"الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك" هكذا قالوا قديماً، اما اليوم فالوقت لم يقطعنا فقط، بل مزقنا ارباً ارباً، ومزق كل احلامنا وعلاقاتنا، وجعلنا اُسراء لشاشات الكترونية لا نعلم من خلفها، دول تتحكم بعقولنا، واشخاص وهميين صنعوا لنا عالم وهمي، عالم افسد علاقاتنا بإصدقائنا، واقاربنا، بل حتى مع عوائلنا، فاليوم لا نعلم متى نستيقض، ومتى ننام، اصبحنا مرتبطين ارتباطاً وثيقاً باجهزة الهاتف المحمول، الذي يأخذنا بعيداً عن العالم والمجتمع.
مقارنة بسيطة بين الماضي والحاضر، في الماضي لا يوجد اي موقع للتواصل الاجتماعي ولا حتى هواتف نقالة، ولكن علاقاتنا مع بعضنا البعض كانت جيدة جداً، وتواصلنا معهم كان مستمراً، عندما يمرض احدنا يزورونا العشرات من الاقارب والاصحاب، عندما تكون هناك مناسبة ما، يجالسوننا عدة ايام، اما اليوم تغير كل شيء حتى اصبحت تعزية صاحب العزاء بفقيده تتم بمكالمة هاتفية، دون الذهاب اليه. كثرت مواقع التواصل الإجتماعي وقل تواصلنا مع بعضنا، وقل ترابطنا وقلت عواطفنا، لا بل انعدمت، الكل منشغلاً بموضوع ما، بلعبة ما، او بمشاهدة فيلم ما، ونسينا ان لنا اقارب او اصحاب او عوائل بحاجتنا، وصلنا لمرحلة حتى سفرة الطعام عجزت عن جمعنا، كل هذا بسبب انشغالنا بالأنترنت، وفهمنا الخاطئ للحياة، واسباب انهزامنا من الواقع واللجوء للإنترنت عدة منها، انتشار البطالة والفقر والفساد بإنواعة العديدة.
الكل يتحدث بان البركة قد رفعت، ولا سيما البركة في الوقت، والكل يقول: ليس لدي وقت لممارسة كل مبتغيات الحياة، ولكن هذا امر خاطئ جداً، وسأضرب لكم مثلاً عن ذلك، قبل ايام قليلة، قطعت خدمة الإنترنت في عموم البلاد، اصبح لدينا وقت فائض، واغلبنا مارس الحياة بصورة طبيعية ولم يحدث شيء، لم نمت بسبب قطع الإنترنت ولم يحصل لنا اي شيء، بل مارسنا الحياة الاعتيادية التي قد سُلبت منا منذ ست عشر عاماً، قبل معرفتنا للهواتف المحمولة والانترنت وغيرها، هذه التكنولوجيات افسدت علينا متعة الحياة، اغلبنا تجّول في الاسواق بهذه الفترة، واغلبنا زار الاقارب والجيران.
تباً لإختراعات تجعلنا اسراء ومقيدين وتبعدنا عن اهلنا واقاربنا واصحابنا، ونحن خلقنا لنعيش ونتمتع بحياة جميلة كريمة.