إعداد: بدو ابونا
ولد الأب جبرائيل دنبو في ماردين سنة ١٧٧٥م، وعندما كان شاباً مرض مرضاً شديداً فنذر نفسه للرهبنة، وأكمل النذر ودخل الرهبنة الهرمزدية، فسعى جادا في تجديد الرهبنة حيث شجعه على ذلك العمل الصالح صديقه الأب يوسف كامبالا رئيس الرسالة الدومنيكية الذي عمل مدة طويلة في مار يا قو (قرب قرية شيوز) وبيدارو وفيشخابور.
طلب دنبو دير الربان هرمزد فلم يُعط له في بادئ الأمر، حيث اقترح البطريرك مار يوحنان هرمزد أبونا على دنبو اتخاذ دير مار كوركيس (بعويرا- قرب الموصل) أو دير مار اوراها القريب من باطنايا ليكون مقرا للرهبان، لكن دنبو رفض ذلك وأصر على استحصال دير الربان هرمز والذي كان حينذاك ملحقاً بأبرشية العمادية التي كان يرأسها المطران ما ر خنانيشوع أبونا.
أخيرا تمكن دنبو من استلام الدير عام ١٨٣١م، وذلك بتوسط أفراد من القوش لدى البطريرك مار يوحنان، وما إن وضع دنبو الأسس والقوانين لرهبنته، إلا إنه قد لاقى الصعوبات الكثيرة وبالرغم من ذلك كان عدد الرهبان بتزايد مستمر، فلو تعمقنا قليلا في التاريخ: فإن الدير كان مأهولا بالرهبان حسب ما جاء في تقرير موفد البابا غريغوريوس الثالث عشر، وتقريراً آخر من موفد البابا سكتس الخامس عام ١٥٨٧م، حيث يُذكر به أن البطريرك ما ر إيليا السادس أبونا يقيم في هذا الدير، ورفع عام ١٦٠٦م التقرير إلى روما راهبان من رهبنة القديس باسيليوس من كنيسة ما ر توما في الهند، إثر زيارتهما لبلادنا (العراق) وفلسطين وروما، ذكرا فيه أن البطريرك مار ايليا السابع أبونا يقيم في هذا الدير، وفي الدير مائتي راهب والزوار لا ينقطعون عنه أبدا، اما في سنة ١٨٢٠ لقد انخفض عدد الرهبان وأصبح عددهم خمسون راهباً، منهم خمسة كهنة من رهبان الأب دنبو حيث اقتبلوا الدرجة الأسقفية وهم:
١- مار باسيليوس أسمر، ابرشية آمد (ديار بكر)
٢- مار لورنسيوس شوعا، ابرشية كرخ سلوخ بين (كركوك)
٣- مار يوسف اودو، ابرشية حصنا دكيبا، أي قلعة الحجر (عمادية)
٤- مار اغناطيوس دشتو أبرشية ماردين
٥- مار ميخائيل كتولا، ابرشية سعرت
في صيف 1827 سافر الأنبا جبرائيل دنبو إلى روما، لتثبيت قوانين رهبنته التي سماها الرهبنة الأنطونية الهرمزدية، وفي روما عرض دنبو على المجامع الكنسية المختصة أمور الرهبنة، حيث قضى نحو ثلاث سنوات في روما، ثم عاد أخيراً بتثبيت رهبنته وبالأوامر التي يتلقاها من البطريرك مار يوحنان هرمزد ابونا، وقد حاول الأنبا دنبو بعد عودته إلى الدير توطيد دعائم وتنشيط رهبنته، إلا أن الموت عاجله حين هجم امير راوندوز المعروف ب (ميركور) اي الأمير الأعور، عندما هجم على الموصل واطرافها واوقع فيها الدمار، وحاصر القوش والدير وقتل (٣٧٠) شخصاً من بينهم الأنبا جبرائيل دنبو مع ثلاثة رهبان وذلك في ٢٥ أذار ١٨٣٢م ودفن الأنبا دنبو في كنيسة مار ميخا في القوش، ثم نقلت رفاته في ٢٧ أب ١٨٤٩م إلى كنيسة دير الربان هرمز. للأب دميانوس الألقوشي وصف مسهب لهذه الفاجعة محفوظة تعتز بها مكتبة الدير تحت رقم (٣٣٠).
