الحزب الشيوعي العراقي
مركز الإتصالات الإعلامية ( ماتع )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمناسبة 8 تموز يوم ميلاد القائد الشيوعي فهد
شهادة "حية" عن "موت" خالد
عبد حمدي الكناني... مسؤول المفرزة الأمنية التي كانت مكلفة بحراسة القائد الشيوعي البارز "فهد" ورفاقه الخالدين، حاورناه في داره بمدينة الحرية، فصار الحوار وثيقة نضالية من وثائق البطولة لمؤسس الحزب الشيوعي العراقي.
· متى توليتم حراسة القائد فهد ورفاقه، وكم كان عددهم؟
- كان العدد كبيراً فقد جلبوا جماعات كثيرة من البصرة وأماكن أخرى، وجاءوا بجماعة يقدر عددها بثلاثين شخصا ووضعوهم في المعتقل، هذا المعتقل كان سابقا مكانا يضعون فيه الخيل، في منطقة "ابو غريب"، تم بناؤه كغرف صغيرة، تقدر مساحة الغرفة الواحدة بمترين ووضعوا فاصلة في الوسط لكي يمروا عبرها، وبعد ان سحبوا الخيول منها، جعلوها معتقلا، وهنالك ثلاثة جملونات طويلة، قسموها، وجعلوها ـ أيضا ـ مكانا للمعتقلين، إذ جيء بهم من بغداد والبصرة والسليمانية، وقسم آخر صغير وضعوا فيه جماعة أخرى من المعتقلين، من جملتهم داود الصائغ.
· من الذي حاكم الرفيق فهد وبقية رفاقه؟
- الذي حاكمهم هو حاكم الوشاش "النعساني"، وبعد ان نقلوهم الى سجن الكوت تم اعادتهم الينا وهم (فهد وزكي بسيم وحسين الشبيبي وشخص آخر).
بعد إعادتهم الينا وضعوهم في جملون صغير، هم وجماعة من بعقوبة حيث أصبح عددهم 30 شخصا، وبين فترة وأخرى يأخذونهم إلى محكمة الوشاش بعد تكبيلهم بالقيود وتشديد الحراسة عليهم من قبل العسكر.
· هل صحيح بأنه لم يستطع احد الاقتراب من الرفيق فهد؟
- نعم، في الحراسة كان هناك سلك معدني حول المعتقل ذي الجناحين، لم يكن يسمح حتى للشرطة او الجيش تجاوزه الا لعدد قليل منا، كنا نلبي حاجاتهم من طعام وملابس ومستلزمات أخرى، وكان لا يسمح لنا بالحديث معهم.
· كم يوما بقيتم في حراستهم قبل تنفيذ حكم الاعدام؟
- في المرة الأولى بقوا لمدة شهرين، بعدها نقلوهم الى سجن الكوت، وأعادوهم اثر حدوث اضرابات في سجن الكوت، وفي المرة الثانية مكثوا شهرا اذ كنا نأخذهم الى التحقيقات الجنائية حيث حقق معهم حاكم التحقيق واخذ منهم إفاداتهم، ثم أحيلوا الى محكمة الوشاش حيث بقوا مدة اسبوع تقريبا قبل الحكم عليهم بالاعدام.
· هل كانوا كلهم في زنزانة واحدة؟
- كان كل شخص في زنزانة لوحده، وممنوع ان يتصل احدهم بالآخر.
أبو يوسف أنت أسد
· كيف كانت معنوياتهم قبل تنفيذ الاعدام؟
- في احد الأيام دار بيننا هذا الحوار
"عمي ابو يوسف البس تره راح ناخذكم للنعساني اليوم محاكمتكم".
ظل ساكتا، فقلت له "عمي ابو يوسف انت اسد لتخاف".
فقال لي: "عمي عبد اكعد على هذا الكرسي، وقال: أول شي انته وين اهلك؟ اني اعرف اهلك بالناصرية لكن اهلك بالولاية لو بالعشائر؟.
