قال يونان ( دَعوتُ مِنْ ضيقي الرَّبَّ ، فاستجابني . صَرَختُ مِنْ جَوفِ الهاوِيَةِ ، فسمِعتَ صَوتي ) " يو 2:2
في قصة يونان النبي المدونة في أربع إصحاحات من سفر يونان دروس وعِبَر ورموز كثيرة ، وفي هذه القصة نجد بأن محبة الله لخلاص البشر تشمل كل إنسان ، كما أن توبة وصلاة كل إنسان تصل إلى محضر الله وإن كان وثنياً كما لشعب نينوى الوثني في العهد القديم ، وقرنيليوس قائد المئة ، في العهد الجديد ( أع 1:10 ) .
الله أختار يونان فدعاه ليبلغ شعب نينوى الخاطىء لُيبَكتهم على خطاياهم ويدعوهم إلى التوبة . لكن يونان تمرد لإستغرابه من مضمون الرسالة ، إضافة إلى العداوة بين الشعبين الآشوري والعبري لهذا لم يقتنع يونان بالأمر فقرر الهروب إلى ترشيش وكأن الله لا يقرأ ما في قلبه ويشاهد خطواته ويعلم إلى أين ينوي الذهاب .
ركب يونان السفينة من ميناء يافا وإتجه نحو الغرب . نزل يونان في جوف السفينة ليرقد مستغرقاً في نوم عميق دون ان يكترث للعاصفة . كذلك يسوع كان نائماً في السفينة وقت العاصفة غارقاً في نوم عميق . أيقض ربان السفينة يونان ولامه . كذلك التلاميذ أيقضوا يسوع أثناء العاصفة فعالج المشكلة ، إذاً هنا تشابه بين موقف يونان الذي يرمز إلى موقف المسيح . سبب حدوث العاصفة على السفينة التي تقل يونان كان بأمر الله ، فحدث نوءاً عاصفاً كاد أن يغرق السفينة ، وفي تلك اللحظات المخيفة ألقى البحارة القرعة على كل الموجودين على السفينة لمعرفة من هو سبب تلك الفاجعة ، والقرعة معتقد وثني ، ، لكن الله تدخل في تلك اللعبة ليضع القرعة على يونان الذي هو السبب الحقيقي فعلاً ، فوقعت القرعة على يونان ، فتم التحقيق معه من قبل المشرفين على السفينة . أعترف يونان وأكدَ لهم بأنه هو سبب وقوع المشكلة ، فألقوه في البحر بحسب طلبه لكي يخلص الجميع . كذلك بسبب موت المسيح خلص العالم .
الله أعد له حوتاً كبيراً ليبتلع يونان . في جوف الحوت . عاد يونان إلى رشده فرفع إلى الله صلاة التوبة ، وأقر له بالذهاب إلى نينوى لكي يحذر شعبها من غضبه الذي أوشك أن يدمر المدينة بسبب شرّها .
سمع الله صلاة يونان وتوبته فأمر الحوت بقذف يونان على الساحل ، ويونان أطاع أمر الله فذهب إلى نينوى وأبلغ الرسالة السماوية التي تنص بأن الله قرر أن يدمّر المدينة من أجل ذنوبها ، وقال ( بعد أربعين يوماً تنقلب نينوى ) " 4:3 " .
أخذ شعب نينوى البلاغ من يونان على محمل الجد وآمنوا ، وأوصلوا الخبر إلى الملك فنزل من عرشه وخلع عنه الحلة الملكية وإرتدى المِسْح ، ومن ثم جلس على الرماد معبراً عن توبته ، كذلك أمر الشعب كله بأن لا يذق أحداً من البشر ، ولا من البهائم الطعام ولا الماء . ويلتف الإنسان والحيوان بالمسموح . ويتضرع كل إنسان إلى الله لعله يرجع ويندم فلا يهلك أحداً .
إذاً رغم كون الشعب في نينوى وثنياً كانوا يعلمون بوجود الله الحقيقي ، والله إستجاب بعد ما رأى توبتهم وأعمالهم وعودتهم عن طريقهم الشرير . ندم الله على الشر الذي قال إنهُ يصنعهُ بهم ، ولم يصنعه . أما يونان عندما رأى بأن الله غفر لهم ، ساء قرار الله على يونان مساءةً شديدة وغضبَ ، ومن ثم رفع إلى الله صلاته قائلاً ( أيها الرب ، اليس هذا ما قلته عندما كنت في بلادي ؟ لهذا اسرعت إلى الهرب إلى ترشيش ، لأني عرفت إنك إله رؤوف رحيم طويل الأناة كثير الرحمة ونادم على الشر . فالآن أيها الرب ، خذ نفسي مني ... ) فقال الرب ( أبحق غضبك ؟) "4:4 " .
