( الرب يتفحص البار ) " مز 5:11 "
الله يمتحن ويتفحص ويختبر مختاريه بحسب إيمانهم وقدراتهم . أقوياء الإيمان كأيوب وإبراهيم ويوسف الصديق إختباراتهم وتجاربهم كانت قوية تتناسب مع حجم صبرهم وبرهم . الله يعلّم أن التجربة لن تنال منهم و تحطمهم . لهذا سمحَ للمجرب لكي يعرضهم للتجارب القوية ، فحاول الشيطان إفشال قدرتهم على الصمود ، ويسعى دائماً إلى إسقاط المؤمنين والنيل منهم . كما يحث الله بحججه لكي يسمح له بحجم التجربة التي يهيأها لمن يريد .
الله لا يجرب أحداً ( يع 9:1 )، بل يمتحن قدرة ومحبة الإنسان ، إنه إمتحن صديقه إبراهيم عشرة مرات ، فإجتازها . الله يعلم بأن خليله إبراهيم هو رجل أمين في جميع المحن . وهو لا يمتحن لكي يرى إذا كان الإنسان سيعتثر أم يتجاوز بنجاج ، بل ليعرف الإنسان نفسه وحقيقته أعمق معرفة ، فالإنسان يتعرف لذاته وحجمه وقدرة إيمانه وتحمله أثناء المِحَن ، وكأن الله يريد أن يرَيّح ذاته عندما يجد رَدّ فعل خاصته في الإختبار ، لهذا كُتِبَ ( فإن الرب إلهكم ممتحنكم ليعلم هل أنتم تحبّون الرب إلهكم من كل قلوبكم ونفوسكم ، لكي يعرف ويقيِّم في العمق نوعيَة محبتكم . ) " راجع تث 13 " في الإمتحان يبرهن الله محدودية الإنسان ، فيُنَمي إيمان عبده وثقته به ، ولكي يعيش الإنسان في مخافته . إمتِحنَ إبراهيم الذي كان صديقاً مخلصاً له ، وخاصةً في تنفيذ أوامره ،وهذه هي الإمتحانات العشرة التالية .
1- أمرهُ الله بترك بلدهِ وعشيرتهِ وبيت أبيهِ وكل ما يملك في ديار الكلدانيين وينطلق ( تك 1:12 ) فسمع صوت الله في داخله فترك كل شىء وإنطلق .
2- في أرض كنعان عمَت مجاعة فقرر إبرام أن يذهب إلى مصر فكان عليه أن يسأل الله الذي أرسله إلى أرض كنعان حول قراره .
3- في الطريق بين أرض كنعان ومصر إتفق إبرام مع زوجته ساراي لكي تقول أمام المصريين إنها أختهِ لكي لا يقتل من أجل جمالها، ورغم كونها أخته أيضاً من أبيهِ لكنها هي زوجته ، فلسبب نكرانه لهذه الحقيقة وقع في إمتحان كبير مع فرعون الذي أمر بجلب المرأة إلى بيته ( طالع تك 12: 11-15 ) لكن الله أنقذه .
4- كرر إبرام نفس الإدعاء في أرض النقب مع أبيمالك بأن ساراي هي أخته ، فأحضرها أبيمالك إلى بيته ليتخذها إمرأة له ، لكن الله تدخل أيضاً وأنقذ أبرام من ورطته ( تك 20: 2-18 ) .
5- إمتحان الختان : أمر الله إبرام بالختان ليكون علامة العهد الأبدي بينه وبين شعبه الذي سيأتي من صلب إبراهيم ( تك 9:17 ) فلبى إبرام الطلب.
6- أختبر الله إبرام بساراي زوجته فلم تكن تنجب نسلاً . فتحمل آبرام رغم إحتجاجه ، فقال لله : ( ما الذي ستعطيني إياه ، وأنا باقٍ على هذا الحال بلا إبن ، ووريث بيتي هو إليعازر الدمشقي ؟ ) . لم يثق بوعد الله له ، بل نفذ طلب ساراي لكي يدخل أبرام على خادمتها المصرية لتنجب لها النسل .
7- أمتُحِنَ إبرام من قبل الله بطرد إبنه إسماعيل بحسب طلب ساراي ، فقبح الأمر في نفس إبرام من أجل إبنه إسماعيل ، وكذلك طردت هاجر خادمته ، لكن الله قال له ( إسمع لكلام سارة في كل ما تشير به عليك .. ) " تك 12:21 " .
