الإخوة الكرام تحية
قبل خمسة سنوات كنت في الوطن بعد أخذت حقيبتي وسلّمت جوازي سفري وتركته على الحدود فمن يعود الى وطنه لا يحتاج لجواز سفر غيره.
وسُرّت في طريقي حتى شاهدت جماعة على الطريق الوعر يبدو انهم اخوة متخاصمين فسألتهم
أيها الإخوة : ماذا يجري ومن انتم
أجابني أحدهم : من الطرف الأيسر .... نحن هنا كي نعرّف أصل البيضة
فقلت : وهل وجدتم الجواب
أجابني اخر : شخص من الطرف الاخر الأيمن ... لا ولكننا نعمل على كشف هذا السر
والمشكلة انه تكلم بنفس لغة الشخص الأول
فقلت لهم : يا شباب وكم يوماً ستبقون هنا وتتلاكمون
أجابوني وقالوا الطرفين وبصوت وأحد وبنفس اللغة : حتّى .... حتّى ... حتّى نموت
حزنت كثيراً عليهم فتركتهم يتلاسنون
وأكملت طريقي
وبعد خطوات في ربوع وطني وصلت لسهل فسيح رأيت جماعة أكبر واقفة ولكن يبدو انهم اكبر سَنَن من الجماعة الاولى وأمامها نهر
وكانت هذه الجماعة لها إعلام بكل الاطياف ومطرزه من كل المذاهب التي أنا اعرفها واحفظها واحترامها
فسألت أحدهم ويبدو شيخاً جليلاً : ياعمي لماذا انتم هنا
فقال : نحن ننتظر منذ سنوات طوال هنا لعبور النهر
فقلت : وما المانع لنعبر معاً
أجابني الشيخ الجليل : لا يا أبني نحن ننتظر الإخوة المتخاصمين اللذين رايتهم عبر الشارع
فقلت : ولماذا
فقال : نحن وكما ترى جماعة من كبار السن عشنا العمر كله معاً وبكل هذه الاطياف التي تراها وبجميع المذاهب
ولكن هولاء الشباب المتخاصمين من الجيل الجديد هم اولادنا وأحفادنا ونحن بحاجة اليهم ولنشاطهم وخبرتهم كي يكملوا المسير وكي يحمونا ويحمون نساؤنا وتراثنا واسمنا الذي نحمله معنا كل هذه السنين واللذي دافعنا عنه .
وأكمل الشيخ : لا يجوز عبور النهر لوحدنا فهم منا ولنا
فقلت : وما العمل الآن سيدي العزيز فأنا قد تركت الدنيا وما فيها كي اعود وأعبر النَّهر
فقال : الانتظار
فقلت : ولكن الوقت يمضي وهنالك غريب في أرضي يتربص بِنَا ، يسرق بيتي ويأخذ تراث جدي ويشوه إسم أبي
فقال وبحسرة كبيرة وألم اكبر : لك الخيار ياولدي
وكررها لك الخيار .... لك الخيار ....
فقلت : يا شيخ هل جربت معهم الحوار
فقال : اكثر من مره ، انا وغيري حاولنا تغير المسار وتبديل لهجة ولغة الحوار
فقلت له : لقد وصلت الرسالة أيها الشيخ الجليل
فجلست بعدها مع الجموع مفكراً بهذا الحال .....متألم مما سمعت من الشيخ
ومتعجب مما رأيت من تعصب من الشباب ....
وبقيت أفكر وأصبحت قلق على الجماعتين
فما هو سرنا ، ولماذا وكيف نطعن ببعضنا هَكَذَا ؟
وما العمل مع اخوتي الصغار ؟
جلست بعدها على صخرة في ذلك السهل الفسيح أراقب تلك الاعلام الجميلة
ولا زلت منذ سنوات أنتظر عودتهم .... محتار
والبقية تأتي
جاني