قصة ملعب الشعب الدولي .. صرح عراقي لم يتكرر!،انتصارات وهزائم وكوارث شهدها الملعب الوحيد!
في السابع من شهر تشرين الثاني 1966 أفتتح المرحوم الرئيس عبد الرحمن محمد عارف
رئيس جمهورية
العراق ملعب الشعب الدولي، والذي انشأته مؤسسة (كالوست كولبنكيان) للأعمال
الخيرية والتعليمية والفنية والعلمية التي يمتلكها رجل الأعمال الأرمني
الراحل (كالوست سركيس كولبنكيان) المتوفى عام 1955، وكان يطلق عليه تسمية (مستر فايف بيرسنت 5%) لامتلاكه نسبة (5%) من أسهم
شركة نفط
العراق. والذي تم تأميم حصته مع قرار التأميم العراقي الشهير في 1 آذار 1971 وكانت
المؤسسة قبل ذلك تقدم سنويا مساعدات فنية وتعليمية للعراق ومنها
ايفاد العشرات من الطلبة لاكمال تعليمهم العالي في الجامعات الغربية والامريكية
المعروف أن العراق لم يعرف ملعباً متكاملا للعبة كرة القدم سوى ملعب الكشافة، الذي لا يتناسب والمزايا الدولية للملاعب الكبيرة، على الرغم من ان هذه اللعبة دخلت العراق منذ أوائل القرن العشرين وأصبحت اللعبة الرياضية الأولى لدى العراقيين. حتى افتتاح ملعب الشعب الدولي في عام 1966.
عبدالكريم قاسم وضع الحجر الاساس:
يقع ملعب الشعب في بغداد جانب الرصافة وقد وضع حجر الأساس له عندما كان المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم رئيساً للوزراء سنة 1961 يومها كانت تلك الأرض شاسعة وخالية، وتم العمل الحقيقي لبناء هذا الملعب في عهد المرحوم الرئيس عبد السلام عارف ليكون أكبر ملعب في العراق ويتسع إلى 50 ألف متفرج. وقد بلغت كلفة تشييد ملعب الشعب الدولي حينها ( 1 مليون دينار عراقي) وبني على مساحة 200 الف متر ويحتوي على مضمار لألعاب القوى ويضم مجمع ملعب الشعب أيضا ملعبين للتدريب وملاعب أيضا لكرة السلة والطائرة واليد وملعبا للتنس وكذلك المسبح الأولمبي ويحتوي الملعب على أربعة ابراج للانارة الليلية، وجرت عليه مباراة الافتتاح الودية التي جرت بين منتخبنا (منتخب بغداد) ونادي بنفيكا البرتغالي الذي حصل في نفس العام على المرتبة الثالثة في بطولة كأس العالم التي أقيمت في إنكلترا وقد خسر منتخبنا بهدفين مقابل هدف واحد تقدم النادي البرتغالي بهدف ثم ادرك منتخبنا التعادل عن طريق لاعبنا الدولي قاسم محمود المعروف بــ ( قاسم زويه). وقبل نهاية المباراة بدقائق سجل اللاعب اوزبيو هدف الفوز لبنفيكا في مرمى حارس منتخبنا الوطني حينها المرحوم حامد فوزي ..لتنتهي المباراة بفوز النادي البرتغالي 2-1 في أول مباراة تقام على ملعبنا الدولي. وقد تم نقل طلاب الكلية العسكرية وكلية الشرطة والقوة الجوية الى الملعب للمشاركة في حفل الافتتاح.