8- الإمتحان الكبير الذي مر به إبراهيم كان يخص بإبنه إسحاق . كتب في التلموذ اليهودي الذي جمعه اليهود المسبين في بابل حوالي القرن الخامس ( ق. م ) ، كتب فيه ( وكان بعد هذه الأحداث أن الله إمتحن إبراهيم ، يقول رابي يوحنان على لسان رابي يوسى بن زيمرا : أن ذلك كان بعد كلمات الشيطان ، لأنه كتب : ( وكبر الولد وفُطِمَ ، وأقام إبراهيم مأدبةً عظيمة ) . فقال الشيطان أمام القدوس الله : يا سيد العالم ، لقد أعطيت هذا الشيخ إبن المائة سنة من العمر ولداً ، ومن كل هذه المآدِب التي أقامها ، لم يقدم لك يمامة أو حمامة واحدة . كل ما قام به لم يكن إلا من أجل أبنهِ . فقال له الله : حسناً إن قلت له قَدّم إبنك ذبيحة فسيفعل ما أقول فوراً . فإمتحن الله إبراهيم مباشرةً ، وقال له : ( خذ إبنك وحيدك ، إسحق الذي تحبهُ ، وإنطلق إلى أرض المريا وقدمهُ محرقة على أحد الجبال الذي أهديك إليه ) " تك 22: 1-2 " . إنطلق إبراهيم مع إبنه ، وعندما وصل إلى المكان المقرر ، أعَدّ مذبحاً ليقدم عليه إبنه محرقه لله الذي يثق به إبراهيم ثقة مطلقة ، بأن الله الذي أعطاه أسحق في شيخوخته ، هو قادر أيضاً أن يسندهُ في هذا الإمتحان ، فربط إبنه وبدأ بتنفيذ الوصية ، وعلينا أن لا ننسى أيضاً طاعة إسحق الكاملة لأبيه . فعندما رأى الله بأن إبراهيم أثبت محبته وإخلاصه وأمانته له من قبل إبراهيم عبده ، أرسل ملاكاً لكي يمنعه من تنفيذ الأمر .
الإمتحان لم يكن فقط لكي يتحدى بها الله ولمعرفة عمق محبة إبراهيم له فحسب ، بل هي لكل المخلوقات لكي تعلِن عظمة سمو الإنسان البار والأمين ، والله يقف معه ويعضده ، وكما يقول الكتاب ( الرب يخلص البار ) " مز 5:11 " . في الوقت الذي كان إبراهيم يحاول ذبح إبنه ، كرَمَه الله فأعطاه رؤية وهي : رأى إبراهيم الله وهو يقدم إبنه الوحيد يسوع ذبيحة على مذبح الصليب فآمن ، وهذا السر أعلنه الرب يسوع ، فقال ( إبتهج أبوكم إبراهيم راجياً أن يرى يومي ورآه ففرح) " يو 56:8" .
وكذلك راى يوم مجىء يسوع ومجده ، ورأى نسله كالنجوم في السماء والرمل على شاطىء البحر ، لأن المؤمنين بيسوع هم ذرية إبراهيم الحقيقية .
9- حرب الملوك الأربعة الذين أسَّروا لوط إبن أخيه ( تك 12:14-16 ) كان إمتحاناً آخر ، فذهب إبراهيم لتحريره فظهرت قوة الله في محبة إبراهيم لأبن أخيه فحررهُ وتم إسترجاعه مع أملاكه والنساء من الأسر .
10- موت سارة ومشكلة دفنها في حبرون ( تك 23: 2-4) .هذا الإمتحان كان ليعلم إبراهيم هل لا زالت روحه صلبه . الجواب لم يظهر أي نفاذ صبر عند إبراهيم بل كان صبوراً فأتفق مع الحثيين فإشترى أرضه ومغارة المكفلية مقابل ممرا ودفن فيها سارة
بارك الرب إبراهيم بعد نجاحه في الإختبار الكبير الخاص بتقديم إبنه ذبيحة ، فقال ( بذاتي أقسمت ، يقول الرب ، إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك إبنك وحيدك ، أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيراً كنجوم السماء وكالرمل على شاطىء البحر ... إلخ
إمتحانات إبراهيم العشرة تتبعها عشر معجزات منحت آبائنا في مصر ، ثم تليها العَشر مِحَن التي أمتحن هؤلاء الآباء أنفسهم بها الرب في البرية .
أخيراً نقول : إمتحان الله القوي يشبه عمل الخزاف عندما يمتحن قوة خزفه ، فأنه لا يطرق على القطع التي يعلم بأنها هشة ، بل يضرب على المتينة التي يمكنها أن تقاوم الضربة ، ومن هنا نقول أن الله يفضل أن يمتحن الأبرار ، فهو يعلم أن الإمتحان لن يحطمهم . فعن سبب إختبار الله لإبراهيم تقول الآية . ( إنما الإمتحان هنا هو لمزيد من الإعلانات ولإظهار بر إبراهيم للعالم ) . " عب 11: 17-19"
آيات الكتاب المقدس لا تنفي علم الله المسبق في كل شىء فأنه يعلم بكل الأسرار وما سيحدث في المستقبل . يعلم هل الإنسان سيسقط في الإمتحان أم لا . لكنه يمتحن الإنسان لكي يعلمه بأن الذي خلقه لا يخفي عنه سر ، بل يقرأ حتى ما في القلوب من خفايا . فغاية الإمتحان إذاً هي لتوضيح صدق علم الله المسبقة لما يخفيه الإنسان من النيات السيئة أو الصادقة ، فالإمتحان ما هي إلا برهان عملي لإرادة الله وسلطته على الإنسان ، وكذلك لتزكية طاعة كل من يتجاوز الإختبار ، وكذلك لأبراز قوة إيمان الإنسان . فإبراهيم إراد أن يقدم إبنه إسحق بسبب إيمانه وكما تقول ألاية ( بالإيمان أمتحن إبراهيم فقرب إسحق واحدهُ ، ذاك الذي جعلت له المواعيد ) " عب 17:11"
وللرب المجد الدائم .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو16:1
بقلم / وردا إسحاق قلّو