ايها الاحبة تقبلوا التحية
هذه رواية سمعتها من جدي ونحن صغار ولم أشارك بها احد ولم اقولها لمخلوق واحتفظت بها لسنوات لوحدي ولم يسمع بها أحد ولم احكيها او أكتبها او أنشرها يوماً بعد .
سمعتها وأخوتي عندما كنّا صغاراً ولكن بعد ان كبرت وغزا الشيب شعري ولا ادري كم بقى لي من العمر قررت ان انشرها كي يحتفظ بها من يأتي من بعدي .
كان جدي رجلاً وقور جبلي الطبع كريم الأخلاق يحب الكلام ويحب الحياة ويعشق الجمال والنساء وشرب الشاي والتدخين .
وكان ذو شخصية قوية وذراعيين قويين ووجه جميل وشعر كثيف .
وكان ينهض قبل الجميع ( قبل أن يمرض ) ونسمع صوته في الحمام صباحاً وهو يحلق ذقنه يومياً وهذه كانت حالة عادية واعتيادية في بيتنا ( بالمناسبة أبي كان يحلق ذقنه أيضاً يومياً ) . وبعدها يدخل جدي المطبخ وتبدأ رحلته مع الشاي الاثوري المركز وأنا في الحقيقة والمعروف عني من عشاق الشاي وهذه هواية اخذتها منه واتذكره بها .
حكى لنا جدي الكثير من القصص والحكايات عندما كنّا صغاراً عن حياته ورحلته الطويلة ولكن ما اكتبه اليوم ظل لغزاً لي ولفترة طويلة حتى كبرت وفهمت المعاني وكل مفرداتها .
ولكم الرواية .
تعالوا ايها الأحفاد والأكباد ( هكذا كان ينادينا ) اليوم ستكون لنا رحلة ونتعرف على رجل أرضه تدعّى ... نهله .
بدء جدي الكلام وأمامه استكان الشاي الذي لا يفارقة .
وقال : ايها الاحبة كان هذا الرجل عاقل ويفهم الحياة ويحب ارضه وموطنه وأبناء عشيرته وأبناء القرى المحيطة به وأبناء قومه وأمته .
كان هذا الرجل معروف بعشقه لنهله واهلها وكان يقرأ ويكتب بحروف جميله وعزيزي تبداء بألب وينتهي بتاو .
وكان يشكل مع من حوله من أخواته بالتاريخ والعقيدة والأرض اروع ما يكون وأجمل ما يمكن واقوى ما يوجد .
كان هذا الرجل ضخم وقوي العضلات راْسه كبير وعيونه فيها من الصفاء والخير مثل مياه الزاب وغزلي عذب وأزلي .
ويتوقف جدي عن الكلام لثواني يشرب الشاي وينظر في عيوننا لا ادري وقتها لماذا.
ويعود ويكمل ام صدر ذلك الرجل فكان مراعي وأرض زراعية خصبة وحقول فيها السنابل من ذهب وفضه يزرعها ويحصدها رجال وشباب نهله وما أروعهم .
أما قدميه فكانت اقدام ثور قوي ومجنح .
وكانت أحشاءه سيول من عسل ولبن وجبن وَفِير وغزير تصنعه نساء وفتيات نهله وما أجملهم .
أطعم هذا الرجل الفقير وساعد المحتاج وحمى عرض الجيران وأعطاهم الخبز والماء والأمان .
عاش هذا الرجل عمره كله والمشاكل من حوله والجميع يحاول محاربته والانتصار عليه .
هاجمته الوحوش والجحوش والجيوش لكنه صمد وقاوم ... تعذب وتألم لكنه صبر وظفر ... مرت عليه غزوات وحروب ولم يهرب جاءت لأرضه شعوب غريبة عجيبة بعضها حاولت أن تحطمه أن تسرقه ان تنهبه ... وتقتل من أصحابه وأحبابه ما تقتل ..
لكنه .. لم يتغير ... ولم يتخاذل وحقاً .. لن ولم يستسلم .
حاصرته حكومات وحاربته عشائر وبَقى لوحده يقاوم ....
لكن صدقوني يا أحفادي على التخويف والتهميش لم يرضى و لا ولم يوماً يقبل .
هذا الرجل كَبُر بالسن ورحل عنه أحبته ومن زرع وحصد وقاوم وحارب مَعَه وغادر بعضاً من أهله قسراً وهاجر قسماً من اخوته فبقى وحيدا حزيناً يبكي حظه مع جيرانه الذين يوماً اطعمهم وحماهم ولم يندم .
ولكن لازال يفكر في مستقبله وحماية ارضه ومعشوقته نهله ممن يوماً من زاده اطعمهم وفي بيته وأرضه أسكنهم .
هنا توقف جدي والدموع في عينه وأخذ نفساً عميقاً ومعه حسرة اكبر ومسح دموعه .
وقال : لأخي الأكبرمني وهو يرفع استكان الشاي ويده ترتجف .. ساعدني كيف أقف على قدمي يا ابني وبينما حاول اخي مساعدته توقف جدي لثواني ونظر إلينا بنظرة ثاقبة وغريبة لم نتوقعها ونحن ساكنين جالسين لم نتحرك ومنبهرين بهذا الرواية .
وقال : بصوت عميق وحزين وبحسرة وبقلباً مكسور هل عرفتم هذا الرجل ؟ .
وأعاد السؤال هل عرفتم هذا الرجل واين تسكن حبيبته نهله ؟
ثم تحرك نحو الباب وقبل أن يفتحه نظر إلينا وقال .....
البقية تأتي ....