كانت الهند دولة واحدة منذ أقدم العصور، لكنها تعرضت للغزو المغولي وبدأ الأباطرة المغول المسلمين يحكمونها، وعلى الرغم من إن أكثر سكانها من الديانة الهندوسية، غير إن المغول لم يفرضوا الإسلام على سكان الهند، بل على العكس أشاعوا ثقافة التسامح الديني، لاسيما في عهد الإمبراطور أكبر والإمبراطور أورانغ سيب وشاه جيهان، ولكن أحوال هذه البلاد بدأت بالتغيرعندما وصل إليها الإستعمار الأوربي، فوضع البرتغاليون أول ركيزة لهم، وذلك من خلال إرسال إسطول برتغالي، تألف من ثلاث سفن بقيادة (فاسكودي غاما) الذي إكتشف رأس الرجاء الصالح، والذي وصل الى الهند عام 1497 الى ميناء كلكتا، وأخذ بتحقيق أهداف دينية وإقتصادية، تمثلت بنشر الديانة المسيحية والإتجار بالتوابل التي اٌشتهرت بها الهند.
لم يقتصرالأمرعلى البرتغالين، فمنذ عام 1553 أسس الانكليز شركة سميت بـ(إتحاد التجار المغامرين للتجارة مع الشرق) وفي عام 1600 أصدرت الملكة (اليزابيث) مرسوماً ملكياً، بمنح هذه الشركة حرية التجارة في الهند، والمناطق المجاورة لها لمدة خمسة عشر عاما، فأسست شركة الهند الشرقية- الإنكليزية، وشرعت بإنشاء المراكز التجارية، ومنها المركز التجاري في (مزولي) عام 1611، وفي (سوارت) عام 1612، وإشتبك الإنكليز مرات عدة مع البرتغاليين، ثم تمكنوا من طردهم من الهند.
لم يكن الفرنسيون بعيدين عن هذا التنافس، ففي عام 1604 أسسوا شركة الهند الشرقية- الفرنسية، وأسسوا أول مركز تجاري لهم في الهند في سراب عام 1668، والثاني بالقرب كلكتا عام 1672، والثالث بالقرب من مدراس.
أدى التنافس البريطاني- الفرنسي حول الهند الى قيام حروب كثيرة بين الطرفين، إذ كان كل طرف يدرب فتيان الهند ويسلحهم بأحدث الأسلحة، واٌستغل كل منهما الانقسامات التي سادت بين الولايات الهندية، والخلافات الموجودة بين الأمراء لتحريض أحدهم ضد الآخر، ولكن في النهاية حسمت بريطانيا الصراع لصالحها وسيطرت على الهند .
بدأت بريطانيا بتفريق أبناء الشعب الهندي، وأخذت تنشر الفرقة بين المسلمين والهندوس، لكن الشعب الهندي قاومها وتمكن من القيام بأول ثورة ضد الإستعمار هي ثورة عام 1857، لكن بسبب الفارق الكبير في العدة والسلاح، تمكنت بريطانيا من إخمادها وإستمرت بسياسة فرق تسد، فأعلنت عام 1885 عن تشكبل أول حزب هندي هو حزب المؤتمر الوطني الهندي، ولكنها أشاعت انه يقتصرعلى الطائفة الهندوسية فقط، لذلك لم ينتمي له المسلمون وشكلوا حزبا خاصا بهم، هو حزب الرابطة الإسلامية عام 1906، وبذلك نجحت بريطانيا في شق الشعب الهندي على أساس ديني مستخدمة أسلوب السياسة .
كانت بريطانيا تميل في سياستها تارة لصالح حزب المؤتمر، وتارة أخرى لصالح المسلمين، من أجل توسيع الهوة أكثر بين الشعب الهندي، واخذ سياسيو الحزبين يعلنون صراحة، أنهم يريدون تشكيل دولة خاصة بهم، أي دولة هندوسية ودولة إسلامية، وحينما فكرت بريطانيا بالإنسحاب من الهند، بعد إن خرجت من الحرب العالمية الثانية منهكة القوى، قررت تقسيمها الى دولتين، وبالفعل جاء الإستقلال الهندي عام 1947 بتقسيم الهند الى دولتين، هندوسية هي الهند وإسلامية هي باكستان .
بدأت الدولتان تعانيان من آثار التقسيم، وخاضتا ثلاث حروب فيما بينهما من أجل مشكلة المقاطعة الحدودية كشمير، الحرب الأولى عام 1947 والثانية عام 1965 والثالثة عام 1971، وكان من نتائج تلك الحروب أن إنقسمت كشمير الى جزئين، أحدهما تابع للهند والآخر تابع الى باكستان، وعلى الرغم من ذلك لم ينتهي التقسيم، اذ أقتطع أقليم البنغال من باكستان، وأصبح دولة بنكلادش .
وهكذا كانت السياسة الإستعمارية البريطانية، فدخلت الهند وهي دولة واحدة وخرجت منها وهي ثلاث دول، وعلى الرغم من إختلاف الأزمان، إلا إن السياسة الإستعمارية الأمريكية والبريطانية، هي واحدة على مر العصور.