يوم 13 آذار 2013 أنتخب البابا فرنسيس كأول بابا يأتي من القارة الامريكية (الشمالية والجنوبية) ومنذ ذلك الحين دفع في الكنيسة طاقة ونفسًا جديدَين. كما أن كلمة "أول" تنطبق على هذا البابا لعدّة أمور: أول أمريكي وأوّل راهب يسوعي وأول بابا يحمل لقب فرنسيس وفي هذه الثلاثة معانيَ عديدة تحتاج إلى وقفة وتأمل.
في شباط عام 2013، فاجأ البابا بنديكتس السادس عشر (المولود في عام 1927) العالم بتنازله عن كرسي البابوية، وهذا حدث نادر قلما حدث خلال تاريخ المسيحية الطويل. وتذرّع البابا المستقيل بمشاكل صحته الجسمية والذهنية اللتين يراهما في تنازل. إجتمع الكرادلة بعدها لينتخبوا رئيس أساقفة بونس إيرس، الكاردينال الأرجنتيني خورخي بيرغوليو Bergoglio المولود في عام 1936 كي يصبح البابا رقم 266 كان ذلك يوم 13 آذار 2013 وأخذه اسم فرنسيس وهو اكرام للقديس فرنسيس الأسيزي (القديس الذي عشق الفقر الانجيلي) وسرعان ما اشتهر البابا الجديد بتواضعه وأعطى نبرة جديدة للبابوية واختار أن يحيا في مكان متواضع مثل بقية الأساقفة (بيت القديسة مرتا)، وترك كل الأبُهة التي كان الفاتيكان قد اعتاد عليها.
بفضل البابا فرنسيس تزايد الاعجاب والاهتمام بمنصب البابوية، فسلطة رئيس الكنيسة هي روحية فقط لكنها تحتضن أكثر من مليار ومئتي مليون نسمة من كاثوليك العالم موزعين في كل الدول. لكن، من الناحية التاريخية تقلبت البابوية في مختلف أشكال السلطة بحيث كانت في بعض العصور أقرب الى الملكية أو الاقطاع في تملكها للأراضي، وكانت أحيانا كثيرة تلعب دورًا سياسيًا كبيرا خصوصا على مدى أجيال وقرون في القارة الاوربية. ولكن الأزمات بدأت مع عصر النهضة ثم جاءت حركات الإصلاح في القرن الخامس عشر، عقبها عصر الأنوار (ق 18) والثورة الفرنسية 1789 أحدثت شرخا كبيرا في عموم أوربا حتى جاء القرن 19 حين توحدت الدويلات الإيطالية على يد القائد غاريبلدي (1807 - 1882)، عندئذ فقدت البابوية أغلب ممتلكاتها من الأراضي وفقدت أيضا تأثيرها على العالم فدخل الباباوات في سجن اختياري من 1870 وحتى عام 1929 حين عقدت معاهدة اللاتران وولدت دولة الفاتيكان لتصبح أصغر دولة مستقلة في العالم.
بالرغم من ان البابا فرنسيس الذي هو أوّل قادم من القارة الامريكية لم يجر أي إعادة نظر على مواقف الكنيسة فيما يخص الإجهاض او زواج المثليين، لكنه فتح قلبه ليستقبل العالم كله. ففي تموز 2014 أعلن ان الكنيسة لن تتساهل أبدا مع التجاوزات التي يرتكبها أو ارتكبها أعضاؤها ووضع جميع الاساقفة الكاثوليك أمام مسؤولياتهم إزاء حماية الأطفال ضد التعديات الجنسية، كما دفع إلى المقدمة جماعات كاثوليكية غير أوربية محوّلا بذلك الكرسي الرسولي إلى حقيقة شاملة لتستحق الكنيسة الكاثوليكية اسمها.
يجدر بالذكر ان البابا الأول هو القديس بطرس الرسول وقد استمرت البابوية حتى بداية القرن الرابع مع مجيء الامبراطور قسطنطين الذي حكم بين 306 – 337 م في القرون الاولى كانت البابوية مجرد حالة دينية لم لديها أي سلطة زمنية، لكن مع الإمبراطور قسطنطين واهتدائه إلى المسيحية تغيرت الأمور تغيرًا كبيرا.
عادت الحلقة مع البابا فرنسيس لتعود البابوية كما كانت في القرون الأولى قوّة روحية وثقلا عالميا، يُحسب له حساب آخر مختلف، وليس كما كان في زمان الحروب، في القرن الماضي، إذ يحكى أن جوزيف ستالين، زعيم الاتحاد السوفييتي، استقبل في عام 1935 بيير لافال رئيس وزراء فرنسا آنذاك، الذي طلب منه احترام الحريات الدينية في روسيا، سأله ستالين: "البابا؟ كم فيلق عسكري لديه؟".
أما اليوم فالبابا فرنسيس بأسلوب حياته يجيب على السؤال بآخر هو: هل الوحدات العسكرية هي مقياس القوة الوحيد؟
كركوك 13 آذار 2018