أحلامنا تُسرق أمام أعيننا، وتتبخر يوماً بعد يوم، وحلماً تلو الآخر، حاملة معها ما أسهرنا ليالٍ طوال في التفكير بها، وتكوينها جنيناً في رحم العقل، حتى ولادتها طفلةً جميلةً، بريئةً، وانتظارها بفارغ الصبرِ، حتى نضجت وترعرعت في احضانِنا، فأصبحت فتاةً شابة، ليخطفها الزمن الحاقد، بإدي سراقٍ لا يخافون الله، قتلوا الأحلام، صغيرها وكبيرها، وأجهضوا ما كان جنيناً منها في ارحامِ التخيلات، وأعدموا الشعور والتفكير، شنقاً حتى الموت، لترمى في صحاري اليأس، لتفترسها الضباع، رغم ان اكرام الميت دفنه، استخسروا فيها الدفن.
أصبحنا نعيش كالذي فقد بصره عند الولادة، ولد ميتاً، يتحسرُ على رؤية الجمال والطبيعة، ولا يرى الا الظلام والعتمة، وتكيف عليها .. كطائر قُصّت اجنحته، يجلس ارضاً يتحسر على الطيران، ويموت الف مرة عند مشاهدته لغيره يحلق جواً، ليس الأخير أكثر مهارة منه، بل لإن حظه السيء جعله في بلدٍ يعاقب كل من يريد التحليق والطيران، مانعاً وصوله للهدف.
هكذا نحن، نولد امواتاً، ونعيش جثثاً في مقابر التعب واليأس، دون حيلة وسبيل، مجتمعٌ يحارب كل من كان مختلفٌ عن تفكيرهم، وان اردت العيش بسلام، وتحقيق احلامك، عليك الخضوع والرضوخ لما يريدون، والإمتثال لإوامرهم الصارمة، وإن شاهدت خطئاً، تقول انه الصواب، والخلل كان بنظرك، فإنك ضعيف النظر، وإياك ان تقول للظالم انك ظالماً، وللفاسد فاسداً، وللمخطئ مخطئاً، وان تعيش متملقاً منافقاً، تلمعُ القاصي والداني، ضارباً مبادِئك وقيمك عرض الحائط، فالزمن اليوم لهذه النماذج، وما دونها فإنهم يهيمون في هذه الدنيا، دون احلام، باحثين عن لقمة العيش لسد رمقهم، فما اقسى هذا العالم واقذره، صنع للسيئين شئناً عالياً، يضاهي الجبال حجماً، على حساب من كان جيداً متواضعاً محباً للآخرين، تباً لهذا الزمن، ويالــغدرهِ !