تخيل معي عزيزي القاريء الكريم بأن قبطانا بحريا وجد نفسه في موقف خطير يُهدد حياته ففكر ووجد بأنه لا مناص له لإنقاذ نفسه غير أن يُغادر السفينة ولم يُبال بكل الموجودين في داخل سفينته فتركهم لمصيرهم لكي يتدبروا أمرهم! فنجا منهم من نجا وهلك منهم من هلك. الآن نتساءل: كم من الأخوة القراء يرى في أمر هذا القبطان صوابا وكم يراه خطأً؟ إن مَنْ يقول بأن القبطان على خطأ لأنه ترك من كانوا في عهدته يجب أن يفهم بأن القبطان كان في وضع خطير يُهدد حياته ولم يكن أمامه من فرصة للنجاة غير أن يترك السفينة! هل إن ما فعله حق مشروع له؟ ألا يحق له أن يُخلص نفسه؟ ولننظر الى هذا المأزق من جانب المسافرين الموجودين في السفينة ونتساءل أيضا: هل يحق لهم أن يُفكروا في إنقاذ أنفسهم بأية وسيلة كانت سواء عن طريق القبطان والبحارة الذين معه أو بغيرهم؟ الجواب عند الكثيرين وأنا منهم هو نعم يحق لهم.
إذن لماذا يحق للمسافر أن يُنقذ نفسه ولا يحق للقبطان والبحارة ذلك إلا إذا إطمأنوا لإنقاذ الجميع؟ أليس الإثنان من طينة واحدة ويصعد وينزل فيهم جميعا نفَساً واحدا؟ الجواب هو إن القبطان والبحارة نذروا أنفسهم لإنقاذ من هم عهدتهم، هذا هو خيارهم بإرداتهم. ولو إفترضنا بأن القبطان مُتزوج، هل سيُفكر بإنقاذ عائلته قبل الأخرين؟ لا أظن ذلك بل سيكون إما الجميع سواسية أو ستأتي عائلته في الأخير وليس في مقدمة المُنقَذين.
لنفترض بأن القبطان الهارب هذا قد وصل الى بر الأمان وتخلى عن الجميع كيف سيتعامل مدير شركته والقانون معه؟ ألا يستحق مثل هذا القبطان الإعدام من وجهة نظر الذين غدر بهم وتركهم؟ ألا يستحق الحساب العسير جدا من مديره؟ وهل يُمكن لصاحب أي ضمير حي أن يُدافع عن مثل هذا القبطان؟ لا بل هل يُعقل أن يقوم مدير شركة أخرى بتشغيل مثل هذا القبطان الخائن عنده قبل أن يُسوّي وضعه ومشكلته؟ وما ينطبق على قبطان السفينة هذه ينطبق على كل شخص مسؤول عن أخرين، حتى لو كان هذا المسؤول أبا لعائلة صغيرة، إذ لا يوجد أب مُخلص لأبوته يترك زوجته وأولادة ويهرب لإنقاذ نفسه دون الأخرين. أترك الإجابة على هذه التساؤلات للقراء الأعزاء لأدخل بعد هذه المقدمة الى صلب الموضوع الأساسي لمقالي هذا.
تشبه هذه المقدمة الى حد كبير ما يحصل بين البعض من الذين يُدافعون عن الكهنة والرهبان الفارين من العراق وبين من يحمل وجهة نظر الدفاع عن سيدنا البطريرك مار لويس ساكو. المدافعون عن الفارين أدخلوا الموضوع في دهاليز منطقية وغير منطقية لكي يُشتتوا المُتطلعين الى الحقيقة التي يراها بكل بساطة ووضوح سيدنا البطريرك ساكو. يكتب المدافعون أوراقا طويلة عريضة من التبريرات لإبراء ساحة الفارين لأن موقفهم هو موقف المدافع عن القبطان الفار لذا عليهم أن يغوصوا في كل الوحل الذي يُبرر موقف الفارين ويُلمع صورتهم في حين إن سيدنا البطريرك يكتب بكلمات بسيطة وقليلة لأن الحقيقة واضحة أمامه وهي إن الكهنة والرهبان تركوا رعيتهم وهربوا. نحن لا ننكر بأن الخطر كان يُداهمهم وإن العيش كان صعبا عليهم هناك في ظل ظروف العراق ولكن هو نفس الخطر الذي يواجه القبطان وربما أقل! فهل يُبرر له ترك المسافرين أو الرعية في حالة الكهنة والأديرة وأبائها في حالة الرهبان.
