اكتشاف أثري جديد يتمثل في مصنع للفخار يرجح بأن تاريخه يعود للألف الثالث قبل الميلاد (مشروع لكش الأثري)
عشتارتيفي كوم- اندبندنت/
- أعلنت بعثة تنقيب تابعة لجامعة بنسلفانيا الأميركية اكتشافاً أثرياً جديداً يتمثل في مصنع للفخار، يرجح بأن تاريخه يعود للألف الثالث قبل الميلاد.
-الموقع المكتشف سيوفر معلومات مهمة عن سكان المدن من عامة الناس، والطبقة الكادحة من السومريين الذي عاشوا في تلك الحقبة الزمنية.
-الموقع يوضح العملية الكاملة لصناعة الفخار في المدن السومرية القديمة بدءاً من تجميع الطين وتخميره وتنقيته وتشكيله وكذلك نقله إلى الأفران، وطبيعة الأفران والمادة المستخدمة فيها وأشكالها، ومن ثم الفخار الناتج منها، ومعلومات مهمة أيضاً حول مكبات نفايات الأفران وطبيعة الوقود المستخدم في إشعال النار، ومن كان يدير الأفران وكيف كانوا يزودون بالطعام والشرب يومياً.
ما أن تذكر حضارة وادي الرافدين حتى تستحضر الأذهان الثراء التاريخي الذي تركته مدن هذه الحضارة على مختلف العصور التي مرت بها، فحضارة وادي الرافدين ترتبط بكنوز أثرية تعد شواهد على تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية للتجمعات السكانية التي عاشت في كنف مدن العراق القديم، إذ أسفر التنقيب في المدن الأثرية عن معرفة أبنيتها ومعابدها وأساطيرها والحروب التي مرت بها والملوك الذين تعاقبوا على حكم مدنها، كشوفات جعلت التنوع والغنى سمة بارزة للمدن التاريخية في العراق.
ففي مدينة لكش التي تقع على بعد 22 كيلومتراً شرق مدينة الشطرة في محافظة ذي قار، ويعود تاريخها لفترة (2500-2270 ق.م) أعلنت بعثة تنقيب تابعة لجامعة بنسلفانيا الأميركية اكتشافاً أثرياً جديداً يتمثل في مصنع للفخار يرجح بأن تاريخه يعود للألف الثالث قبل الميلاد.
طبيعة مدينة لكش
يعود تاريخ تأسيس مدينة لكش لعصر فجر السلالة السومرية الأول بحدود الألف الثالث قبل الميلاد، على يد الملك (أور-نانشة)، ويعد موقع مدينة لكش أو ما يسمى محلياً (تلول الهباء) من أكبر المواقع الأثرية في الشرق الأوسط، بمحيط مساحته 25 كيلومتراً مربعاً.
يوضح الباحث الآثاري جنيد عامر حميد لـ"اندبندنت عربية" أن آثار المدينة اكتشفت على يد مجموعة من الآثاريين الفرنسيين عام 1877، "البعثة الأثرية كانت بقيادة أرنست ديسارزيك الذي كان في الوقت نفسه القنصل الفرنسي في ولاية البصرة، وحصل ديسارزيك على الموافقة بإجراء التنقيب من الوالي آنذاك ناصر باشا وبقي التنقيب مستمراً في المدنية لغاية وفاة ديسارزيك عام 1901، ليكمل المهمة من بعده الفرنسي كاستون كروس".
حميد يشير إلى أن بعثات التنقيب عثرت على 30 ألف لوح طيني مكتوب عليها بالخط المسماري، وهي مستمسكات وسجلات للتعاملات التجارية ووسائل لتوضيح زراعة الأرض وتربية المواشي.
الاكتشاف الجديد
أعلنت بعثة تنقيب تابعة لجامعة بنسلفانيا الأميركية اكتشافاً أثرياً جديداً يتمثل في مصنع للفخار يرجح بأن تاريخه يعود للألف الثالث قبل الميلاد، اكتشف الموقع عن طريق الصور الجوية التي تطابقت مع صور المسح الجيوفيزيائي والمسح المغناطيسي، ومن ثم بدأ الشروع بتنفيذ أعمال التنقيب في الموقع الذي يعود للفترة السومري، وما يعرف بعصر فجر السلالات في أوائل هذا العصر، وفي أقل تقدير في النصف الأول منه وهو عصر بزوغ المدن وتطورها ووصولها إلى مراحل متقدمة من المدنية.
وحول تفاصيل هذا الاكتشاف يحدثنا مدير مشروع متحف جامعة بنسلفانيا في جنوب وادي الرافدين زيد الراوي، "أن الموقع المكتشف هو معمل لصنع الفخار أو الخزاف في المنطقة التي يطلق عليها (H)، وهي جزء من موقع لكش مساحته 600 هكتار، وهو مجاور لمنطقة تلية كبيرة وهو أكبر موقع أثري في العراق، وقد يكون الأكبر في الشرق الأوسط".