بداية فكرة بناء الملعب:
رغم ان الملعب كان يشكل حاجة اساسية للحركة الرياضية في العراق لعدم امتلاك العراق ملعبا بمواصفات دولية يسع لاعداد غفيرة من المتفرجين. الا ان انشاء الملعب تعود قصته الى حضور الزعيم عبدالكريم قاسم رئيس الوزراء المباراة النهائية لدوري الجيش بين فريقي القوة الجوية والفرقة الثالثة. وبعد إنتهاء المباراة إجتمع الزعيم باللاعبين، وطلب منهم أن يعرضوا عليه إحتياجاتهم، وكل مشاكلهم، فطلب بعض اللاعبين دوُراً سكنية، والبعض الآخر طالب بتحسين ظروفه المعيشية، وحين وصل الدور للاعب إلبرت خوشابا قال له: نحن بحاجة ماسة إلى ملعب دولي ياسيادة الزعيم فملعب الكشافة ملعب صغير، وبائس (وكله طسَّات وعٍكَّر..)
فضحك الزعيم، وقال: إتدللوا، راح نبنيلكم ملعب كبير.
فكان ملعب الشعب بعد ان أتفق الزعيم مع شركة كولبينكان!.. وكان من المؤمل انشاء ملعب آخر مماثل في جانب الكرخ وتحديدا عند موقع ملعب الادارة المحلية بالمنصور.
في أواخر عام 1959 أستقبل الزعيم عبد الكريم قاسم (رئيس وزراء الجمهورية العراقية) بمكتبه في وزارة الدفاع وفداً رفيعاً من مؤسسة (كالوست كولبنكيان) للاعمال الخيرية والتعليمية والفنية والعلمية التابعة لرجل الأعمال الأرمني الراحل في عام 1955 كالوست سركيس كولبنكيان فحوى اللقاء كان يخص عرض الشركة الذي قدمته لحكومة العراق، والقاضي بمنح نسبة من المُنحة الثابتة من النفط العراقي المخصصة لها لتنفيذ مشاريع تنموية وإعمارية في بغداد، على أن يكون اختيار تلك المشاريع ونوعيتها للحكومة العراقية، والريع "من حصة العراق النفطية" مقدما من الشركة التي تحتكر خمسة بالمائة منه.
وأخيرا تمخضت عن تلك الاتفاقية صروحا مقترحة من قبل حكومة العراق وممولة من قبل مؤسسة (كالوست كولبنكيان) وهي:
المتحف العراقي – المسرح الوطني – مدينة الطب - ملعب الشعب الدولي لكرة القدم اضافة الى ما يقارب من الـ100 زمالة دراسية عراقية لأرقى الجامعات في الولايات المتحدة وبريطانيا لتخريج الكفاءات التي تخدم الوطن. كما ان الاعلان التاريخي عن انشاء ملعب الشعب الدولي كان قد جاء من خلال خطاب الزعيم عبد الكريم قاسم الذي ألقاه في ملعب الكشافة بتاريخ 21نيسان/أبريل من عام 1960 وأمام أكثر من 15 ألف مواطن والذي أعلن فيه انشاء ملعب جديد بالعراق اسمه ملعب الشعب.
مشكلة ارض الملعب:
تبين ان الارض التي تم تشييد الملعب عليها تعود ملكيتها الى وزارة المالية، وحيث ان المنشئات نقلت ملكيتها الى وزارة الشباب والرياضة، ولنشوء نزاع بين وزارتي المالية والشباب بهذا الشأن فقد حسم الأمر مجلس الوزراء حيث صدر بيان عن المجلس اعلن فيه أن "المجلس وافق على قيام وزارة المالية/ المصرف العقاري (تمويل ذاتي) ببيع قطعتي الارض والبالغ مساحتهما (73) دونماً و(10) اولكاً و(40) متراً مربعاً والمشيد عليهما ملعب الشعب الدولي وملحقاته الى وزارة الشباب والرياضة ونقل ملكيتها اليها استناداً الى احكام قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 على ان يحدد بدل البيع وآلية التسديد باتفاق الطرفين".
كما اعلن في 29 آب 2015 أن الشركة التركية المنفذة لتبديل ارضية ملعب الشعب بالثيل دائم الخضرة، باشرت العمل برفع التراب القديم واعديل الارضية وصيانة مبازل الامطار ومرشات الماء وفرش الملعب بخلطة زراعية خاصة بزراعة الثيل الطبيعي دائم الخضرة.
