ولدت الشاعرة دنيا ميخائيل في بغداد العام 1965. دخلت معترك الشعر منذ الصغر، ونشرت اغلب قصائدها في الصحف والمجلات العراقية والعربية . شاركت في فترة الثمانينات من القرن الماضي في العديد من المهرجانات الشعرية . أصدرت عن منشورات آمال الزهاوي مجموعتها البكر (نزيف البحر) عام 1986، حيث جاء في إهدائها :"إلى اللاشيء .. لأن اللاشيء هو الشيء الوحيد الذي يعنيني.. فمن اللاشيء تبدأ كل الأشياء" كتب مقدمة المجموعة الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد ، ومما جاء فيها : "مجموعتان شعريتان في مجموعة واحدة .. هذا ما تحتضنه شطأن " نزيف البحر " أولاهما تتشكل بامتزاج هذه الاختيارات المكثفة من قراءات ، مناخاً يصعب ألا يكون هو الشعر نفسه ، هذه الاختيارات التي يستطيع المتأمل أن يصل من خلالها إلى آخر قطرة ماء في منابعك الخفية ، لأنها أنت ِ راشحة ً من عشرين ريشةٍ لعشرين قلماً مبدعاً ".
كتب الشعر باللغتين العربية والانكليزية . هاجرت الى الولايات المتحدة في التسعينيات من القرن العشرين.نالت شهادة الماجستير في الآداب الشرقية / جامعة "وين ستيت" الامريكية 2001، كما حصلت على العديد من الجوائز منها جائزة "كريسبي" للاداب والفنون 2003 .
جائزة حقوق الانسان في حرية الكتابة من الامم المتحدة وجائزة الكتاب العربي الامريكي عن ديوانها "يوميات موجة خارج البحر" .
من أعمالها المنشورة : نزيف البحر، منشورات آمال الزهاوي، بغداد، 1986/ مزامير الغياب، دار الاديب البغدادية، بغداد 1993 / يوميات موجة خارج البحر، دار الشؤون الثقافية، بغداد 1995 ، صدرت الطبعة الثانية عن دار عشتار ، القاهرة 2000 / على وشك الموسيقى ، دار نقوش عربية ، تونس 1997 / الحرب تعمل بجد، دار المدى، دمشق 2001 / الحرب تعمل بجد ومختارات شعرية أخرى، دار الغاوون، لبنان.
الشاعرة تكتب الشعر عن دراية واطلاع وأسس ومرجعيات كثيرة، تعمل على حبك نصوصها لتقديمها بصيغتها النهائية، إنها سرد لانفعالات وانطباعات وتخيلات الشاعرة ، التي في مبعثها ما هي إلا طرح لإرهاصات حياتية متنوعة، أي طرح الواقع بعيداً عن التعقيد :
(ما بين أن تكون
قاتلا أو قتيلا
ألف قرار
فمن يعبر من القلب / إلى جرحه ؟
ومن يمنع الدقائق
من الفرارْ)
تتسم أغلب نصوص الشاعرة دنيا ميخائيل بجرأة الخطاب ووضوح الرؤيا، من خلال رصدها الواعي وطرحها للثيمات الحدث الرئيسة وهي تحاول اقتناص اللحظة والتمعن بها، لتجعل القارئ أكثر تقبلاً وتمعنا في النص، من خلال لغتها الثرة الرشيقة، فهي تجيد التلاعب بالألفاظ والأفكار والمفردات معاً، بغية خلق نظرة رؤيوية إنسانية شاملة، تتفجر على شكل توليفات لغوية . كما تقول في نصها (في البدء كان البحر):
(كانت البحار حبلى
فأنجبتني / لكنها تنبأت بموتي
على صليب كلماتي
فخبأتني
من يومها وأنا أحكي الشجون
للأصداف
لأوراق الصفصاف أحكي
من يومها وأنا
أبكي ولا أبكي).
تأتي اغلب قصائد الشاعرة دنيا ميخائيل على شكل تنويعات حياتية انتشلتها من الواقع، لتعبر عن ما يجيش في مخيلتها من تراكمات الحياة، بحلوها ومرها، دون مواربة أو لف أو دوران، بل تدخل في صلب الحدث . إنها تعكس أدواتها في بناء نصها كالمرآة، ضمن لغة مثيرة تشد المتلقي إلى معرفة نهاياته :
(تدق الساعة
منتصف العمر
اثنتا عشرة مطرقة
وتلك امرأة
تنصب لعشاقها
طاولة الخمر
وبخورا
وليلا قمريا
ومشنقة
في الصباح
تعلق على حائط الرياح
صورته البلهاء
وبقايا
قهقهةٍ مراء).