كان يونان قد خرج من المدينة ، وقد صنع له مِظلة فوق تلةٍ وكأنها مرصد عالي منه يراقب الحدث بدقة ، والله أيضاً جاملهُ فأعد له خروعة لكي تظله ولكي يختبره أيضاً ، ففرح بها يونان فرحاً عظيماً ( 6:4) . وفي الفجر أعد الله دودة فقرضت الخروعة فيبست . وبعد شورق الشمس أعد الله أيضاً ريحاً شرقية حارة فضربت رأس يونان ، فأغمي عليه فتمنى الموت . ناقشه الله بسبب حزنه على الخروعة دون أن يبال بموت شعب نينوى الذي تاب ، كما لم يفكر يونان بشفقة الله حتى على إثني عشرة ربوة من الأبرياء الذين لا يعرفون شمالهم من يمينهم ، ما عدا بهائم كثيرة .
بعض المفسرين يقّرون بأن يونان لم يكن نبياً بقدر ما كان مجرد شخصية في رواية . فالنبي الحقيقي هو كاتب سفر يونان المجهول الذي يحاول أن يشير إلى أمر بالغ الأهمية في علاقة الله بالبشرية . ويونان يمثل نظرة دينية معينة ، ومفهوماً لمؤمني الأديان الأخرى .
يتمحور إنزعاج يونان على ثلاث أمور ، وهي :
1-لم يتوقع توبة أهل نينوى الغارقين في الخطيئة وغير قادرين على التوبة كشعب سادوم الذين لم يسمعوا إلى البار لوط .
2- لم يتوقع سرعة إستجابة الله لهم بتلك السرعة .
3-منذ البداية لم يثق يونان بثبات الله على موقفه في مثل هذه الأمور . لذا كان يأبى أن ينخرط في تلك المهمة . فلقد أرغم على تلك الخدمة ، وبعد ذلك خُذل . إنهُ يشكو الله ، ولسان حاله يقول ( إذا كان الله يريد أن يتعامل مع الناس على طريقته الخاصة ، فكان الأحرى به أن يدعني وشأني .
سفر يونان يرمي إلى تبيان سيادة الله المطلقة على الخليقة كلها . ويونان يصوِر الله كإله رحمة وحب وحنان ، يؤثر الغفران على العقاب . والرسالة الأساسية فيه هي أن حب الله ورحمته لا تقتصر على أمة واحدة كما كان يظن يونان والشعب العبري . فهذه المدينة الأممية الغريبة وشعبها الوثني هما في صلب إهتمام الله ، وهو يصغي إلى دعاء كل إنسان ، ويقبل توبته . لهذا كان الله يتعامل مع شعب نينوى بمنتهى الحنان .
ختاماً نقول : لنربط بعض ما جاء في الإنجيل بسفر يونان ، سنجد العلامة الحاسمة التي لا بد من الإختبار أمامها ، هي في آخر الأمر قيامة المسيح من القبربعد ثلاثة أيام كيونان الذي ظل في جوف الحوت ثلاثة أيام ، فيونان كان رمزاً للمسيح ، عبر المسيح عن هذه العلاقة ، فقال للذين طلبوا منه آية ( جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا يعطى له آية إلا آية يونان النبي .. )
من الأرجح أن لوقا هوالذي حفظ لنا التقليد الأولي الأصيل فليست آية يونان ، في نظره سوى يونان نفسه وهو يُبشر . يجب أن يراهن الإنسان حياته على يسوع ، لا بسبب ( علامات ) خارقة ، بل من أجل شخصه الذي يعلن لنا خلاص الله ( لو 30:11 ) أما متى فإنه يرى في آية يونان صورة سابقة للقيامة ، إنطلاقاً من علامة ثانوية وردت في قصة يونان . وما لاحظناه في العظة على الجبل ، أي كون يسوع كان قد استبطن الإيمان وشخصنهُ ،وهنا يبلغ ذروته ، فإن رهاننا الأساسي يتم على شخص القائم من الموت بعد ثلاثة أيام . يونان دفع أهل نينوى إلى التوبة ، وسليمان جاءت إليه ملكة تيمن ( اليمن ) لتسمع إلى حكمته . أما المسيح فأعظم من يونان وسليمان ، جاء ليخلص العالم كله ، وهو ربهم وخالق الكون كلهُ .
للمزيد طالع مقالاتنا السابقة عن سفر يونان وصوم الباعوثة على الكوكل ، عناوين المقالات :
1-يونان النبي . 2-كان يونان آية لأهل نينوى.
3-علاقة صوم الباعوثة بصوم نينوى. 4-صوم الباعوثة ܒܥܘܬܐ
5-توبة وصوم أهل نينوى. 6-يونان النبي وصوم الباعوثة
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"