( ...أيها الإنسان الغبي ، أن الإيمان الذي لا ينتج عنه أعمال هو أيمان مَيّت ) " يع 20:5"
الإيمان الحقيقي المطلوب من كل مؤمن ، هو الإيمان العامل بالمحبة ، ومن المحبة تخرج الأعمال الصالحة أي أن الإيمان فضيلة ، وهذه الفضيلة يجب أن تنمو وتترعرع الى أن تظهر فيها المحبة ، والمحبة تعطي الثمار الجيدة أي الأعمال الحسنة . إذاً الأعمال هي ثمرة الإيمان . فالإيمان بدون أعمال هو أيمانُ غير ناضج وغير مثمر وغير مقبول . يجب إذاً أن يكون الإيمان والأعمال مقترنان ، والأثنان مطلوبان من الإنسان المؤمن لكي يصبح مقبولاً وناضجاً . فهناك من يؤمن بأن الإيمان يكفي للخلاص ولا حاجة الى الأعمال الصالحة ، مبررين مواقفهم ببعض الآيات ، مثل ( لأننا قد استنتجنا أن الإنسان يتبرربالإيمان ، بمعزل عن الأعمال المطلوبة في الشريعة ) " رو 28:3 " . في سنة 1520 عندما قرأ القس مارتن لوثر الآية ( ... إن البار بالإيمان يحيا ) " رو 17:1 " قال " وجدتها " ، أي آمن واقتنع بأن الخلاص هو بالإيمان وحدهُ ، ولا علاقة للأعمال بخلاص الإنسان . ونفس الآية كتبت في سفر حبقوق ( ... أما البار فبالإيمان يحيا ) " 4:2 " لكن بر الإنسان يكمل لا بالإيمان وحده ، بل بالعمل بوصايا الله وأحكامهِ ، فالبار هو الإنسان الذي يسير كما يريد الله وليس بالإيمان فقط .
آيات كثيرة نجدها في رسائل بولس تدعو الإنسان إلى الإيمان فقط . لكن هناك آيات كثيرة في الإنجيل وفي رسائل بولس أيضاً تؤكد لنا بأن الخلاص يتم بالإيمان والأعمال . أي مهما كان الإيمان قوياً لكنه مجرد من الأعمال يشبه التينة المورقة الجميلة التي لعنها الرب يسوع لأنها كانت بدون ثمر.
عندما نطالع رسائل بولس الى أهل روما وغلاطية وأفسس نشك بأن الخلاص هو بالإيمان فقط ، بعكس رسالة يعقوب الثانية التي تؤكد الى حتمية وجود الأعمال مع الإيمان ، فيقول : الإيمان المجرد من الإعمال ميّت ( يع 20:5 )
هل هناك تناقض إذاً في أقوال المسيح الذي يطلب الأعمال مع أٌقوال بولس. أو بين بولس ويعقوب وغيره من الرسل في موضوع تبريرالإنسان وخلاصه ؟ حاشا .
بولس الرسول يقول : إبراهيم تبرر أمام الله بأيمانه " رو4: 1-3" أي تبرر بالإيمان فقط وليس بالأعمال . كما يؤكد قائلاً ، أن كان قد تبرر بالأعمال فله الفخر . فإبراهيم برأي بولس تبرر بالإيمان فقط ، فحُسِبَ له براً . ويعزز رأيه بأن الخلاص هو بالإيمان فقط ، فيقول ( الخلاص ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد ) " أف 9:2" . وبهذا تؤمن معظم الطوائف البروتستانتية التي تبعت تعليم لوثربأن الخلاص هو بالإيمان فقط . فرجاء إبراهيم في الوعد الإلهي كان أساسه الإيمان بأن يصير أباً لإبن من زوجته سارة الطاعنة في السن لأنه صدَّقَ كلام الله ووعدهِ ، وتيقَنَ بوعد الله له . والله قادر على أن يفعله أيضاً "رو 21:4" ، لهذا أقام الله حياة من رجل ساقط من الرجولة بسبب العمر ، ومن أم رحمها مَيّت . كل ما كتبه بولس عن تبرير إبراهيم بالإيمان يوافق الى ما جاء في " تك 15: 4-6" ( ...، بل الذي يخرج من صلبك يكون وريثك ....فآمن بالرب فحسب له براً ) . إبراهيم صار أباً لأسحق ولكل المؤمنين وهكذا صار حسب وعد الله أمة عظيمة تباركت به جميع أمم الأرض . إذاً الذين هم من الإيمان يصبحون أبناءً لإبراهيم ، لهذا قال الرب ( كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع ابراهيم وأسحق ويعقوب في ملكوت السماوات ) " مت 11:8" . وهكذا كل من يؤمن بالمسيح يصبح ابناً لإبراهيم ، لهذا لن يشير بولس الرسول الى موضوع الأعمال في تبرير أبراهيم . لكن هذا لا يعني بأنه يناقض تعليم باقي أسفار العهد الجديد في موضوع خلاص ابراهيم ، أكمل الرسول يعقوب ما قاله بولس ليبين لنا بأن التبرير يتم بالإيمان والأعمال ، فقال : ( أن إبراهيم الذي تبرر بالإيمان ، تبرر أيضاً بأعماله ) " يع 2: 21-24" وتعليم يعقوب يشير الى ما ورد في " تك 1:22" ( ... فناداه : " يا ابراهيم " فأجابه : " لبيك " فقال له " خذ ابنك وحيدك ، إسحاق الذي تحبه ، وانطلق إلى أرض المريا وقدمه مُحرقةً على الجِبال الذي أَهديكَ إليهِ ) ، أي بالإضافة إلى إيمانك أريد منك العمل الذي يؤكد صدق إيمانك . ألله إختبر إيمان إبراهيم . وإبراهيم لبى الطلب فأكمل إيمانه بعمله ، بل أبرز ايمانه عندما حمل السكين وأراد ذبح ابنه الوحيد بسبب ثقته الكاملة بالله ، وطاعته اللامحدودة له .
