفردية للتعمق في الثقافة السياسية كالدستور والحقوق والواجبات وصلاحية السلطة الي جانب الأمن والغذاء لبروز أسس الوعي السياسي ومحو حالة الإستغفال والتخلف والإتكالية وسياسة التجويع بعد قطع ميزانية الإقليم لمدة أكثر من عقد من قبل "الحکومة الشريكة" في بغداد. فبدون ترسيخ مبدأ التعايش السلمي لن يكون هناك إستقرار سياسي أو أمني، ولن يكون هناك نهوض اقتصادي ومجتمعي، كما لا يمكن لطرف ما عدﹼ نفسه رابحاﹰ وغيره بالخاسر، بل إن جميع الأطراف ستكون خاسرة في لعبة شد القوى بين الأطراف الفاعلة في كوردستان. إن إحياء شعور المواطن الكوردستاني المبني علي مرتكزات عملية مستمرة من شأنها دعم تحقق هذه الوحدة على أرض الواقع وتجسيدها بشكل يناغم بين الفكر والعمل والسلوك.
إن السعي المستمر للقيادة الحکيمة في الإقليم لرسم المجال الجيوسياسي للإقليم دون الإعتماد علي الجهات الخارجية، هو بهدف تحقيق الطموحات الوطنية المشروعة.
لأن إدارة الإقليم تبقي دوماً رهناً لما نفكر فيه ونصنعه، فهي صيرورة مفهومها علي مستوي الفكر وثمرة التجارب الفذة والغنية علي أرض الواقع البشري الملغم دوماً بالأهواء والمطامع أو بالجهل والنسيان أو بالخداع والأوهام، ومن لا يتقدم يتراجع لا محالة ومن لا يتغير تهمشه المتغيرات أو تنتقم منه الوقائع.
إن شعب كوردستان تواق إلى الحرية والاستقلال، وقد تجسد هذا التوق في نضاله المستمر على مر العصور، رغم التحديات الجسيمة التي واجهها.
هذا التوق العميق إلى الحرية لا يعكس مجرد رغبة في العيش دون قيود، بل هو تعبير عن حقٍ طبيعي في تقرير المصير والسيادة على الأرض والموارد. الشعب الكوردستاني، الذي عانى من القمع والظلم عبر العقود، ثابت في مطالبته بالحرية و الإستقلال، ولا يتوقف أبداﱠ عن السعي نحو تحقيق حلمه في بناء وطن حر ومستقل. هذه المطالبة ليست مجرد رغبة عابرة، بل هي جزء من هوية الشعب الكوردستاني نفسه، الذي يسعى دائماﱠ للحفاظ على ثقافته و لغته و تقاليده، ويعمل بجد لحماية حقوق المکونات الأخري و تحقيق العدالة والمساواة. و لا تسمح قيادة الأقليم، التي تعمل بحماسة في سبيل ترسيخ أواصر المحبة والوئام بين أبناء الشعب الکوردستاني، أن يجرها قوي شوفينية و طائفێة بسياستها الإستفزازية الفاشلة الي حرب تهدد بتخريب منجزاته الإعمارية والإنمائية وتعيد مشاريعها التطويرية والتحديثية الي نقطة الصفر، لتصل الي هدم السلم الأهلي والإستقرار الأمني
نحن لدينا البيشمرگة الشجاع والقائد مسعود بارزاني، الذي يحاور بفاعليته وبراغماتيته وتجاربه وواقعيته وكاريزميته والتصاقه بالجماهير كافة الأطراف الكوردستانية من أجل خلق لغة الدولة الموحدة، القادرة علي هدم جدران الكره والعداء و الهادفة الي منع تحويل الإختلافات الإيديولوجية أو الهويات العرقية والدينية الي زنزانات عقائدية أو الي مصانع لإنتاج الفرقة والفتن. منذ سنوات وهذا الزعيم يسعي بأن نخرج نحن من عقلية الثبات والمحافظة، تلك العقلية التي تنتج التراجع والتبعية، لنسير نحو منطق التوليد والتحويل بتنشيط العلاقات الدبلوماسية وتفعيل جسور التواصل مع المحيط الاقليمي والدولي، لأنه يعرف تمام المعرفة بأننا به نرفع شأن ومكانة كوردستان الدولة في المجتمع الدولي ولدي المنظمات العالمية.
إن تطلعات شعب كوردستان للسلام لا تعني الاستسلام، بل هي تعبير عن رغبته في العيش بسلام تحت سقف حقوقه وتطلعاته الوطنية، حيث يسعى إلى بناء مستقبل مستقر وآمن للأجيال القادمة.
في النهاية، شعب كوردستان سيظل يسعى نحو تحقيق استقلاله، مستمدًا قوته من منهج البارزاني الخالد و إرادته الحديدية وتاريخه الغني بالنضال، ويعبر عن تمسكه بالحرية والاستقلال في جميع الأوقات.
فلتحيا إرادة هذا الشعب الباسل، ولتبقى تضحياته مصدر إلهام لجميع الأحرار في العالم!
دکتوراه فلسفة، جامعة هايدلبيرغ، المانيا