في مقال لأحد المدافعين عن الهاربين تفنن هذا المدافع في الإحتيال على القضية لكي يُبرر موقفهم، وطبعا لم ينسى أن يُذيّل مقاله بمجموعة كفاءاته العبقرية لكي يقول للقاريء بأني لست طعما سهلا لذا عليكم أن تُصدقوني! وأثنى على مقاله البعض من جماعته وأضافوا إليها مقالات أخرى وطبعا يرقص موقع كلدايا نت فرحا لنشر كل ما يطعن بأبينا البطريرك ساكو الذي ظل مُتمسكا بفهمه الواضح البسيط للموضوع وهو إن الكهنة الذين تركوا رعاياهم وهربوا يجب أن يأتوا لتصحيح وضعهم. أمام هذه البساطة والعمق إرتفع (نفخ) أصحاب المقالات المناوئة لسيدنا البطريرك لأنفسهم حتى يكاد القاريء يخجل من تفخيمهم لذواتهم من جانب ولبعضهم البعض من جانب أخر ونحن نعلم بأنهم ليسوا كذلك ويعلم سيدنا البطريرك وزن كل منهم (الخفيف). فالمدافع الأقوى فيهم سبق وأن كتب كتابا لملوما بالعربية ثم ترجمه أخرون له بالإنكليزية وجعل نفسه مرجعا فطحلا لا يريد أن يُجاريه أحد! عند النظر الى طرفي المعادلة نرى حقا بسيطا مفهوما ومُعبّر عنه بكلمات بسيطة من قبل سيدنا البطريرك مقابل باطل منفوخ وشائك وموحل ومُعبر عنه بكلمات طويلة عريضة ومقالات وإستشهادات تاريخية ووثائق تُدوّخ الرأس دون فائدة منها. إنه تكرار لموقف ربنا يسوع المسيح البسيط والحق المُعبر عنه بكلمات بسيطة مقابل قيافا والسنهدرين وشهود الزور الذين مع كل ما فعلوه قال الحاكم عنه في النهاية بانه لا يرى علة فيه! بعد كل اللغو الذي خرج من أفواه قيافا والسنهدرين والشهود يقول الحاكم بأنه لم يرَ علة فيه!
ليسأل كل من يُدافع عن الكهنة والرهبان الفارين نفسه الأسئلة الأتية ويفهم الحقيقة البسيطة الواضحة دون فلسفة فارغة ومقالات طويلة وتجريحات بالأخرين:
- هل إن الكهنة الذين تركوا رعيتهم وإلتجأوا الى أبرشية مار بطرس خرجوا بموافقة رؤسائهم أم لا؟ الجواب هو لا، كما هو واضح في كتابات البطريركية، إذن هم على خطأ لأنهم كسروا إلتزامهم وتخلوا عن الرعية.
- ألم يستلم كهنة ورُهبان غيرهم رسالات تهديد وتعرض بعضهم للخطف والتعذيب وبعضهم أستشهد ولم يترك رعيته؟ الجواب هو نعم تعرض الكثيرون من أبائنا الكهنة والرهبان الى أسوأ بكثير مما تعرض له القابعون في أبرشية مار بطرس ولكنهم لم يغادروا. ربما يقول بعضكم بأنه لم تسنح لهم الفرصة للمغادرة، وهذا الكلام غير صحيح فالكثير منهم زار أميركا وأماكن أخرى في أوقات مُختلفة ورجعوا الى رعيتهم.
- هل إنهم بعد خروجهم بقيت الرعية في العراق أم إن الكهنة أنقذوا الرعية معهم ولم يتركوها وسط الصعاب والخطر؟ الجواب هو إنهم لم يأخذوا أحدا معهم! بإستثناء كاهن واحد أخذ عائلته معه وقبل أيام قليلة كتب مقالا يستعطف الأخرين بطريقة تدينه أكثر مما تدافع عنه وليته لم يكتبه.