أهمية الموقع
يوضح الراوي أن الموقع المكتشف سيوفر معلومات مهمة عن سكان المدن، وهو بالتالي يسد ثغرات مهمة في فهم طبيعة حياة هذه الطبقة، "في الغالب معظم معلومات حضارة وادي الرافدين بينتها التنقيبات الأثرية خلال الأعوام الـ100 والـ150 الماضية، وانصبت في مناطق التلول العالية التي تمثل المعابد أو القصور التي تكشف عن طبيعة حياة الطبقة الغنية أو الحاكمة"، يكمل الرواي قائلاً "الاكتشاف الجديد سيبين لنا حياة عامة الناس والطبقة الكادحة من السومريين الذي عاشوا في الألف الثالث قبل الميلاد".
الموقع يوضح العملية الكاملة لصناعة الفخار في المدن السومرية القديمة بدءاً من تجميع الطين وتخميره وتنقيته وتشكيله وكذلك نقله إلى الأفران، وطبيعة الأفران والمادة المستخدمة فيها وأشكالها ومن ثم الفخار الناتج منها، ومعلومات مهمة أيضاً حول مكبات نفايات الأفران وطبيعة الوقود المستخدم في إشعال النار ومن كان يدير الأفران وكيف كانوا يزودون بالطعام والشرب يومياً.
الفريق المنقب
ضم الفريق الذي عمل على اكتشاف موقع صناعة الفخار 10 أفراد، فضلاً عن العمال في نقل الأتربة والتنظيف، يوضح الراوي أنه وبسبب الظرف السياسي لم يكتمل عدد الفريق، "ففي الظروف الاعتيادية يكون عدد العاملين في الموقع بين 10 إلى 17، يضم آثاريين من اختصاصات متنوعة منهم الحفارون والمنقبون ومنهم من يختص بدراسة العظام ودراسة المساحة والجيو آثاري، ومنهم من يعمل في الجيو مغناطيسي، ويكمل الراوي "أن عملية اكتشاف الموقع كانت عبر مراحل بدأت منذ عام 2019، إذ اكتشف تل H الذي ضم ستة أفران، وكذلك منطقة بنائية تشبه الحانة مجاورة لمنطقة شواء الفخار".
الكنوز الأثرية
ويرى الراوي أن ما اكتشف من مواقع أثرية يشكل جزءاً بسيطاً من الآثار التي تخبئها أرض العراق، "كمتخصص في المساحة وأنظمة المعلومات الجغرافية والتحسس النائي، أنا على يقين أن المكتشف لا تتجاوز نسبته خمسة في المئة، فهناك مواقع مخفية تحت الأرض بسبب الطبيعة الجيولوجية لأرض العراق ولا نعلم بوجودها".
إلى ذلك يرى الباحث الآثاري جنيد عامر حميد أن مدن العراق غزيرة بالنتاجات الأثرية وتحتاج إلى أعوام طويلة من عمليات البحث والتنقيب العلمي لكي يكتشف ما تخبئه من كنوز، "تبقى النتائج باهرة في كل موسم تنقيبي وتكشف لنا عن نقاب أحجية الآثار العراقية، وسيكون هنالك مزيد من الآثار المكتشفة، إذ ما تم العمل بصورة علمية ومستمرة للحفاظ على ديمومة العمل الحقلي بوتيرة واحدة وخط متواز".
التنقيب عن الآثار
يستند قرار تشكيل البعثات التنقيبية إلى قانون الآثار رقم 55 لسنة 2002، وأجاز القانون بأن تختص السلطة الآثارية بالقيام بأعمال التنقيب عن الآثار في العراق، كما أعطى الحق في مادته 29 للهيئات العلمية والعلماء والجامعات والمعاهد العراقية والعربية والأجنبية، التنقيب عن الآثار بعد تأكد السلطة الآثارية من مقدرة هذه المؤسسات وكفاءتها العلمية .
كما صنف القانون الآثار المكتشفة بأنها من الأموال العامة، وكذلك المعلومات المستحصلة من نتائج التنقيب بما في ذلك الصور والخرائط والمخططات، ولا يجوز التصرف بها أو نشرها داخل العراق أو خارجه إلا بموافقة السلطة الآثارية.
وفي هذا السياق يوضح حميد أن تشكيل أي بعثة تنقيبية سيسبقه إجراء المسوحات للموقع ومتابعة ما رصدته صور الأقمار الاصطناعية حتى تتوفر معلومات أولية علمية بصورة متكاملة للبدء فعلياً، وهذا يعتمد على الموافقات الممنوحة من السلطة الآثارية في العراق المتمثلة بالهيئة العامة للآثار والتراث.
وبالعودة للراوي الذي شارك وأشرف على عمل البعثة الأميركية التي نقبت في مدينة لكش، يوضح أن وجود فرق التنقيب الأجنبية هي فرصة ثمينة لطلاب قسم الآثار للاستفادة من خبرات هذه الفرق، قائلاً "عندما كنا طلبة كنا نقرأ عن بعثات التنقيب ولم تتح لنا فرصة مشاهدة عمل هذه البعثات، أما حالياً فوجود فرق أميركية وإيطالية وألمانية تعمل في أكثر من موقع أثري هي فرصة ثمينة لطلاب قسم الآثار، بما توفره هذه الفرق من فرص تدريب تؤهل الطلبة على تعلم المناهج الحديثية في علم الآثار وكيفية تطبيقها".