فقلت له: "لا اهلي بالعشائر واني فلاح".
فقال: "من تحصدون الزرع، اكو طيرة ملحة (1) بالزرع".
فقلت له: "نعم ونسميها "حييل".
فقال: "زين هاي تفرخ ويه الحصاد، انتو هم تكدرون تلزمون أفراخها"؟
فقلت: "لا منلزم افراخها، بس هاي الطيرة هيه وافراخهه تروح بعد منشوفهه"
فقال: "اني مثلها، اني مو بس هنا، اني مشيت بهواية مكانات، اني مثل هاي الطيرة طشيت بجميع العراق هسه، ومن المستحيل واحد يكدر يلزمها، وهذا تاريخ يظل يمك، اني انعدم وغيري ينعدم، بس بالأخير تطلعلنا تصاوير، وتطلعلنا تماثيل تشوفونها، وتذكرني).
عودة الى معنوياته
- كانت معنوياتهم قوية جدا، وكانت معنويات أبطال بحق، ولم يبدوا خائفين مطلقا، وفهد عندما حكم بالإعدام في الوشاش أخذوه في الصباح، ونطق الحكم بحقه بعد الظهر، وأعادوه إلى المعتقل.
· هل زارهم احد من اهلهم؟
- نعم جاء والد ووالدة زكي بسيم، اما فهد فقد كان أخوه مسجونا لكن ليس في القاووش الذي كان فيه فهد بل بالقاووش الثاني، وكان أخوه يعمل في كهرباء الناصرية، جئنا به وقابله ولم يقابله احد غيره.
· ماذا قال أهلهم لهم؟
- التحقيقات الجنائية كانوا موجودين، والحرس الملكي وآمر المعتقل المدعو "حمدون" هذا الشخص شديد إلى أقسى وأقصى درجة، فكان من الصعب الحديث معهم. فأهلهم لم يتحدثوا معهم الا جملاً قليلة، وفي احدى الزيارات لزكي بسيم تحدث لأبويه بان أتعبتكم كثيرا وقد تأذيتم بسببي، وعبر عن اشتياقه لهم فقال له أبوه "أنت المشتاق، لا، انا المشتاق لك، فقلبي قلب والد" وارتجل ابيات شعر اجبرت حتى امر المعتقل قاسي القلب على التحسر، أما حسين الشبيبي فقد كانت خطيبته تأتي له بالطعام، لكنهم كانوا يأخذون الطعام منها ولا يسمحون لها بمواجهته، ولم يأت احد غيرها له.
· هل جاء احد المسؤولين وزار الرفاق فهد وحازم وصارم؟
- لا لم يأت احد من المسؤولين الا الوصي الذي جاءهم ليلة تنفيذ الإعدام في العاشرة مساء، وجاءوا لهم بالبرتقال وأكلوا بكميات كبيرة، كان يومهم كالعيد وليس يوم اعدام، فقلت لزكي عرفنا انا وغني عبد الله ان الليلة يأتي الوصي، انتبه فقال ليأتي، وعندما جاء الوصي أعطوه معطفا املح يعطى للجنود، وجيء بنقيب اسمه إبراهيم من أهل الموصل، وادخله امامه زنزانة زكي بسيم، جلس الوصي على الكرسي ووقف النقيب قرب الباب، فقال النقيب لزكي "ماذا فعلتم، ماذا حصلتم، لقد خربتم دين محمد"، عندما قال هذا الجملة الأخيرة انفعل زكي بسيم فقال له "انا الذي خربت دين محمد، هل قال محمد اذا شبع الفقير يخرب الدين، لمن جاء محمد؟ هل لنصرة الفقير أم لاهانة الفقير"، لم يستطع النقيب الاجابة ثم قال زكي للوصي "انت تقدم وتحدث معي، فهذا ليس ندا لي ليتحدث معي، انه لا يجيد حتى الكلام، فكيف يتكلم معي".
