اكتشاف مصنع فخار سومري في العراق      إضاءة الكاتدرائيات والكنائس الكاثوليكية بلون الدم تضامناً مع المسيحيين المضطهدين في يوم الأربعاء الأحمر      تحت رعاية المرصد الآشوري .. نورشوبينغ تستقبل أول معرض مشرقي للكتاب في نهاية شهر نوفمبر      اللجنة المنظمة لمهرجان "عنكاوا كريسمس" تلتقي محافظ أربيل      ‎قداسة البطريرك مار افرام الثاني يستقبل صاحب القداسة الكاثوليكوس آرام الأول كاثوليكوس بيت كيليكيا الكبير للأرمن الأرثوذكس      احياء المجلس الراعوي لأبرشية بغداد      الكاتب لورنس نادر مخو يزور قناة عشتار الفضائية في دهوك      رسالة من اساقفة الكنيسة في عنكاوا- اربيل بخصوص التعداد السكاني      قداسة البطريرك مار آوا الثالث يستقبل القائم بأعمال القنصل العام لجمهورية أرمينيا في أربيل      قداسة البطريرك افرام الثاني يبارك العيد الستين لتأسيس فوج مار أفرام السرياني البطريركي الكشفي بدمشق      دعوة للحوار لحل القضايا ووقف الصراعات.. الرئيس بارزاني يحذر من تحدٍ أكبر في المنطقة      مصادر: ضربات إسرائيلية وشيكة ما لم تمنع بغداد هجمات الفصائل      تقنيات روبوتية تنجح في إجراء أول عملية زرع رئتين بالكامل      بيتكوين تسجل رقماً قياسياً جديداً وتتجه نحو 100 ألف دولار      "نترقب تطوراً جيداً".. تركيا تؤكد جاهزيتها لاستئناف تصدير نفط إقليم كوردستان      غوارديولا يجدد عقده مع مانشستر سيتي لمدة عامين      فيديو.. بسعر 6.2 مليون دولار.. بيع أغلى "موزة" في التاريخ      البابا: علينا أن ندرس التاريخ بذاكرة الماضي من أجل بناء مستقبل أخوي      بعد ماكدونالدز.. الجزر يتسبب بوفاة واحدة وعشرات الإصابات بأميركا      مسؤول في حكومة إقليم كوردستان يختبر أول نظام "ستارلينك" للإنترنت في أربيل
| مشاهدات : 935 | مشاركات: 0 | 2024-10-03 12:30:32 |

بغديدا- قره قوش، بلدةٌ عراقيّة موصلّية مسيحية بامتياز

لويس اقليمس

 

 

 

الجزء الأول (يتبع):

عُرفت بلدة بغديدا أو قره قوش الرابضة في سهل نينوى الهادئ بكونها من القصبات العراقية التي تتميّز بطيبة ناسها وجمال أزيائها وأصالة تراثها ونظافة أحيائها وشوارعها ومساكنها، إضافة إلى صفات أخرى مثل طبيعة تسامحها الإنساني والديني ووضعها الجغرافي والطوبوغرافي والوطنيّ الهادئ والمتميّز عن غيرها من قرى وبلدات سهل نينوى وما يحيط  ويلفُّ مدينة الموصل وعموم محافظة نينوى من حيث كونها ملتقى للأدب والفكر والشعر وخير مساحة لاستيعاب التنوع الإتني والثقافي والسياسي على حدّ سواء.

يحكي لنا تاريخها الكثير ممّا تعرّضت له هذه البلدة المسيحية الهادئة الراقدة جنوب شرق مدينة الموصل (على بعد ما يقرب من 30 كم) حيث أصبحت ملاذًا لقاصديها الجدد ممّن سكنوها منذ أكثر من عشرة قرونٍ خلت بحسب بعض الرواة وقصاصات التاريخ في زمن الاضطهادات والتغيّرات الدينية. ولكون تاريخها يعود لعصر السلالات الآشورية القديمة بحسب بعض الرواة من الكتاب والباحثين والرحالة الذين زاروها أو مرّوا بها في رحلاتهم ومنهم الرحالة ياقوت الحموي الذي زارها في القرن الثالث عشر الميلادي وذكرها باسم "باخديدا" في كتابه "معجم البلدان"، فهذا من شانه أن يمنحها بركة السماء كي يحافظَ أهلوها وساكنوها الأصليون على أرض الآباء والأجداد من دون أن يضحوا بهذا التاريخ المشرّف الموغل في القدم كالشجرة الأصيلة الباسقة التي تنهل ماءَها ونسغَها من خيرات أرضها القريبة من نهر دجلة الخالد على جهتها الغربية. وهناك اعتقاد آخر موثوق جاء على ذكر مدينة "راسن"، وهي المقصودة في هذه التسمية الآشورية بحسب بعض الكتابات القديمة ومن زارها من الرحّالة والباحثين. لكن من المؤكد أنّ هذه البلدة الرابضة في هذا السهل الهادئ قد شهدت وقائع حربية وهجمات بالقرب منها أرادت النيل من موقعها وتاريخها في أزمنة غابرة. ما يعني أنها كانت محلّ أطماع الغزاة على مدار تلك الحقب التاريخية بين السلالات الحاكمة آنذاك من بابلية وآشورية وفارسية وغيرها. ولعلَّ ما يمنحها هذا القدر من الأهمية التاريخية وقوعها على مقربةٍ من إحدى العواصم الاشورية، مدينة "كالح" - "النمرود" القائمة آثارُها لغاية الساعة والتي تزخر بها مثل غيرها من المواقع الاثارية في عموم البلاد. كما كشفت تنقيبات سابقة عن العثور في مواقع عديدة من هذه البلدة المسيحية على آثار تشيرُ إلى الحقب الآشورية التي حكمت المنطقة في حقبٍ سالفة من الأزمان.

