قال الكتبة والفريسيون (.. من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحدهُ ؟ )
الله هو الوحيد غافر الخطايا ، لكن يجب أن نعلم بأن علاقتنا مع الله مرتبطة بعلاقتنا مع البشر أي هناك تداخل بين علاقتنا الغير مباشرةً مع الله الذي لا نراه ومع علافتنا المباشرة مع بني البشر الذين يعيشون معنا ونراهم . فالله متجسد في البشر ، فإن كانت علاقتنا متينة مع الناس بسبب أعمالنا الصالحة ومحبتنا لهم يعني بأن علاقتنا مع الله ناجحة ومرضية . لهذا قال الرب يسوع ( كنت غريباً فلم تأووني . عُرياناً فلم تكسوني . مريضاً ومحبوساً فلم تزوروني ...) " مت 25: 37-40 " . وهكذا ينبغي أن نصون علاقتنا مع البشر من كل العوائق وبمحبة مسيحية قبل أن نتقدم إلى الله لكي نطالبه بما نريد ، كمغفرة الخطايا مثلاً ، وكما تقول الآية ( فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكَّرت أن لأخيك شيئاً عليك. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك. وحينئذ تعال وقدم قربانك ) " مت 5: 23 -24 " هكذا إن إختلت علاقتنا مع الناس فستعكس سلباً إلى علاقتنا مع الله . وإن إقتربنا من الإنسان الذي نراه ، سنقترب من الله الذي لا نراه أيضاً . وهكذا موضوع مغفرة الخطايا مرتبط مع الناس أولاً ، لهذا يقول لنا الرب ( فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم ، يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي ) " مت 14:6" . وإن فعلنا الخير مع بني البشر فالله سيكافأنا وإن كانت عطيتنا قدح ماء بارد . إذاً علينا أن نفهم العلاقة التي تربطنا مع الناس أولاً ومع الله ثانياً . وكل عودة إلى الله لأجل الحصول على مغفرة لخطايانا مرتبطة بالعودة إلى المصالحة مع الإنسان لتكتمل القصة . لهذا أوكل الله مختارين عنه من بني البشر في هذا العالم لكي يعترف الخاطىء بخطاياه لديهم ، والرب يسوع أعطى لهم التفويض والذين هم رسله الأطهار الذين نفخ فيهم قائلاً ( إقبلوا الروح القدس . من غفرتم خطاياهم غُفِرَت لهم . ومن إمسكتم خطاياهم ، أُمسكت ! ) " يو 23:20 " . فعندما نعترف أمام الكاهن لكي نحصل منه الإرشاد والنصيحة أولاً ومن ثم الحلّة فالله يكون حاضراً عند كرسي الإعتراف ، والمعترف ينطق بكلمات التوبة أمام كاهن الإعتراف فإنها بالحقيقة يوجهها إلى الله بمسمع من الكاهن ، فيقول ( ربي وإلهي أنا نادم من كل قلبي على جميع خطايايا ... ) لكن هذه الكلمات لا يجوز أن يقولها ، مع ذكر الخطايا لوحده بدون سماع الكاهن المؤَتمَنْ على هذا السر . وبعد ذلك يعلن توبته عن تلك الخطايا التي أدت إلى تصدع العلاقة بينه وبين الله وكذلك مع الإنسان . إذاً ، عندما يتوب الخاطىء ويريد الإعتراف فعليه أن يصالح أخيه أولاً ، وبعد ذلك يتقدم إلى كرسي الإعتراف . فالإعتراف هو الإنسلاخ من الماضي الملوث بالخطايا للحصول على قلب طاهر وسلام مع الناس والله فيستحق تناول جسد ودم المسيح .
دور الكاهن بين المعترف والمعترف إليه ( الله ) هو شاهد على المعترف أمام الله بعودته إلى أحضان الكنيسة وإلى طريق الصواب طالباً من الرب المغفرة . فالحلّة التي يعطيها الكاهن ، يعطيها بقوة السلطان المعطى له ككاهن وبإسم الآب والإبن والروح القدس ، فيقول للمعترف ( لتكن محلولاً من كل الخطايا ) وفي الوقت نفسه يعتبر الكاهن شاهداً على توبة المعترف . كما يحصل الإعتراف بالخطايا لأجل الصفح عنها بالإعتراف أمام الآخر وحسب وصية الكتاب ( ليعترف بعضكم لبعض بخطاياه ) " يع 16:5 " . هكذا يستطيع المؤمن أن يبحث عن الأشخاص الذين ضعفت العلاقة معهم ليعيد قوتها .
يجب أن يكون الإعتراف فقط عند الأب الروحي للمعترف فقط ، ومنه سيحصل على الإرشاد الروحي . كما يجب للأب الكاهن أن يكون له الخبرة والنضج والكفاءة . الكاهن إذاً هو شاهد وخادم ، والذي يغفر الخطايا ليس الكاهن ، بل يسوع المسيح بحضور الكاهن الذي ينطق بكلمات الحلّة بإسم الله ومن فمه نسمع صوت الله لنا ، وكأننا حاضرون أمام الله ( أع33:10 ) .
هناك من يخلق لنفسه التبرير لعدم الإعتراف عند الكاهن لأن الكاهن أيضاً إنسان خاطىء . نعم لا يوجد إنسان بلا خطيئة لكن عمل الروح القدس العامل فيه لا يحتاج إلى قداسة كاملة ، بل بسبب إستحقاق الرب يسوع الذي هو رأس الكنيسة . فكل من يعرف هذه الحقيقة ينال الراحة النفسية والقناعة وخاصةً عندما يسمع كلمات التحليل من الكاهن الممنوح له من الله ، ومن غير الكاهن لا نستطيع أن نسمع خبر الغفران لخطايانا . في العهد القديم نقرأ قصة داود النبي الذي إعترف إلى النبي ناثان بخطيئته قائلاً ( قد أخطأت إلى الرب ) ، ومن نبي ناثان سمع صوت الحِل الذي أعطاه الله لداود ، فقال ناثنان لداود ( الرب أيضاً قد نقل عنك خطيئتك ، لا تموت ) " 2صم 13:12 " .
في الختام نقول : الإعتراف عند الكاهن هو إعتراف المؤمن بأنه ليس وحيداً مستقلاً في إيمانه بل ينتمي إلى جماعة الكنيسة ، ويطبق وصية الكتاب بالإعتراف الذي تحيه الجماعة كحركة إيمانية فيتقدم الجميع إلى كرسي الإعتراف أمام الأب الروحي ، وبهذا يتم القضاء على صفة الإعتماد على الذات في الأمور الإيمانية ، والكنيسة تحث المؤمنين دائماً للتقدم إلى سر الإعتراف على الأقل مرة واحدة في السنة ، ومن الأفضل أن يحصل الإعتراف في كل مناسبة أو عيد للقضاء على الفتور والتهاون والتقوقع على الذات وللقضاء على الكبرياء الذي يدفع المؤمن إلى السقوط الحتمي في خطايا كثيرة بسبب عدم إلتزامه بوصايا الكنيسة وخاصةً بأسرارها السبعة منها سر الإعتراف . وهكذا لا يستطيع المؤمن أن يحصل بنفسه على الأسرار الأخرى كالعماد والميرون والقربان المقدس والزواج ومسحة المرضى بدون آباء الكنيسة الذين على يدهم تتم كل الأسرار وبقوة الروح القدس .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"