خلفاء الأنبا جبرائيل دنبو:
خلف الأب جبرائيل دنبو في رئاسة الدير ما يلي:
الأنبا حنا جرّا الألقوشي، ويليه الأنبا عمانوئيل، ثم الأنباء أليشاع الياس وذلك أثناء انتقال رئاسة الدير إلى دير السيدة الجديد قرب القوش، وتعاقب على رئاسة أديرة الكلدان الأنبا شموئيل جميل صاحب المؤلفات الشهيرة، ومما يجدر ذكره ان الأنبا شموئيل ساهم في بناء كنيسة ماركوركيس في القوش، كما يدل على ذلك بالكتابة الظاهرة على جدار المذبح الكبير، ويليه في الرئاسة الأنبا ابراهيم عبو، وبطرس يوسف القس اوراها، وموشي أيرميا.
ويليه الأنبا يوسف داديشوع نكارا، حيث تزايد في رئاسته عدد الرهبان، الى جانب زيادة ممتلكات الدير ايضاً، وكان الدير في عهده ملجأ للفقراء، وكان باب الدير مفتوحاً لإطعام القوافل المارة من جميع الأديان، اذ كان محبا من قبل جميع الشيوخ والآغوات من الاكراد والعرب واليزيدية، ولا سيما الألقوشيين، فذاع صيته بين جميع العشائر والقبائل في المنطقة بسبب سخاءه في اطعام الجياع وبساطته وكلامه المعسول ونقاوة قلبه.
ويليه الأنبا هرمز باتيتا الألقوشي، وانطونيوس كوركيس، والأنبا اسطيفان بلو (المطران)، والأنبا شموئيل شوريز، والأنبا عمانوئيل حداد الذي نقل مؤخراً لرئاسة دير الكلدان في روما المبني على اسم الربان هرمز، حيث توفي هناك ودفن في روما، ويليه الأنبا روفائيل شوريز، وبعده الأنبا عبد الاحد ربان، وآخرهم الأنبا ابراهيم يوسف الياس سنه ١٩٧٧م، وان رئاسة الدير مستمرة الى يومنا هذا.
وقد تخرج من الرهبنة الهرمزديه منذ تجديدها عام ١٨٣١- ١٩٧٧ ما يلي:
(١٣٥٤) راهبا و (١٤٣) كاهنا و١٩ أسقفا. والبطريرك مار يوحنان سولاقا، والبطريرك مار يوسف اودو.
يوبيل دنبو:
كانت سنه ١٨٣٢ في ٢٥ اذار سنة اليوبيل المئوي لاستشهاد دنبو ورفاقه الرهبان. إذ في ذلك اليوم اليوبيل المئوي خرج الزياح من كنيسه القوش متجها الى دير السيدة، يتقدم الموكب المطران مار ايليا ابونا مع كهنه القوش، والأنبا موشي أيرميا والرهبان والشمامسة، والشعب الكلداني من جميع القرى المجاورة لألقوش، فكانت التراتيل الدينية خارقة حتى عنان السماء على طول الطريق الى دير السيدة، فكان صوت ناقوس كنيسه القوش وناقوس الدير والصنج يتجاوبان مع التراتيل الكنسية، واذ كنت طفلا اذ خالج في ذاكرتي ذلك اليوم انني اعيش في عالم اخر، عالم الخلد، عالم القدسيات مما حدا بي الترهب في الدير، حيث ان الاهل وقفوا حيال ذلك.
تطويب ابناء الكنيسة الكلدانية:
تطويب ابناء الكنيسة الكلدانية في يوم ١٦ تشرين الثاني ١٩٩٠م، عندما منح قداسه البابا مار يوحنان بولس الباليوم (الدرع المقدس) لغبطة مولانا البطريرك روفائيل الاول بيداويذ، حين طلب من قداسه البابا تشكيل لجنه لدراسة تطويب وتقديس بعض رجالات الكنيسة الكلدانية كي يكونوا مثالا ومحفزا لنا الى حياة مسيحية افضل، وبالخصوص مار يوحنان سولاقا، والأنبا جبرائيل دنبو ورفاقه الرهبان، هؤلاء كبداية.
فلبى قداسته الاستعداد لذلك كما قال بعد الدراسات التاريخية، بان هؤلاء فعلا ماتوا شهداء، والشهيد لا يحتاج حتى الى عجائب لتطويبه، لأنه بالحقيقة مات في سبيل الايمان.
* أوراق سلمها لي عام ٢٠٠٠ في ولاية مشيكان الشماس الراحل بدو ابونا