عشتارتيفي كوم- اعلام البطريركية الانطاكية السريانية المارونية/
"هذا هو حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم" (يو29:1)
أ- إنّه "حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم" (يو29:1)، هي شهادة نبويّة. في الواقع، حمل يسوع خطايا البشريّة جمعاء، وكفّر عنها، وافتداها بموته على الصّليب، وأزالها ومحا صكّها بالغفران من فيض محبّة الله الآب ورحمته، وقد صالحه مع الجنس البشريّ كلّه. وهكذا أصبح يسوع المسيح ذبيحة فداء دائمة في سرّ القدّاس، ووسيط الغفران والمصالحة بين الله والبشر، وهو يواصل هذه الوساطة في سرّ التّوبة الذي سلّم خدمته لكهنة الكنيسة.
أمّا صورة الحمل فمأخوذة من العهد القديم، عندما كانت شريعة موسى الطّقسيّة تقتضي أن يجتمع الشّعب في يوم التّوبة والغفران ويحمّلون حَمَلاً خطاياهم، ثمّ يقدّمونه ذبيحة رضى لله. وقد تنبّأ أشعيا على المسيح خادم الله المتألّم، الحَمَل الجديد قبل ميلاده بخمسماية سنة فكتب: "لقد حملَ آلامنا، واحتمل أوجاعنا... طُعن بسبب معاصينا، وسُحق بسبب آثامنا. أُنزل به العقاب من أجل سلامنا، وبجرحه شُفينا. كلّنا ضللنا كالغنم، فألقى الله عليه إثم كلّنا. عومل بقسوة فتواضع ولم يفتح فاه. كحمل سيق إلى الذّبح وكنعجة صامتة أمام الذين يجزّونها، ولم يفتح فاه" (أش 53: 3-7).
ب- يسوع هو الذي يُعمِّد بالرّوح القدس (يو33:1). أوضح يوحنّا أنّ المعموديّة التي كان يمارسها بالماء، ليست سوى علامة خارجيّة للتوبة، وأنّ لا مفعول لها على خطايا الإنسان وداخله. فيشهد أنّ يسوع أقوى منه ويعمّد بالرّوح القدس والنّار (متى11:3). ما يعني أنّ الرّوح القدس يُحرِق كالنّار خطايا الإنسان التّائب ويزيلها تمامًا، لكي يبدأ مسيرة جديدة.
وسيؤكّد الرّبّ يسوع لنيقوديموس أنّ باب الدخول في ملكوت الله أي في سرّ الاتّحاد به، إنّما هو الولادة الثّانية من الماء والرّوح (راجع يو5:3). وكتب يوحنّا الرّسول في إنجيله أنّ "الذين قبلوا الكلمة المتجسِّد، المؤمنون باسمه، صاروا أبناء الله، وقد وُلدوا من الله، لا من دم ولا من رغبة جسد ولا من رغبة رجل" (يو1: 12-13).
ج- يسوع هو إبن الله (يو 34:1). هذه الشّهادة استمدّها يوحنّا المعمدان من الصّوت الذي سُمع عند معموديّة يسوع:
"أنت هو ابني الحبيب، بك رضيت" (لو22:3). أن يكون ابن الله نزَل أرضنا واتّخذ طبيعتنا البشريّة، وافتداها، ليجعلها شريكة حياته الإلهيّة، لأمرٌ مذهلٌ للغاية، وهو من فيض الحبّ الإلهيّ. لا يستطيع أيّ إنسان أن يهمّش سرّ المسيح في حياته، وإلاّ لن يعرف التّواضع والتّجرّد وروح الخدمة. "فالمسيح، وهو الله، كما كتب بولس الرّسول، لم يحسب ألوهته مكسبًا بل أخلى ذاته، واتّخذ صورة الخادم، وصار إنسانًا، وأطاع حتّى الموت على الصّليب" (فيل2: 6-8). بنتيجة هذا التّواضع والطّاعة للآب حتّى بذل الذّات للفداء، كما يواصل بولس الرّسول: "رفعه الله وأعطاه إسمًا يفوق كلّ إسم، لتنحني لإسم يسوع كلّ ركبةٍ في السّماء والأرض وتحت الأرض، ويشهد كلّ لسان أنّ يسوع المسيح هو الرّبّ تمجيدًا لله الآب" (فيل2: 9-11). بهذا نفهم كلام الرّبّ يسوع: "ليكن أكبركم خادمًا لكم. فمن يرفع نفسه يُواضَع، ومن واضع نفسه يرتفع" (متى12:23). بعد ذلك دعا إلى مدرسة التّواضع، إذ قال: "تعالوا إليّ، أيها التّعبون والرّازحون تحت أثقالكم، وأنا أريحكم. تعلّموا منّي، أنا وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحةً لنفوسكم" (متى 11: 28-29). لم يدعُ الرّبّ يسوع إلى التّواضع، إلاّ بعد أن عاشه بامتياز.
نتعلّم اليوم من مَثَل المسيح الإله – الإنسان أنّ السّلطة خدمة متفانية تقتضي التّضحية بالذات، وأنّ عظمة الإنسان تأتيه من تواضعه وتجرّده.
نصلّي كي نجعل المسيح الربّ قدوة في حياتنا، فنستحق أن نرفع نظرنا إلى ربّ السّماء والأرض، وننشد التّسبيح والتّمجيد للثّالوث القدّوس، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد.