يبدو للقارئ اول وهلة أن الرواية تاريخية محض لما فيها من تفاصيل وافرة عن الأزمنة والأمكنة والأشخاص وعن اهم احداث تاريخ أشور واسرائيل المشترك بين السنة 734 والسنة 612 قبل الميلاد
فقد ورد أن طوبيت وأسرته جلوا مع سبط نفتالي
( سفر اخبار طوبيت بن طوبيئيل بن حننئيل بن عدوئيل بن جبعئيل من نسل عسائيل ومن سبط نفتالي في أيام شلمناسر ملك أشور جلي من تشبه في جنوب به قادش نفتالي في الجليل الاعلى فوق حاصور وراء شمس الغروب والى شمال صفت ) سفر طوبيا 1 / 1 - 2 اسم الأب طوبيت واسم الابن طوبيا أما سائر أسماء العلم في الكتاب فانها تختلف اختلافاً كبيراً باختلاف المخطوطات هذا الحث كان ذلك في السنة 733 قبل الميلاد وفقا لما كتب في سفر الملوك الرابع 15 / 29 واسمه في النص المسوري الملوك الثاني ( في أيام فقح ملك اسرائيل جاء تغلثفلاسر ملك الآشوريين وأخذ عين وآبل بيت معخة ويانوخ وقنز وحصور والجليل كل أرض نفتالي وجلاهم الى الآشوريين ) وفي أيام فاقح ملك إسرائيل جاء تجلت فلآسر ملك أشور وأخذ عيون ؤآبل وبيت معكة ويانوح وقادش وحاصور وجلعاد والجليل وكل أرض نفتالي وجلاهم إلى أشور ) وهنا جلاء الاسرائيليين حين استولى ملك أشور على شمال مملكة اسرائيل للقضاء على عصيان الملك فاقح لكن يجب ألا توقعنا هذه الدقة في الوهم فالكثير مما ورد في القصة يتلاشى عند التدقيق
من الواضح أن المؤلف لا يعرف الملوك الذين يذكرهم إلا من بعيد ( في أيام شلمناسر ملك أشور جلي من تشبه في جنوب به قادش نفتالي في الجليل الاعلى فوق حاصور وراء شمس الغروب والى شمال صفت ولما مات شلمناسر وملك سنحاريب ابنه مكانه فأغلقت طرق ميديا لم أعد أستطيع الذهاب اليها ) سفر طوبيا 1 / 2 و 15 وأنه لم ينتقل في المناطق التي يصفها ( قال له نعم وكثيراً ما كنت فيها ولي خبرة ومعرفة بجميع الطرق ذهبت الى ميديا مراراً ونزلت بأخينا جبعئيل المقيم براجيس عادية فان راجيس تقع في الجبل ) سفر طوبيا 5 / 6 في هذه الآية معلومات جغرافية غير دقيقة همدان اليوم ليست بالقرب من راجيس يقال لها رائي اليوم وهي بالقرب من طهران لكن المؤلف لا يأبه للدقة فمراده الوحيد هو أن يجعل قصته تجري في بلد بعيد فاذا أحاط المؤلف رايته بإطار عريق هو اطار القرنين الثامن والسابع فما ذلك إلا ليضفي عليه طابع الحقيقة والحجة
ان المؤلف هو في الواقع قصاص يحب الطرافة والتفاصل المأخوذة على طبيعتها فكل منا يشعر بما ألف عندما يسمع طوبيت ينصح امرأته بالتعقل وبالكف عن الدموع بعد رحيل ولديهما ( قال له عليك البركة يا أخي ثم دعا طوبيت آبنه فقال له يا بنى أعد ما يلزم للطريق وآذهب مع أخيك والله الذي في السماء يحفظكما هناك ويردكما إلي سالمين وملاكه يرافقكا بحمايته يا بني وخرج طوبيا للذهاب في طريقه وقبل أباه وأمه فقال له طوبيت اذهب سالما وبكت أمه وقالت لطوبيت لماذا ترسل ولدي؟أما هو عكاز شيخوختنا وهو الذي يدخل ويخرج أمامنا؟يجب ألا يضاف المال إلى المال بل أن يكون فدية ولدنا كفانا ما رزقنا الرب من عيش قال لها دعي عنك الهم فإن ولدنا سيذهب سالما ويعود إلينا سالما وعيناك ستشاهدان اليوم الذي يعود فيه إليك سالما فدعي عنك الهم ولا تخافي عليهما يا أختي سيرافقه ملاك صالح ويكون سفره ناجحا ويعود سالما ) سفر طوبيا 5 / 17 - 22