أرقام عن ملعب الشعب:
- كلفة البناء (1 مليون دينار عراقي) - المساحة الاجمالية
200 ألف متر مربع
- السعة الاجمالية 45 ألف متفرج - مضمار لالعاب القوى مغطى بالتارتان
- يحتوي على 18 بوابة دخول موزعة على الجهتين -أبراج إنارة ترتفع عن الأرض
بمسافة 55 مترا على
وفق المواصفات العالمية.
- مساحة خارجية
لوقوف السيارات تبلغ 40 الف متر مربع تسع لوقوف 4 الاف سيارة
حفل الافتتاح:
كانت شركة كالوست كولبنكيان قد فاتحت نادي بنفيكا
البرتغالي والذي كان قد احرز آنذاك لقب الوصيف لنادي مانشستر يونايتد
في دوري ابطال اوروبا (كأس الاندية الاوروبية) آنذاك في اعقاب خسارته
(2-4) في الوقت الاضافي للحضور الى بغداد وافتتاح ملعبها الرئيس مقابل
مبلغ خيالي طلبه من الشركة لقاء مشاركة جميع لاعبي منتخب البرتغال والذين
يلعبون مع بنفيكا وفي مقدمتهم هداف كأس العالم 1966 وجوهرة موزمبيق
اوزيبيو. وافق نادي بنفكيا على العرض لزيارة العراق بجميع لاعبيه باستثناء
الكابتن كولونا والذي اصاب بيليه في ركبته في العام ذاته عندما خسرت
البرازيل امام البرتغال في مونديال انكلترا
(1-3) .
أفتتاح الملعب كان بتاريخ 6/11/1966 في مباراة جمعت منتخب بغداد الاهلي بنادي بنفيكا البرتغالي ..
تشكيلة منتخب بغداد الاهلي كانت تضم كلا من:
حامد فوزي لحراسة المرمى – حسن بله ، جبار رشك ، حسين هاشم ، صاحب خزعل لخط الدفاع – شدراك يوسف،باسل
مهدي لخط الوسط كوركيس إسماعيل ، قيس حميد ، ألبرت خوشابا ، قاسم محمود
لخط الهجوم .
تشكيلة بنفيكا البرتغالي:
كوستا براير لحراسة المرمى وكوفن والبيرتو وجانيو وانجيلو وكروش وسانتانا وولسن واغستو واوزيبيو وسيماش
قاد المباراة الحكم الدولي فهي القيماقجي بمساعدة
كل من صبحي اديب وسعدي عبد الكريم
النتيجة
: فوز نادي بنفيكا البرتغالي بنتيجة 2 – 1
سجل هدف منتخب بغداد الاهلي اللاعب قاسم محمود الشهير بـ"قاسم زوية"
الحكام : فهمي القيمقجي حكم الساحة - سعدي عبد الكريم المساعد- صبحي أديب المساعد
ندرة البطولات التي احرزها العراق على ملعب الشعب الدولي:
العراق احرز بطولة كاس العرب نيسان 1966 على ملعب الكشافة، اما ملعب الشعب فقد ابتدأ بخسارة للعراق امام بنفيكا (1/2)، والى آخر مباراة دولية شهدها الملعب في تصفيات مونديال 2002 مباراة العراق والبحرين بتاريخ 28/9/2001 لم يشهد ملعب الشعب الدولي تتويجا عراقيا عليه الا مرتين، كانت أولها في بطولة كأس العالم العسكرية عام 1972 والثانية في بطولة كأس الخليج الخامسة عام 1979على أرضه ايضا.