- هل إن الذي إستقبلهم، وهو المطران سرهد، كان يعلم بوضعهم ومخالفتهم أم إنه بريء من معرفة ماضي أولئك الكهنة والرهبان وتعامل معهم بطيبة وشفافية؟ وربما ينظر البعض الى دعوة المطران سرهد (البريئة) لأولئك الكهنة ليحضروا الى أجتماع معه لبحث موضوعهم دليلا على براءته، وقد طلب منهم جلب أوراقهم القانونية الخاصة بحل هذه المشكلة ومن ثم (باعهم!) حسب تعبير بعضهم بعد الإجتماع؟ الحقيقة إن المطران سرهد كان يعلم جيدا ما هو وضعهم القانوني وكان يعلم بمخالفتهم ولكنه أراد أن يُقيم أبرشية غريبة بكل المقاييس عما نعرفه ونشأنا عليه، فهو يستعمل فيها طقسا خاصا به كما يريده! ويُوبخ الشمامسة على المذبح كما يحلو له! ويطرد من أبناء الكنيسة بالمئات وكما يشاء! ولا يُقيم كنيسة جديدة تأوي المؤمنين إليها وهم بأمس الحاجة إليها بل يُقيم معهدا كهنوتيا يسير حسب مفاهيمه لكي يُمجد نفسه من خلالهم، أما المؤمنون فقد فرّ منهم بالألاف الى كنائس أخرى كاثوليكية وغير كاثوليكية. إن المطران سرهد يعلم جيدا بأن إقامة أبرشية بهذه المواصفات لا يُمكن أن يُساهم فيها ويُساندها غير كهنة خاضعين مُستسلمين وخطأة لهم ماضي غير مُشرف مع الأسف، وبعضهم جعل حاضره أسوأ من ماضيه ويفتخر بذلك! وأنا أعلم ما أقوله تماما لأني أعيش في سان دييكو وليس في أستراليا أو كندا أو السويد أو حتى في ديترويت.
- هل إن سيدنا البطريرك ظلم أولئك الكهنة والرهبان بدعوته لهم لتصويب وضعهم القانوني؟ الحقيقة إن سيدنا البطريرك لم يطلب منهم إزاء خيانتهم لربهم ولرعيتهم إلا الحد الأدنى جدا لا بل إنه صبر كثيرا على ذلك وهم يصولون ويجولون في كلدايا نت ضده بكلمات رخيصة وغير لائقة أبدا.
إن كل من يكتب في هذا الموضوع يجب أن تكون غايته البحث عن الحقيقة وإحقاق الحق وليس تبرير الخطأ لخلق (صواب) مسخ منه، والحق هنا واضح وبسيط جدا لا يحتاج الى أية فلسفة لإسناده، وهو نفس الحق الذي دافعت عنه شبيبة جوقات كنيسة مار ميخا بكل وضوح وقوة وقد كتبنا في هذا الموضوع تسعة أقسام ولم نُكمل الموضوع بعد ولكننا سنُنهيه قريبا إنْ شاء الله بأخبار سعيدة ينتصر فيها الحق على الباطل. والغريب إن نفس المجموعة التي تقف ضد سيدنا البطريرك ساكو الآن وقفت نفس الموقف مع الشبيبة أي إن تاريخهم مليء بالوقوف مع الخطأ ضد الصواب.
ختاما إسمحوا لي سيدنا البطريرك إن أذكركم، وأنتم العارفون، بما مرّ به الرب يسوع في ساعاته الأخيرة، فقد رأى كهنة وحاكم وبعضا من الشعب يقفون كلهم ضده، فعلم بأن كل أولئك الأشرار يريدون خنق الحقيقة ولكنه أصر عليها وصمد أمامهم جميعهم لا بل إنه صمت أمامهم وكان صمته أكبر من زعيقهم وكلامهم وحتى من صفعاتهم وتعذيبهم له. أرجوكم أن تدعوا صمتكم وإصراركم على تحقيق الحق وتصويب المسار يُدمر الشر الذي فيهم. إن ديدنهم هو الوقوف ضد الحق ويُروجون لعملهم بالفلسفة الفارغة والكتابات المُغرضة والوقوف صفا واحدا مع بعضهم حسب توصيات مَنْ تعرفهم سيادتكم جيدا.