لا يوجد إنسان واحد طاهر بلا خطيئة ( 1 يو 8:1 ) . فالذي يريد أن يوجه الدينونة إلى غيرهِ عليهِ أن يضع خطاياه وعيوبهِ أمام عينيهِ لكي يعرف نفسه أولاً على حقيقتهِ . فالذي يضع خطيئته أمامه في كل حين فلا بد له أن يتضع ويَعّي لكي لا يعتبر نفسهِ أفضل ، وأكبر، وأعظم . لنقتدي بالنبي داود الذي إعترف وقال عن خطيئته ( خطيئتي أمامي في كل حين ) " مز 3:50" فعلى كل أنسان أن يشعر نفس الشعور لكي لا يحسب نفسه باراً ويدين الآخرين . كل من يرى خطايا غيره ولا يتذكر خطاياه فانه يسلك في طريق الكذب والأنانية من أجل رفع شأنه أمام الآخرين . أما المنطق فيكمن في نص الآية ( لا يدينوا لكي لا تدانوا ) " مت 1:7 " . على الإنسان أن يطهر نفسهِ أولاً ، لكي يستطيع أن ينقد أخطاء أخوته بكل محبة ، فعليهِ أن يخرج الخشبة التي في عينيهِ والتي ينبغي ان يفطن لها أولاً . لكي يستطيع ان يخرج بدقة القذى من عين أخيه . وهكذا ينبغي على الإنسان أن يحاسب نفسه أولاً ويجعل خطاياه الشخصية نصب عينيه . فمن يفعل هذا لا يكتفي بعدم الإدانة فحسب ، بل سيرحم كل من يراه ساقطاً في الخطيئة ويساعده لكي ينتشله بكل محبة ، لأن ذاك يحتاج إلى رحمتهِ . فكل من لا يرحم ، فالله أيضاً لا يرحمه . كذلك من يدين الآخرين سيدان من قبل الله . ، وهكذا بالكيل الذي يكيل به الإنسان غيره ، يكال به من قبل السماء .
يجب أن يتوقف المؤمن من إدانة الآخرين أولاً ، ويرحم من هو بحاجة لرحمته . من يسلك في هذه الوصية الإلهية سيجد الإستقامة والراحة في حياته الزمنية . وعلاقته بالناس تستقيم ، وعلاقته مع الله كذلك تتقدم نحو السمو ، بل نقول علاقته بنفسه تستقيم لكي يعيش بضمير طاهر وفي سلامة القلب وفرح الروح .
الإنسان الذي يعرف ضعفاته هو من يعي أن هناك موتاً ينتظره ، ودينونة إلهية لتحاسبه كما حاسب غيره . إنه راكب على مركب في وسط عواصف هذا العالم ، ولا بد يوماً من أن يتحطم المركب ، إذاً سيحتاج إلى رحمة الله ونعمته يوم العبور إلى عالم البقاء ( لأنه ليس لنا هنا مدينة باقية ، وإنما نحن نسعى إلى مدينة المستقبل ) " عب 14:13 " إذاً نحن ذاهبون ، عابرون إلى الجانب الآخر لنرى وجه الله ، فعلينا أن نعد العدة كل يوم ، بل كل لحظة إستعداداً للرحيل لكي نبلغ إلى هناك بسلام . ولأجل البلوغ نحتاج إلى التسامح ، والرحمة ، وكذلك أن يتعاون أحدنا الآخر إلى أن يحتضن كل منا الآخر ، فنتجاوز موضوع إدانة الغير ، ومن يخالف فليعلم بأنه أدان نفسه ، لأن محبة القريب هي كمحبة النفس . فإذا عرف الإنسان نفسه جيداً ، ولم يدين أحداً ، فمتى يحضر أمام كرسي الدينونة سيجد أمامه كل الخطايا التي إقترفها ، فيعترف بها ، لكنه سيرد قائلاً ، لكنني لم أدن احداً في حياتي . إذ ذاك سيرحم من قبل الرحمة الإلهية .
الإدانة بحد ذاتها خطيئة تضاف على قائمة الخطايا التي تقترف ، والإنسان الذي يدين يشعر بخطيئته . أما الذي يتحمل أخطاء الآخرين فيسلل إليه فرح الرب من حيث لا يدري . والله يمنحه مزيداً من الفضائل لكي يحب الجميع فلا يفكر بالإدانة ، لأن الديان واحد ، والمنتقم من الخاطئين هو واحد أيضاً . وهكذا يقترب من الله الذي يعطيه مزيداً من النور والفضائل لكي ينمو في طريق الكمال ، ويدخل الله في قلبه ليجعله عرشاً له فيعيش في فرح الرب كل حين .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1