فإن كانت الكرة العراقية تفخر بالانجازات التاريخية لفرقها (بطولات اسيا للشباب وبطولة
أمم آسيا 2007 على ملعب جاكارتا والتأهل الى كأس العالم عام 1986 من ملعب
الطائف والفوز بكأس العرب على ملاعب والكويت والكشافة والطائف وعمّان والفوز
بذهبية الدورة الرياضية العربية في المغرب وغرب آسيا في دمشق وكأس فلسطين
في المغرب والتأهل الى الدورات الاولمبية من ملاعب سنغافورة ومسقط وعمّان
والظفر بدورة الالعاب الاسيوية في دلهي) فأن ملعب الشعب الدولي لم يشهد ايا
من تلك الانجازات بإستثناء الانجازين الوديين المذكورين في أعلاه. فعلى أرض هذا الملعب فقد العراق بطولة كأس فلسطين مرتين 1972
و1989
وعلى أديمه خرج العراق من تصفيات موسكو عام 1980 في مباراته الشهيرة
مع الكويت،
وعلى أرضه خرج من تصفيات كأس العالم 90 بمباراة دراماتيكية مع قطر عام
1989.. ناهيك عن الضياع النهائي لحلم التأهل الى مونديال كوريا واليابان
2002 يوم خسر الفريق العراقي أمام منتخب ايران على أرضه بنتيجة 1/2!..
الانجازات التي شهدها هذا الملعب كانت عبارة عن بطولات
ودية احرزتها الفرق العراقية التي لعبت عليه منها: بطولة الاندية العربية
عام 85 أحرزها نادي الرشيد وبطولة الشرطة العربية عام 85 أحرزها نادي
الشرطة وبطولة مجلس التعاون العربي 89 احرزها نادي الزوراء علما أن بطولتي
الخليج الخامسة والعالم العسكرية التي أحرزها العراق تعد غير مدرجة ضمن
لائحة الفيفا لتكون الحصيلة أن العراق رسميا لم يحقق أي إنجاز كبير على هذا
الملعب.. الا انجازا تصفياتيا واحدا يكمن بتأهله الى نهائيات كأس الامم الاسيوية
1976في ايران عبر صدارة منتخب العراق الوطني للتصفيات التي جرت على
أديمه في أواخر عام 1975.
ومن الطبيعي ان عدم تحقيق منتخباتنا لنتائج ايجابية على اديمه هو ان العراق لعب اغلب مبارياته منذ بداية الثمانينات خارج ارضه بسبب الحظر الدولي على ملاعبه الذي لم يكد يرفع لوقت قصير حتى تم اعادة الحظر مرة اخرى لحد اليوم
كما شهد الملعب كارثة سقوط جزء من سقف الملعب على المتفرجين نتيجة عاصفة شديدة وتعرض عدد من المواطنين لجروح.
يوم استوعب الملعب 85 الف متفرج:
من غرائب ملعب الشعب ايضا فعلى الرغم من كونه ملعبا مخصصا
شبه كليا لكرة القدم وقضى جل عمره بمبارياتها مع بعض الفعاليات
المعدودة التي ذكرناها الا أن ما يـُشهد له أن أكبر نسبة حضور جماهيري
في تاريخه شهدها ليس لمباراة كرة قدم ولكن لنزال مصارعة بين عدنان القيسي
ومصارع كندي بلغت نسبة الحضور فيه الى 85 الف متفرج !! والسبب ان الملعب
سعته القصوى 50 ألف لكن نزال المصارعة كان وسط حلبة صغيرة في منتصف ساحة
اللعب أي أن للجمهور مساحات متاحة بالنزول الى أرضية الملعب بالكامل.
ومن المباريات المتميزة في تاريخ الملعب حضور 68 الف متفرج الى مباراة الشرطة
والزوراء
أوائل التسعينيات غص بهم الملعب و40 الف متفرج خارجه.
والملعب يبقى له مكانة في قلوب المشجعين وخاصة نادي الزوراء الذي احرز 14 لقبا للكاس
فيها و12 لقبا
للدوري والبطولات الاخرى.