( وهو مجروح لأجل معاصينا ، مسحوق لأجل آثامنا . تأديب سلامنا عليهِ ، وبحبره شفينا ) " إش 5:53 "
تجسد إبن الله في الإنسان لكي يقدم نفسه ذبيحة مُرضية لله الآب كإنسان طاهر من أجل إتمام مخطط الله الخلاصي . ففي أيام الأسبوع الأخير من حياة يسوع الأرضية كان يسوع يتهيأ للصعود على مذبح الصليب بإرادته لكي يموت عن جميع البشر . والميّت بحسب عادات اليهود كان جسدهُ يُمسَح بالطيب قبل وضعهِ في القبر ، وهذا العمل قد سبق موته ، فخبرمسحهِ بالطيب من قبل إمرأة في بيت عنيا لم يفهمه جميع الحاضرين عدا يسوع . هناك تفسيرات ثلاثة لهذا العمل . تفسير التلاميذ الذين يرون فيه تبذيراً وخاصةً الأسخريوطي . والثاني تفسيرالمرأة صاحبة قارورة الناردين الغالي الثمن ( مر 3:13 ) فعملها يدل على عظم إحترامها ليسوع ، ويثبت للحاضرين على إنها إعترفت بأن الذي تمسحهُ هو المسيح . حين صَبَّت على رأسه الزيت الملوكي . أما التفسير الثالث والأخير فهو ليسوع الذي قال ( طَيّبَت جسدي مسبقاً للدفن ) " مر 8:14 " . ففكرة المرأة من هذا العمل كان لتكريم المسيح كملك ، أما هو ففكر بموته ولأجل عمل المرأة العظيم خَلّدَ يسوع ذكراها في الإنجيل .
الجلسة الثانية مع تلاميذهِ كانت في العليّة لتناول العشاء الأخير وهناك أنبأ بخيانة واحداً منهم . ، بعدها إنطلقوا إلى بستان الزيتون ، أما الخائن يهوذا فقد كان في تلك اللحظات عند قادة اليهود .
في البستان نال النعاس من التلاميذ فناموا غير واعين لما قاله لهم يسوع ( إحذروا وإسهروا لأنكم لا تعرفون متى تكون الساعة .. ) " مر 13: 33-37 " وها الساعة قد أتت والإنسان الضعيف تجذبه قوتان متعارضتان ، الأولى هي قوة الله الذي جعل روحه في الإنسان لكي يتوجه نحو عمل الخير ، وجسد الإنسان الضعيف الخاضع لسلطان الخطيئة . كانت ساعة يسوع الأخيرة قبل القبض عليه ساعة إمتحان حاسم لتلاميذه الذين لا يستطيعون المواجهة والتحدي بدون قدرته ، لكن رغم ذلك ناموا ليبقى يسوع يصارع في تلك الساعة لوحدهِ . لام بطرس وقال له ( هل أنت نائم يا سمعان ؟ الأم تقدر أن تسهر ساعة واحدة ؟ ) " مر 37:14 " .
في مشهد الجسمانية قال يسوع ( نفسي حزينة حتى الموت ) فطلب في صلاته من الآب قائلاً ( أبا ، يا أبتِ ، إنك على كل شىء قدير فإصرف عني هذه الكأس ) " مر 36:14" . إنها صورة كأس فيها خمر سخط الله المسكوبة في كأس غضب الله . إنها توحي إلى حجم الخطيئة التي سيتحملها المسيح . إنها خطيئة الإنسان من آدم إلى آخر إنسان في الحياة عند مجىء المسيح ، يشبه حجمها كحجم مليارات الأجرام السماوية لو جمعت على شكل هرم هائل مقلوب ، ماذل ستكون قوة الضغط الذي تتعرض له نقطة الإرتكاز ، فخطايا البشر كلها ليست أقل حجماً من هذا الكون المادي ، فكان يسوع يتحمل في الجسيماني ثقل خطيئة العالم كله وأزالها ( يو 29:1 ) . والصليب الحقيقي الذي حمله على كتفيه حتى قمة الجلجثة وعليه سُمِرَ ، إنما كانت الخطيئة التي سمرت معهُ . وفي كل تلك اللحظات قال : نفسي حزينة حتى الموت ! سال منه عرق ودم لأنه كان يعيش الوضع الأقصى بالمعنى المطلق بسبب ثقل خطيئة العالم المرتكزة عليه فقط
جاءت الساعة وفرالتلاميذ ولم يبقى هناك إلا شاباً لا يلبس غير إزرارعلى عريهِ ، فأمسكوه ، فترك الأزرار وهرب منهم عرياناً ( يعتقد بأنه كان البشير مرقس الذي إنفرد بإنجيله كتابة هذا الخبر ) الذي حاول أن يتبع يسوع ، لكنه هو أيضاً فرَّ ليترك يسوع وحيداً بيد تلك العصابة .
