هل فعلا تمر بلادنا بفترة رخاء واسترخاء وبحبوحة، ام ان المتنفذين عندما يقولون ذلك انما يتحدثون عن أوضاعهم هم ، لا أوضاع الغالبية الساحقة من بنات وأبناء الشعب؟
فقراءة في بعض ارقام المسح الاجتماعي – الاقتصادي الأخير لوزارة التخطيط تبيّن العكس، حيث تظهر المعطيات الواردة فيها ان متوسط الدخل الشهري للفرد العراقي هو ( ٢٠١٫٣ ) الف دينار عراقي. وهو يعني دخلا سنويا قدره ( ٢٤١٥٫٦ ) مليونان واربعمائة وخمسة عشر الف دينار ، أي ما يعادل حوالي ١٨٥٠ دولار على وفق السعر الرسمي لتصريف الدينار العراقي مقابل الدولار. في حين ان متوسط دخل الفرد السنوي المعتمد عالميا ( القابل للتغير من دولة الى أخرى حسب قوة اقتصادها) يزيد على ١٨ الف دولار. وللمقارنة فان دخل الفرد السنوي في لوكسمبورغ، سويسرا، قطر، الامارات العربية، السعودية، الصين، ماليزيا، البرازيل، اندونيسيا، يبلغ على التوالي: ١٣٢، ٩٠، ٥٧،٣٩ ،٢٢،١١،١٠، ٧، ٤ الاف دولار .
وفيما بدت وزارة التخطيط فرحة بانخفاض معدل من يعيشون تحت خط الفقر من ٢٠ في المائة عام ٢٠١٨ الى ١٧ في المائة وفق المسح الجديد لسنة ٢٠٢٣-٢٠٢٤، أي حوالي ٩٫٢ مليون مواطن، برزت تساؤلات جدية تتعلق باحتساب خط الفقر الذي تم تحديده لهذه السنوات وقدره ١٣٧ الف دينار شهريا للفرد! وهذا هو الرقم المعتمد الذي تقول الوزارة انه تم تحديثه ليعكس أنماط الاستهلاك وتكلفة المعيشة! فيما ارقام المسح ذاته تقول ان الفرد ينفق شهريا ٢٤٠ الف دينار، أي ان من هو تحت خط الفقر والذي فوقه كلاهما في السالب!
علينا ان نتصور ان مواطنا عراقيا عليه ان يعيش على راتب ١٣٧ الف دينار شهريا، والكل يعرف أن سعر كيلو اللحم مثلا تجاوز٢٠ الفا، وامبير المولدات حلق عاليا الى ٢٠-٢٥ الفا في وقت تكاد تختفي فيه الكهرباء الوطنية. وحسب ما يعتمده البنك الدولي فالمعيار المعتمد في العراق لتحديد خط الفقر يعبر عن حالة الفقر المدقع، وهي حالة الفرد الذي يعيش على ٢٫١٥ دولار فأقل يوميا.
وباعتماد مؤشرات أخرى في المسح تبقى نسب الفقر في محافظات الجنوب مرتفعة، وسجلت محافظة المثنى اعلى نسبة ( 40 في المائة) تلتها بابل بنسبة حوالي ٣٦ في المائة ، في حين بلغت النسبة في محافظة أربيل ٧ في المائة والسليمانية ٨ في المائة .
وفي مقابل هذا الفقر ذكر المركز الفرنسي للأبحاث حول العراق ( أيار ٢٠٢٤) وجود ٣٦ مليارديرا، تزيد ثروة كل منهم الصافية على مليار دولار، و١٦ الف مليونير كل منهم يمتلك اكثر من مليون دولار . وأشار الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي الى ان عدد المليارديرات في العراق يفوق عددهم في تسع دول مجتمعة هي : الكويت ولبنان والامارات ونيجيريا والمجر ورومانيا وهولندا والبرتغال والدنمارك .
واذا ما أضيفت شحة او سوء الخدمات العامة المقدمة من الدولة، لاسيما في مجالات الصحة والتعليم وفي توفير السكن واطئ الكلفة، وقلة فرص العمل وغيرها، ندرك تماما اية صعوبات جديدة تواجه المواطن العراقي، ولنقل الأغلبية الساحقة مقابل الأقلية، وبينهم طبعا المليارديرية وأصحاب الملايين.
ويؤشر الخبراء والمتابعون ضبابية مستقبل البلد اقتصاديا واجتماعيا، خصوصا مع إمكانية تراجع أسعار النفط، فيما المليارات ما زالت تهدر وتسرق ولا يلوح في الأفق ما يؤشر الى تراجع في حجم الفساد المستشري، وفيما ضاعت اخبار الـ ٤٠٠-٤٥٠ مليار دولار من موازنات الدولة، رغم الاعتراف الرسمي بفقدانها .
فالوضع ليس ورديا كما يوصف، والهوة بين الفقر والفقر المدقع وحياة الرفاه على حساب أموال الشعب، تكبر وتتعمق. فيما ثبت عجز نهج منظومة المحاصصة عن إيجاد الحلول. ولعل الخلاص منه هو المقدمة الصحيحة للولوج الى الفضاء الواعد الذي ينتظره العراقيون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة "طريق الشعب" ص2
الاحد 9/ 3/ 2025