 

هويتها مسيحية وسمتُها التميّز في كلّ شيء

هناك مَن يعتقد بدخول المسيحية الأولى إلى "بغديدا" في حقبة القرن الأول الميلادي أو ما بعده بقليل. ومع توالي الأيام وتغيّر الأهواء والظروف، أخذت الأفكار النسطورية تتسلّل إلى هذه البلدة الهادئة وما حواليها في سهل نينوى في مستهلّ القرن الخامس الميلادي بفعل هيمنة هذا الفكر الرافض لعقيدة جمع أفسس لعقود عديدة حينذاك على المسيحية الأولى في المنطقة. ولكن سرعان ما شهدت لاحقًا بعد أكثر من قرنين تغيّرًا في اتجاه الأفكار اللاهوتية بفعل الجدالات الكنسية الحادة بين أتباع المذاهب اللاهوتية التي عصفت بالكنيسة عامةً، ما أتاح الفرصة للراهب "يوحنا الديلمي" بتغيير معتقد معظم أهالي البلدة إلى السريانية الأرثوذكسية. وبقيت على هذه الحال قرونًا مديدة لغاية أن أضحت في بعض الفترات مقرّا بطريركيًا لأتباع كنائس السريان اللاخلقيدونيين في عموم شمال العراق والبلدان المجاورة قبل تشعبهم فيما بعد إلى سريان (كاثوليك) و (أرثوذكس) في فترة الاضطهادات التي عصفت بالمسيحيين في مدينة "تكريت" حين اضطرار نزوح الكثيرين منهم إلى الموصل وضواحيها وغيرها من مدن البلاد والمناطق المجاورة للعراق. كما عُرفت بغديدا بتسمية "أم الكنائس السبع" حتى تاريخها الحديث. وهذه الكنائس كان قد تقاسمها لاحقًا أتباعُ العقيدتين الكاثوليكية والأرثوذكسية بموجب إتفاقات ووثائق بين رئاساتهما في فترة الانشقاقات. ولا تخلو هذه البلدة من أديرة تاريخية ماتزال آثارُها قائمة وتستقبل الزائرين من مختلف مناطق ومدن العراق ومن خارجه، ومنها دير مار بهنام وسارة الواقع جنوب البلدة على بعد حوالي أربعة عشرة كيلومترات منها بالقرب من مدينة نمرود الآثارية، وآثار(خرائب) دير مار قرياقوس في محيط جنوب البلدة. وهذان الديران قد أصبحا من حصة الكاثوليك. إلى جانب دير مار ناقورتايا في شمال البلدة والذي أضحى من حصة الكنيسة الأرثوذكسية. ولعلَّ من أهمّ المناسبات التي تبقى في ذاكرة أهالي البلدة احتفالُهم بعيد السعانين (الأحد السابق لعيد القيامة في كلّ عام) حيث تشهد البلدة بأسرها تظاهرة دينية شعبية تطوف حول شوارعها بالصلوات والأدعية والترانيم الرخيمة للشمامسة وجوقات الكنائس والأخويات المختلفة حيث تظهر الأزياء الشعبية بجمالها من رجالٍ ونساء وفتية وفتيات وشيبٍ وشباب وأطفال يصرخون بأعلى اصواتهم" أوشعنا لابن داؤد".