عندما يرى الكلب يمضي مع سيده
وذهب الولد والملاك معه وذهب معه الكلب ورافقهما وسارا كلاهما ولما كانت الليلة الأولى باتا بجانب نهر دجلة ) سفر طوبيا 6 / 2 ( وبكى ثم قال إني أراك يا ولدي ونور عيني وأضاف مبارك الله ومبارك اسمه العظيم مباركة جميع ملائكته القديسين مبارك اسمه العظيم أبد الدهور ) سفر طوبيا 11 / 14
والجارية تدخل ليلاً وبيدها الشمعة الى غرفة العروسين ( فلما آنتهوا من حفر القبر عاد رعوئيل إلى البيت فدعا آمرأته وقال أرسلي واحدة من جواريك ولتدخل لترى هل الفتى حي فإن مات دفناه من دون أن يعلم بالأمر أحد من الناس فأرسلا الجارية وأضاءا القنديل وفتحا الباب فدخلت الجارية فوجدتهما مضجعين ونائمين معا نوما عميقا فخرجت الجارية وأخبرتهما بأنه حي وبأنه ليس هناك من سوء ) سفر طوبيا 8 / 11 - 14
وعندما يتحسس بخوف الوالدين من طول غياب ابنهما ( وكان طوبيت بحسب يوما بعد يوم عدد الأيام التي يتم فيها الذهاب والتي يتم فيها الإياب ولما انقضت هذه الأيام ولم يحضر آبنه قال في نفسه لربما عاقه مانع هناك أو لربما مات جبعئيل وليس هناك من يسلم إليه المال فوقع في قلق وكانت حنة آمرأته تقول هلك آبني ولم يبق بين الأحياءوأخذت تبكي وتنوح على آبنها فتقول الويل لي يا ولدي لأني تركك تسافر أنت نور عيني وكان طوبيت يقول لها اسكتي ودعي عنك الهم يا أختي فهو سالم لا شك أن قد طرأ عليهما طارئ هناك فالرجل الذي رافقه في السفر هو أمين وهو من إخوتنا فلا تقلقي عليه يا أختي فلن يلبث أن يكون هنا قالت له دعني ولا تخدعني فلقد هلك ولدي وكانت كل يوم تخرج مسرعة فتراقب الطريق التي ذهب فيها آبنها ولا تصدق أحدا من الناس وبعد غياب الشمس كانت تدخل فتنوح وتبكي طوال الليل ولا يأخذها النعاس ولما آنقضت أيام العرس الأربعة عشر التي حلف رعوئيل بأن يقيمها لآبنته دخل عليه طوبيا فقال له دعني أرحل، فأنا أعلم بأن أبي وأمي لا يظنان أنهما سيرانني بعد اليوم والآن فأرجو يا أبت أن تدعني أرحل وأعود إلى أبي سبق أن أخبرتك بأي حال تركته ) سفر طوبيا 10 / 1 - 7
والاحداث ترتبط ارتباطاً فنياً وتتشابك من دون ان تتصادم وكل شيء يأتي في الوقت الموافق مما يضفي على مجمل الرواية طابع القصة فما كاد طوبيا يبحث عن رفيق له إلا والرفيق أمامه ومنذ مساء المرحلة الأولى من السفر يحصل على الأدوية اللازمنة لنجاحه من صيد الحوت فنحن نشعر بأن القصاص يسر بسرد الاحد وندرك ان مستمعيه لهم متسع من الوقت للسماع ( وذهب الولد والملاك معه وذهب معه الكلب ورافقهـما وسارا كلاهما ولما كانت الليلة الأولى باتا بجانب نهر دجلة ونزل الولد ليغسل رجليه في النهر فوثب حوت كبير من الماء وأراد أن يبتلع رجله فصرخ الصبي فقال الملاك للصبي أمسك بالحوت وآقبض عليه فقبض الصبي على الحوت وجره إلى الأرض فقال له الملاك شق الحوت وأخرج مرارته وقلبه وكبده وضعها جانبا وألق بالأحشاء فمرارته وقلبه وكبده دواء ناجع ) سفر طوبيا 6 / 2 – 5.
اعداد الشماس سمير كاكوز