تقدم الوصي وقال "زكي تعدل لكي تتعدل الأمور معك"، فقال له زكي "والله الموت لا يزعجني، والحديد لا يهمني، واذا لم امت اليوم سأموت غدا، لن اتعدل الا اذا تعدلت الأمور"، فقال له الوصي "كيف تعدل الأمور"، فقال له زكي "تعدل الأمور بإخراج الانكليز"، فقال له الوصي "كيف يمكن اخراج الانكليز"، فقال له زكي "كيف استطاعت سوريا اخراج فرنسا ضج صغيرهم وكبيرهم وساعدهم الناس فخرجت فرنسا، نحن ايضا بصغيرنا وكبيرنا نخرج الانكليز وبمساعدة الناس".
ثورة شعبية
· هل أرادها زكي بسيم ان تكون ثورة؟
- نعم قال له نقوم بثورة شعبية بمساعدة الناس ونخرج الانكليز مثلما اخرج السوريون فرنسا، نعمل مثلهم، فقال له الوصي "الانكليز يعملون في صالحنا، صنعوا لنا جيشا، لماذا نخرجهم ونحن مستفيدون منهم"، فقال له زكي بسيم " المحطة العالمية لسكك الحديد من بناها"؟ فقال الوصي "نحن"، فقال زكي بسيم "لا بل الانكليز بنوها لكي تسير قطاراتهم من البصرة إلى تركيا مباشرة فقطاراتنا كانت تعبر بواسطة الدووب وأمورنا ماشية فما غايتنا بها وقد خسرنا عليها عدة ملايين في هذا الزمان لماذا هذه الخسارة، وبامكاننا ان نبني بتلك الأموال مساكن للناس في (الشطيط) (2).
قال له: "هل ذهبت إلى سدة (الشطيط) ورأيت ماذا تشرب الناس من ماء وما هو شكل مساكنهم، هل تعرف ان المياه تجري من تحتهم، اليس هؤلاء أبناء شعبك، لكن أنت لا تستحي وليس لك غيرة".
فتركه الوصي بعد ان يئس من إقناعه، وهو الذي كان ينوي إخراجه لولا موقف زكي بسيم الصلب.
رقابة داخل السجن
· هل هناك من يراقبكم أثناء الحديث مع المسجونين؟
- مرة، جاءوا لنا بـ 5 أشخاص يلبسون لبس الأفندي فتساءلنا من هؤلاء، قالوا لنا انهم منظفون، لتنظيف السجن، وكان يعطى يوميا 400 فلس لكل من يعمل في هذه المهنة وقتها، رآهم زكي فقال لي من هؤلاء فقلت له "كناسين" فقال لي انتبهوا أنت وبقية الحراس واحذروهم، فالجماعة كلهم من التحقيقات الجنائية وسيسجلون ما تقولون.
· سمعنا ان زكي بسيم عطل أجل إعدامه إلى اليوم الثاني، أي في اول يوم اعدم الرفاق فهد وحسين الشبيبي؟
- كلا في اليوم الأول اعدم فهد، وفي اليوم الثاني اعدم حسين الشبيبي وزكي بسيم، في ساحة الطيران من الباب الشرقي وفي نفس المكان.
· جثثهم هل تم تسليمها لأهلهم؟
- طبعا، لكن بعد ان ظلت معلقة في الباب الشرقي لفترة.
· كيف أخذوهم الى الاعدام، وكيف كانت المجزرة؟
- لقد كانت أياديهم وأرجلهم مقيدة، واستلمتهم الشرطة والتحقيقات الجنائية، وقد أخذوهم بعجالة إلى الاعدام، وفي سيارات مغلقة، وكان الناس لا يستطيعون التقرب من مكان الاعدام خوفا، فقد حارب الحكام الشيوعية محاربة قوية جدا، فالذي يقترب منهم، ويتكلم معهم، يقولون عنه هذا شيوعي ويسجنونه معهم، وكانوا يتهمون أيّ معارض بأنه شيوعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· حاوره: عبد الوهاب المنذري
(1) ملحة: تعني ملحاء اللون
(2)
الشطيط:
نهير آسن