 

 تسميات بغديدا

كما تشيرُ صفحات التاريخ، فقد تغيّر اسم هذه البلدة الآشورية القديمة من "بغديدا" إلى "قره قوش أو قراقوش" الذي يعني "الطير الأسود" بحسب البعض وذلك بفعل عامل السياسة حين استحلّها الأتراك العثمانيون. وهناك مَن يفسّر تسميتَها بكونها تعني "بيت الآلهة" من منطلق لفظها الآخر "باخديدا" المقتبسة من لفظة "بيث خوديدي"، عندما كانت مجوسية اي قبل أن تدخلها المسيحية. وربما تتقبل التسمية تعاريف أخرى وفقًا لقرائن ماتزال غير كافية لتحديد معاني تسمياتها المتعددة ومنها ما يتجاوز معناها الآخر المقصود به بكلمة "بغديدا" حصرًا والذي يعني "عطية الرب أو أعطى السيد"، كما يوردها ابنُها البار الباحث المجتهد الأب الدكتور "بهنام سوني" نقلاً عن نصوص سريانية وكرشونية وعربية وأجنبية من بداية القرن السابع إلى نهاية القرن التاسع عشر في أحد مؤلفاته المهمة، وكذا ما نقله نظيرُه المربي الفاضل الراحل "عبدالمسيح المدرّس" في ذات المعنى. ولا يخلو تاريخُها من حملات استهدفت سكانَها بسبب موقعها، كما أسلفنا، وذلك من جهات في بلاد فارس الطامعة دومًا بالعراق ومدنه وأهلِه. كما كانت محطةً لنقل البريد العثماني لفتراتٍ من الزمن عندما ارتبط مصيرُها بهذه الإمبراطورية في أحقاب مديدة، ما يشيرُ لتلاقح القوميات والثقافات فيها من دون أن يؤثّر ذلك في خصوصياتهم المسيحية واللغوية سواءً في تحدّثهم السريانية الدارجة المحكية (السورث) في البيت والشارع أو في أصالة اللغة السريانية (الآرامية) التي حافظت عليها كنائسُها وقسسُها وأهلُها في طقوسهم الكنسية لغاية اليوم سواءً في الصلوات الفروضية اليومية والمناسبات أو في نقلها للأجيال، كما يحصل اليوم بهمّة الغيارى وسط إقبال كبير من أهلها وبدعم من رجالات الكنيسة وجهود الساندين لهذه الحملة بتشجيع تعلّم لغة الآباء والأجداد وعدم السماح بموتها أو نسيانها. لهؤلاء جميعًا ولمركز مار بولص للخدمات الكنسية العائد لأبرشية الموصل وتوابعها للسريان الكاثوليك الذي يقوم بهذه المهمة إلى جانب مهامّ أخرى كثيرة، كلّ التقدير والاحترام.

حديثًا في سبعينيات القرن الماضي تحديدًا، تعرّضت البلدة إلى تغيير في تسميتها من قبل النظام السابق بعد تدرّجها إلى صفة قضاء، حيث سُميت ب"الحمدانية" تماشيًا مع سياسة النظام في تغيير المسميات التاريخية إلى أخرى تستهدف محو الماضي وطي صفحاته وتهميش الإرث والثقافة واللغة للمجتمعات غير العربية. كما عمل النظام السابق لاختراق خصوصيتها المسيحية بتوزيع قطع أراضي سكنية لغير ساكنيها الأصليين في محاولة لتغيير ديمغرافيتها وخصوصيتها العراقية المسيحية الصرفة. كان للبلدة كذلك، كما لعموم مدينة الموصل وبلداتها، موعدٌ مع دمارٍ أشدّ ممّا فعله هولاكو وجنودُه عندما سيطرت عليها تنظيمات الدولة الإسلامية في آب 2014 بفعل تقاعس الحكومة آنذاك وتآمر جهات متهمة بتسليم ثلث البلاد بيد تنظيم إرهابي تحت أنظار الغازي الأمريكي ووكلائه في المنطقة، ما اضطرّ ساكنيها لهجر بيوتهم وممتلكاتهم والنزوح سواءً إلى كردستان القريبة منها التي آوتهم برحابة صدر أو إلى العاصمة بغداد ومدن أخرى، تمهيدًا لترك أرض الوطن وبدء هجرة مرعبة وقاسية نحو بلدان الشتات. إنّ هذه الجريمة تتحمّل مسؤوليتَها الحكومة العراقية وإدارتُها حينذاك ومَن أتى بها وبشخوصها غير الأمناء على ظهور دبابات المحتلّ الأمريكي وأتباعه من دول الغرب الظالم وفق منهج وسياسة وتخطيط محكم ستكشفه السنوات القوادم عندما يحين وقت الحساب. ولن يكون بعيدًا!

 

-يتبع-

 

 










أربيل - عنكاوا

  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    [email protected]
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.5055 ثانية