"قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي." (مز 51: 10).
يجرى الحديث عن روح الله القدوس من الآيات الأولى في العهد القديم . فالروح القدس هو نفس الله الذي يمنح الحياة . إنه لا يعمل أشياء جديدة ، ولكنه يخلق كل الأشياء جديدة . أنهُ الروح الذي نفخهُ القائم من بين الأموات في تلاميذهِ قائلاً لهم ( خذو الروح القدس ) " يو 22:20 " . وكذلك يعطيه لكل مؤمن به في الأسرار المقدسة فيغيّر قلب الإنسان ليخلق فيه قلباً جديداً فيحدث التغيير الجديد الذي لم تكن الشريعة قادرة على فعله في إنسان عهد الناموس .
كيف يغيِّر الروح القدس طبيعتنا :
الروح القدس يستحوذ على قلوبنا ويجعلهُ قلباً جديداً يخرج منه ما هو جديد ونافع ، لا يحمل الحقد والضغينة ضد الله والإنسان . والروح الجديد الذي يحل في نفس المؤمن مصدره هو الله لأنه هو نبع ذلك الروح ، وهو الذي يسكِب روحه في قلب الإنسان بسبب محبتهِ ( راجع رو 5:5 ) فيتحول الإنسان إلى إنسان آخر يحب الله والقريب . يسوع المسيح علمنا الحب الطاهرلكي يعمل بضمن وصايا الله وأوامرهِ ، فيعمل أعمالاً تليق بالإنسان الجديد لأن الله نفسه يعمل مع الإنسان وفي الإنسان . فشرائع العهد الجديد هي الروح العامل في الإنسان المؤمن وبحسب إرادة الله ، وهي نعمة مجانية تحرر الإنسان من قوانين الشريعة ، لهذا تقول لنا الآية ( لستم في حكم الشريعة بل في حكم النعمة ) " رو 14:6 " .
في يوم العنصرة سكب يسوع المحبة بفضل الروح القدس في قلوب التلاميذ المجتمعين في العلية مع العذراء الممتلئة من النِعَم وذلك لكي يعطي لهم قلباً جديداً وشريعة جديدة ، إنها شريعة الروح الذي يمنح الحياة . إنها تجديد للوصية القديمة ، لهذا كتب لنا البشير يوحنا قائلاً ( أيها الأحباء ليس بوصية جديدة أكتب إليكم ، بل بوصية قديمة " ثم يكرر بقوة ويقول " على إنها أيضاً وصية جديدة أكتب بها إليكم ) " 1يو 2: 7-8 " .
حتى وصايا العهد الجديد تبقى مجرد حرف بدون نعمة الروح العامل في باطن الإنسان .
إستعاد القديس توما الأكويني فكرة جريئة للقديس أوغسطينوس ، فقال : ( بالحرف نقصد كل شريعة مكتوبة تبقى خارج الإنسان ، حتى الوصايا الأدبية الواردة في الإنجيل . لذا حتى حرف الإنجيل من شأنهِ أن يُقبَل ، لو لم يضف إليه في الداخل نِعمة الإيمان الذي يشفي .
الإنسان يتغيَّر بفعل معمودية الروح القدس فيخلق فيه قلباً جديداً يكتب عليه ما يجب فعله من وصايا الله التي كتبت سابقاً على ألواح حجرية ، تكتب على ألواح من اللحم ، أي على القلوب ( 2 قور 3:3 ) .
بعد العماد يعمل الإنسان الجديد بحسب الشريعة الجديدة التي هي الروح العامل بالمحبة ، سماها يسوع ( الوصية الجديدة ) فالروح القدس هو الذي نقل الشريعة الجديدة في قلوبنا ففاض فينا المحبة ، فقد كتب ( لقد أفيضت محبة الله التي في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطي لنا ) وبهذه المحبة التي نحب بها القريب هي نفس المحبة التي يحبنا بها الله ، ويطلب منا أن نقتدي به لكي نحبه ونحب كل إنسان مخلوق على صورته وهكذا سننتقل من موت الشريعة إلى الحياة الجديدة لأننا نحب أخوتنا ( 1 يو 14:3 ) .
فالمحبة النابعة من القلب الجديد هي شريعة جديدة ووصية تخلق في المسيحي دينامية تدفعه إلى القيام طوعاً بكل ما يريده الله فيحب كل ما يحبه الله . فالروح العامل فينا يستمد إرادة الله الحية فيستحوذ الحب الإلهي علينا لنعمل تلقائياً بكل محبة . والمحبة غالباً لا تعرف الحدود فحرارتها تحمل إلى ما وراء كل مقياس . المحبة لا نشعر بثقلها ، ولا تحسب لعمل الخير حساباً ، بل تريد أن تعمل أكثر من المطلوب ، وهي قادرة على شىء . وهكذا تخلق العلاقة بين الخالق والمخلوق ، والذي يخلق هذه العلاقة هو الروح القدس العامل في الإنسان المؤمن .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"