وصل يسوع أمام قضاة المحكمة اليهودية التي لم تَطولَ كثيراً لأن يسوع إعترف سريعاً وبوضوح أنه المسيح إبن الله الحي . وينسب لنفسهِ صفاة إبن الإنسان الذي رأى فيه النبي دانيال كائناً سماوياً آتياً على الغمام . ويلمح يسوع إلى (مز 110 ) أي إلى عرشه الملكي السماوي عندما يجلس الرب الإبن إلى يمين الرب الآب ، وهذا العرش لا يمكن أن يكون على الأرض كما كانوا اليهود ينتظرون المسيح ليجلس على عرش داود ليحررهم من عبودية الرومان ، بل عرش يسوع سماوي .
كان هناك نزاع بين يسوع ورؤساء اليهود ، لم يكن مجرد حدث تاريخي إذ يرى فيه البشير يوحنا أوج المعركة الطاحنة التي يتجابه فيها النور والظلام في قلب إنسان ، إما الحكم عليه من قبل معاصريه فيتخطى مسؤليتهم ليشمل واقعة الخطيئة بأسرها لأن بموته تتم دينونة العالم كله .
حكموا عليه بأنه مجذف ويستحق الموت فلا حاجة إلى شهادات الشهود . سيق إلى بيلاطس البنطي ، كذلك أمام الرومان أكد يسوع بأنه المسيح وهو إبن الله ، ومملكته ليست من هذا العالم وذلك عندما سأله بيلاطس وقال ( هل أنت ملك اليهود ؟ ) فأجابه ( أنت قلت ) ، فأعتبرت تهمة لصلبه ، لهذا سماه بيلاطس ملك اليهود وكما أراد يسوع ، وكتبت تلك العبارة بثلاث لغات وعلقت على الصليب .
حمل يسوع صليبه وسار في درب الصليب نحو الجلجثة . ساعده في حمله سمعان القيرويني بدلاً عن التلاميذ ليشارك في الآلام لمدة ثلاث ساعات على الصليب .هذه المدة التي تحددها الصلاة اليهودية ثم المسيحية ، تمثل مدة الأحداث . تمثل أيضاً مدة تأمل الجماعة التي دونت هذه الأحداث على ضوء الكتب المقدسة ، رفض يسوع العطشان على الصليب أن يشرب الخل الذي كان يفعل فعل المخدر لكي يتحمل الآلام ، لأنه أراد أن يتحملها بكل صبركل الآلام كما هي ، فرأى الرسول متى في ( 34:27 ) كان تلميحاً إلى (مز 21:69 ) . ثقبت اليدين والرجلين ، وتم الإقتراع على ملابس المصلوب بين لصين لتتم نبؤة المزمور ( 22) . شتم يسوع أولاً ، وإنفرد متى بكتابة ( جعل قصبة بيده اليمنى ) كالملك المهان . كما إنفرد بذكر تهكم يضاف إلى التهكمات التي رمي بها يسوع . كقولهم ( إتكل على الله ، فلينقذه الآن .. ) لأنه قال ( أنا إبن الله ) .
بعد موته على الصليب نتوقف عند خبرين مهمين ، الأول يتعلق بستار الهيكل الذي انشق من أعلى إلى أسفل والذي كان يغلق الهيكل أو ذلك الذي يغلق قدس الأقداس . يبدو الحدث هو تسبيق لدمار الهيكل الذي أنبأ به يسوع قبل قبل أيام قليلة ، فموت المسيح ملك اليهود هو نهاية لهيكل أورشليم ، ونهاية العهد القديم والديانة اليهودية.
الخبر الثاني هو شهادة قائد المائة الوثني لما رأى كيف مات المسيح ، فأعلن قائلاً ( كان هذا الرجل إبن الله حقاً ) وكلامه هذا قد سبق إيمانه ..
بعد موت المسيح أيضاً حدث زلزال ففتحت القبور وقام القديسون وإنتظروا قيامة المسيح للدخول معه إلى المدينة المقدسة . في هذا الأنشاء الرؤيوي ، يلفت حتى نظرنا إلى أن حدث الفصح هو آخر الأزمنة ، وأن القديسين يستطيعون أخيراً أن يدخلوا مع القائم من الموت إلى أورشليم السماوية . وهذا ما حدث فعلاً لأن يسوع نزل إلى الهاوية وأخذ الآرواح البارة من آدم إلى من مات في ذلك اليوم إلى السماء بموكب نصر عظيم .
ليتمجد أسم المصلوب إبن الله
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"