الخيانة وأسبابها في علاقاتنا الإنسانية


 
كتب الرسام الهولندي فان غوغ الذي عانى من خيانة حبيبته وهو في ربيع شبابه ما يلي :"أن يطعنك احد في ظهرك فهذا امر طبيعي ولكن ان تلتفت وتجده اقرب واعز الناس اليك فهذه هي الكارثة!".


 
كان يوم اجازتي من الكنيسة  وبينما كنت استمع لفيروز اعطني الناي وغني ، رن الموبيل ، اتطلع اليه انه رقم خارجي! واذا به بصوت احد شبابي وبصوت يرتجف ليقول لقد خانتني ..... خانتني ، فقلت من؟ اجاب ببكاء يحرق الفؤاد :زوجتي.... لينهي المكالمة!!!! انه جرح الخيانة ، فلكل شي دواء الأ ألم الخيانة ولا اتعس من الخيانة ولا اقبح  ولا ارخص من الخائن .............


 
اود ان اسوق للقرّاء الكرام ومضة عن الخيانة واسبابها ، اذا خدمت ككاهن كلداني فترة ليست بالقصيرة في دمشق الحبيبة في رعية بديعة غالبيتهم العضمى من العراقيين الكلدان وصادفت  حالات زواج وعلاقات كثيرة وحالات خيانة اكثر ولاسيما بين الشباب وفي الكثير من العلاقات والزواجات التي بنيت على اسس ومعطيات سطحية وربما نفعية! فعلي اوفق.

 

قد يتفق معي الكثيرون ولا سيما المتزوجون بان مُعظم المشكلات الزوجية يمكن ان تجد حلاً مهما طال عمرها او قصر؛ إلاّ مُشكلة أزلية واحدة وهي مشكلة الخيانة وفي معظم الاحيان لاتجد طريقها نحو الحل !   فالمرأة عادةً يتولد لديها احساس اثناء خيانة زوجها او خطيبها او حبيبها بالغدر ، او فقدان الثقة بنفسها وستصاب بجرح في صميمها . وان مملكتها او عرشها قد اهتزا ...........

 

 فهي ازاء زلزال ) لقد اكتشفت ولمست لمس اليد بأن زوجها .... يخونها مع أمرأة اخرى)!! فخيانته انتكاسة من كرامتها وانوثتها وامام خيانته قد تعلن الحرب عليه وستستخدم كل اسلحتها في هذه الحرب ..... وربما تفعل العكس فتقبل بالامر الواقع وتضع اعصابها في ثلاجة !!بينما تجد البعض وهم اقلية نادرة يعودن للحياة مع ازواجهن من جديد ومن الممكن ان تسامح وبالذات اذا كانت تحبه ( لازلت اتذكر كلمات تلك السيدة عندما كنتُ اسعى ككاهن ان اعيد المياه إلى مجاريها بسبب خيانة زوجها ، إذ قالت له : اسامحك لانني احبك ولانك ابو اطفالي ونصفي الاخر). وبشكل عام أن طبيعة المرأة تدفعها للمسامحة وظروف المجتمع الشرقي تجبرها على الاستمرار معه من باب الخجل الاجتماعي او تجنب الفضيحة أوالقبول بالواقع( ففي مجتمعاتنا العربية يعللون خيانة الرجل ؛ فتسمعهم يقولون:( أيوجد رجل لايدور على زوجته؟ ) او تراها تستمر من باب الحاجة الاقتصادية او حفاظًا على سمعة العائلة او من اجل الاولاد..

الكثير من الزوجات ولاسيما العربيات يعشن بخوف وقلق من خيانة ازوجهن. فترئ ان جل اهتمام المراة العربية المحافظة على الزوج ، وكيف تكون هي المراة الاولى والوحيدة في حياته؟ فتراها تتلقى النصائح والارشادات والخبرات من هنا وهناك ولاسيما من المجربات.


بينما يرى الرجل العربي في خيانة حبيبته او زوجته صدمة نفسية ، بل يعدها طعنة في شرفه فتراه غير متسامحًا ..... ثائرًا روبما يلجأ إلى غسل عاره! وقد يظن بفعلته هذه انه سيترد سمعته التي تشوهت بسبب خيانة زوجته. لست في صدد الانتقاد ولكن في محاولة لتسليط الضوء على مفهوم الخيانة وردات الفعل ازائها.وقد لايختلف اثنان معي ان قلت : الكثير يرون في خيانة المراة جريمة كبرى لاتغتفر لاسيما  في المجمعات الشرقية التي تحكمه عادات وتقاليد وقيم دينية .... ؛ بينما يرون في خيانة الرجل امر طبيعي ويجدون له الكثير من الاعذار والمبررات ( انه رجال ويزيدون كل الرجال تخون) لانها للاسف مجتمعات ذكورية والر جل هو صاحب المرتبة الاولى!! .