فنصوصها ما هي إلا عبارة عن ومضات متتالية متناسقة تتصاعد وتخفت مع تصاعد وخفوت الحدث، على وفق تسلسل ذهني واقعي، يتعامل مع حياة وعوالم الشاعرة الرومانسية العذبة، التي تتشابك مع تعقيدات الحياة وتوترها، لذلك جاءت ذاكرة شخوصها، متمركزة حول ثيمات المعاناة الحياتية واليومية، لتعبر أخيراً عن دواخل نفسية حادة يستطيع القارئ إستكشافها في ما وراء النص . هذا ما نلمسه في مقاطعها الشعرية التي سمتها (شظايا متناثرة) :
(عيناك
عصفوران من الآس
حين يخترقان
غيمة أحزاني
أعرف حينها
أن الله
يسكن أجفاني)
وكما تقول في نص (أحجار):
(لو أن الأحزان
تصير أمطارا
لكان الطوفان
لو أن العصافير
تصير أحجارا
لنامت في عشنا الغربان).
إن نصوصها ما هي إلا هواجس داخلية تعيشها الشاعرة عل شكل ثيمات مركزة . تحاول من خلالها الوقوف بوجه بعض العادات والتقاليد القديمة والبالية، لتفتح آفاقاً رحبة للحياة الجديدة، الحياة التي تتسم بالصدق والبساطة ووضوح الرؤيا:
(أريد المزيد من العمر
كي لبرهن
إن الماء والنار
توأمان
أريد المزيد من الصبر
كي أواجه الزمان القبيح
وأيامي التي لا تستريح).
في قصيدتها الموسومة (مطر) المنشورة في مجموعتها (نزيف البحر) تتعكز الشاعرة على قول للكاتب العالمي البير كامو الذي يقول (ظل المطر يسقط حتى ابتل ماء البحر) . إن ما تنطوي عليه فلسفة النص ظاهر في هذا التعكز ، فجعلت من نصوصها " مفاتيح نفسية لكل الموسيقى التي كتبتها "، والتي تشكل مجموع نصوصها . والمطر عند الشاعرة رمز للعطاء الدائم، والحياة المنسابة عبر ذاكرتها الطرية المبهورة بين الأضواء والحدائق الخضراء وهدايا بابا نوئيل فتقول :
(مطر
مطر
مطر
يبسط قلبي جناحيه
للمطره
يطبع على شفاه الضوء
قبلةً
فيولد من قبلة الضوء
قمره)
وهنا تبدو الشاعرة اقرب إلى قلب المتلقي، ذلك لأنها تنطلق من ذاكرتها الطفولية :(المثقلة بالرومانسية والمرهفة الحس بالإيقاع، مدهوشة به حتى لتتقصده تقصداً، متلذذة بطعم كلماتها ) :
(عندما ضيعت في البحار
ذاكرتي
غنيت ملء دمعي
وكان وجه الماء خائفا
كأيامي
حين يلد البحر
تفاحة من نار
أخبئ بيني
وبين صفصافة النهر
فرح الماء).
وهكذا نرى أن قصيدة (مطر) للشاعرة دنيا ميخائيل، ما هي إلا توليفات جميلة تستند على ترجمة معاناتها وحياتها وطفولتها، وهذا ما نستطيع معرفته في استخدام عناوين العديد من قصائدها واستخدامها استخداماً ذكياً بغية تشابك وتوارد الحدث وتواصله :
(قمر ...قمر...قمر...
قمر يقاسمني ظلي
وجرح القصيدة
لا فرق بين الحب وجرح القصيدة
لا فرق بين دمي وبالونات الهواء
لا فرق بين قلبي
وكيس بابا نوئيل
لا فرق بيني والعنقاء).
وأخيراً فان نصوص الشاعرة دنيا ميخائيل، لا تخلو من جمالية سردية، وتصورات من وعي الباطن، تحاول من خلالها أن تستقرىء دواخل القارئ، ضمن فضاءات مفتوحة أو مغلقة، تريد أن تفجر مكامن الفعل فيه . إنها انطباعات وتخيلات متلاحقة، موغلة في عوالم مادية وعاطفية، ضمن مشاهد درامية حية تنقلنا إلى عالم الحقيقة والواقع .من خلال تصورات مبثوثة في عالم متشابك في الوسائل والنوايا.
مــطر
"ظل المطر يسقط حتى ابتل ماء البحر"
كامو
مطر
مطر
مطر
يبسط قلبي جناحيه
للمطره
يطبع على شفاه الضوء
قبلةً
فيولد من قبلة الضوء
قمره
قمر
قمر
قمر
قمر يقاسمني ظلي
وجرح القصيدة
لا فرق بين الحب
وجرح القصيدة
لا فرق بين دمي
وبالونات الهواء
لا فرق بين قلبي
وكيس بابا نوئيل
لا فرق بيني
والعنقاء
لا فرق ...
فدمي سيل من العصافير الذبيحة
حمامة
أحصيت دمي
فتدثري يا رياح باحتضاري
ما دام في كل درب
اله يتأرجح
ما بين مائي وناري
حيث أقامت العائلة