من أصعب ما يكون ان تعيش ميتاً في حياتك، جسداً يتحرك دون روحٍ وشعورٍ وإحساسٍ بما تعيش، دون معرفة لمستقبلك او التخطيط له، أو حتى التفكير به، فالأحلام تعني الموت عندنا، هكذا العيش في العراق، لا يساوي حرف الحاء من الحياة، فقد اصبح اشبه بمقبرة للأموات، دفنا في لحدها ونحن على قيد الحياة، وكفنا بكفن اليأسِ والمرار والمتاعب، ولم تبقَ سوى الأشباح تصول وتجول، مانعة كل من يحاول الخروج منها.
أصبحنا لا نتنفس الا رائحة الموت، والفساد، والدم، همومنا فاقت الجبال حجماً، وأحزاننا لا نهاية لها، حتى نعمة النسيان التي هي من افضل النعم غادرتنا، فقد شاخت وانتهت، تعبت وهي تزيح حدثاً بعد الآخر من ذاكرتنا المرة، وكأننا نعيش في احد افلامِ هوليود المرعبة، المليئة بالوحوش والقتل والرعب، وهم في دور المخرج، الذي يتحكم بنا، ويوجهوننا لما يريدون هم دون الأخذ بآراءنا، وها نحن ، نموت اجزاءاً، وفي كل موقف جزء، حتى يأتي الموت ليجمع الأجزاء، أصبحنا لا نخشاه، ولا اظن انه اصعب مما نعيش عليه اليوم.
اتألم كثيراً وأنا أقرأ تاريخ العراق، افتش بين سطور الكتب التأريخية عن راحة وسعادة، ولم اجد سوى الحروب والغزوات والدمار، فمنذ ان نشأ وهو يقاتل بحثاً عن الإستقرار، فعيون الطامعين به لم تنم، تترصد له وتحوك خيوط الغدر، بإصابع خائنة، بدءاً بتأسيسه، حتى يومنا هذا، غرسوا فيه تيمورلنك وهولاكو الهمجية والجهل، بحرق حضاراته ورمي كتبه في دجلة، لينبت ثقافة وعلم ينير طرقه التي أطفأوها، ثم العثمانيين بعد ذلك، والأنكليز البريطانيين، وغيرهم العديد، وما زال يعاني الأمرّين، وشعبه المسكين هو الضحية، في السابق والحاضر.
مثقفينا هُجرّوا، وأطبائنا قتلوا، وفلاسفتنا همشوا واتخذوا من بيوتهم مكاناً للهرب من الواقع، وبعضهم فقدوا عقولهم ليهيموا في شوارع العاصمة، والخريجين يفترشون أرصفة المسؤولين للمطالبة بحقوقهم في التعيين، والجهلة والوضعاء، يتنعمون بإموال الشعب الذي يبحث ليلاً ونهاراً عن لقمة تعارك جوعه، فحياتنا اصبحت دون حياة.