 

    اسباب الخيانة


يقولون تعددت الاسباب ... لكن النتيجة واحدة! والخيانة لا تاتِ من فراغ ،فلكل نيجة سبب. وقد يلجا احد الطرفيين للخيانة بسبب وجود قصور في العلاقة او محاولة ومبالغة احد الطرفين بالسيطرة على الاخر وقمع حريته وشخصيته وووو ناهيك عن الملل والضجر الناتجان من رتابت وروتيين الحياة اليومية او يخون احد الطرفان بسبب كثرة المشاكل وعدم التفاهم والانسجام وغياب الحبّ او تجد احدهمها قد قبل بالاخر كرهًا او قسرا او لاعتبارات وصولية كالسفر او المال....ويذهب البعض ليقول ان الخيانة تحدث بسبب تباعد الطرافان او سفر احدهما او عدم القدرة على اشباع بعضهما البعض او تراه حيوان في الجنس وكأن زوجته فريسة لابد من افتراسها، او قد تكون الزوجة منحرفة جنسيا مغرورة بجمالها وجسدها ، وللحاجة والعوز مسوخ اساسي قد يدفع احد الطرفان للخيانة. ويزيد البعض ليقول يخون احد الاطراف ولاسيما النساء كنوع من الدعم المادي لشراء ما ينقصها من هدايا وملبس وربما من ماكل وبالذات اذا كان الزوج سكيًرا وغير مباليًا بشؤون الزوجة والعائلة... ولكنني ارى ان السبب الجوهري يكمن في غياب الحبّ والارتياح وكثرة المشاكل وسوء المعاملة وعدم وجود قبول وتقبل بين الطرفيين مما يدفع احدهما للجوء إلى حضن أمن معوضا له عن نقصه مقدما له ما يحتاجه من حبّ وحنان وعطف ورومانسية وجنس ، انذاك سيرى الطرف المعني نفسه في احضان طرف اخر دون علمه وكأن الي حصل بدون وعيه!

ولاسيما  اذا كان احد الطرفان( الزوجان أو الحبيبان غير انساني وخشن الطباع وصعب المزاج وغير متفهم لحاجات الحبّ ومتطلبات الاخر أو غير قادر على القيام بواجباته الزوجية او واجبات اي علاقة بشكل صحيح....  لذا املي ان يضع الزوجان وأي اثنيين تجمعهما علاقة بناءة، نصب اعينهما اسباب وبواعث تفشي سرطان الخيانة..... وسبل العلاج لتجنبها.

 

اخيرًا وقبل مسك الختام انوه قائلاً: الخيانة انواع ولها اشكالاً عدة. وهي غير مقتصرة على الجنس والامور الجسدية، بل هناك خيانة الفكر والنظر والكذب وووووووو . وربما يخون الإنسان نفسه فتسمعه يقول لك( حصل هذا بدون وعيي – صدقوني لا اعلم كيف فعلت هذا؟(

 

 ليعلم كل من الطرفان في اي علاقة كانت، بل ليضعا نصب اعينهما ان من يخون هو خائن لذاته اولًا! وليس لشريكه .فلا تخون ولا تخوني. فلا اقسى من ان يخونك اعز الناس ويتركك تائها مجروحًا متالمًا ليس لك طريق تسلكه ، فالخيانة توجع القلب لانها خنجر في ظهر اي علاقة ولاسيما العلاقة الزوجية فلا تكن من الخائنيين، ويسوع بحد ذاته عانى من خيانة التلاميذ ؛ فواحد منهم يخونه واخر يسلمه بقبلة قتالة ، واخر يتنكر له ...والاخرين يهربون تاركيه وحيدًا!

 ولكن لنتعلم من معلم الحب ّ الالهي والبشري معلمنا يسوع المسيح له المجد بقوله : عاملو الناس كما تتمنون ان يعاملوكم.



 
من كتاب ( تأمّلات من حياة كاهن) للأب يوسف جزراوي 2008