إذاً بولس ويعقوب لا يتناقضان بل كل منهما شرح موضوع خلاص إبراهيم بطريقة مختلفة . فبولس يقول ، أنه تبرر بالإيمان لأن الله يرى الإيمان في قلب الإنسان . فعلينا أن نفهم بأن تعليم بولس لا يناقض تعليم المسيح أو الرسل بأن الخلاص هو بالإيمان فقط . وفي رسائل أخرى لبولس نجده أيضاً يدعو الناس الى الإيمان المقرون بالأعمال . فلو بحثنا في كتابات بولس فنجد بأن الإيمان يحتاج الى الطاعة التي تعمل بالوصايا كما في رسالته الى ( رو 16:6 ) .
معنى الإيمان الصحيح الذي يعني طاعة وصايا الله والعمل بها . أي الإيمان والأعمال معاً . كذلك أكد بولس أهمية الأعمال في ( 2 قور 10:5) فقال ( لأننا لا بد أن نظهر جميعاً لدى محكمة المسيح لينال كل واحد جزاء ما عمله وهو في الجسد ، أخيراً كان أم شراً ) . وهكذا يعلمنا يوحنا رسول المحبة ، فيقول ( المحبة الحقيقية لله هي أن نعمل بما يوصينا به ...) " 1يو 3:5" . هكذا أوصانا الرب يسوع في أنجيل متى 25 في مثل الوزنات التي تحتاج لا الى الإيمان فحسب ، بل الى العمل من أجل زيادتها . كما يأمرنا الرب بأن لا نكتفي بالإيمان فقط بل يطلب منا تطبيق الوصايا ، فيقول ( ليس كل من يقول لي : يا رب ، يا رب ! يدخل ملكوت السموات ، بل من يعمل بإرادة أبي الذي في السموات ) " مت 21:7" ومثل السامري الصالح في " لو 10" خير دليل على ذلك . كذلك سيحاسب يسوع كل مؤمن مجرد من الأعمال ويقول له ( لأني جُعتُ فلم تطعموني . عطشت فلم تسقوني ... ) " مت 25: 42- " وغيرها من الأمثلة والأقوال للرب يسوع الواضحة التي تدعو الى الإيمان العامل . فيعقوب يظهرإيمانه بشكل مرئي وملموس من خلال الأعمال النابعة من الإيمان والناس يرون أعمال المؤمنين أكثر من الإيمان الراسخ في القلوب والغير الظاهر لهم . كما يبين الرسول يعقوب موقفه وموقف بولس من هذا الموضوع بأن الإيمان يشبه روح الإنسان الغير المرئي ، أما الأعمال فتشبه الجسد المرئي . والجسد بدون الروح مَيّت . أذاً تعليم يعقوب يتفق مع تعليم بولس ، بل يُكَمله لكي نرى صورة خلاص أبراهيم بوضوح بأنها كانت نتيجة إيمانه وأعماله . هكذا إيماننا نحن يَظهر في أعمالنا فالمؤمن المجرد من الأعمال إيمانه مَيّت وغير مقبول . إيمان وأعمال المؤمن يأتي من النعمة المجانية المعطاة للمؤمن من السماء . فيجب أن يرافق الإيمان الأعمال الصالحة . هكذا نرى إيمان إبراهيم قد رافق أعماله . فصار إيمانه كاملاً بالأعمال .
ولإله أبراهيم المؤمن البار المجد دائماً
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"