في الذكرى الاربعين لاستشهاده خالد احمد زكي... جيفارا عراقي
مثلما فعل ارنستو تشي جيفارا الوزير في حكومة كوبا الثورية، اواسط ستينات القرن الماضي، حين هجر كرسي الوزارة وتوجه الى غابات القارة الامريكية الجنوبية، ليحولها قاعدة لتحريض جماهير الارياف المظلومة المسحوقة على النضال من اجل الحرية والكرامة، وتعبئتها وقيادة ثورتها ضد مستعبديها الطغاة ... ترك خالد احمد زكي عام 1967 لندن بكل إغراءاتها، وعاد سرّاً الى العراق، ونزل في مطار بغداد متنكراً. نشط في الوسط السياسي والجماهيري، وراح يرتاد شتى المحافل، ويلتقي اناسا مختلفين، مركزا على بعض الشيوعيين.فلم يكن يتصور لمشروعه ان يبدأ حتى، من دون شيوعيين.. إستمر اشهرا يتحرك، ويلتقي، ويجتمع، ويناظر، ويقنع، حتى استطاع بصدقه وايثاره وشجاعته، ان يستقطب عددا من المتحمسين لتبني "الكفاح المسلح" وسيلةً لإسقاط السلطة العارفية المعزولة. وما ان حلّ أيار 1968 حتى غادرالعاصمة مع كوكبة صغيرة من رفاقه المخلصين صوب الاهوار في الجنوب، ليتحدوا هناك مع مجموعة صغيرة اخرى، كانت تخطط مثلهم للكفاح المسلح ضد السلطة الحاكمة. وكانت الآمال تعمر قلوب الجميع، بان تعضد الجماهير المضطهدة كفاحهم من اجل حقوقها ومصالحها، وتلتحق بهم زرافات ووحدانا، ليكبر جيش الثورة الشعبية ويلحق في النهاية الهزيمة بالسلطة المتعفنة المتهاوية. أطلق المناضل خالد شرارة الثورة : هجومات على مراكز الشرطة مع تفادي استهداف أفرادها، معارك للإعلان عن الهوية، "زركات" للحصول على الاسلحة، محاولات للتحصن في عمق الأهوار، متابعة لترتيبات الصمود والدفاع في حال اتساع الحركة الثورية الفتية من باب، ودرءاً لنوايا السلطة القامعة الخائفة من باب آخر. ولم تنقضِ ايام على بدء "العمل المسلح" حتى اخذت النجاحات تكلل كلّ غارة، وتدخل بعض السرور الى البيوت المحزونة منذ صباح 8 شباط الدامي. لكن ذلك لم يكن سوى البداية، التي فاجأت الحكام على غير انتظار. فما ان ادركوا حقيقة ما يجري وخطورته عليهم، حتى تملكتهم الخشية، بل وطار صوابهم وكشروا تلقائيا عن انيابهم. سيـّروا حملة عسكرية ضمت ألفاً من العسكر والجندرمة، وعشرات الآليات والدبابات البرمائية، ومئات السيارات المدولبة، فضلاً عن حّوامة ضخمة .. كلّ تلك القوة الحكومية المدججة لمواجهة اثني عشر مناضلاً ! لم تكن المعركة متكافئة، لكن الثوار المتفانين كتبوا فيها ملحمة الهور المجيدة. الحقوا بعسكر الحكام خسائر كبيرة، اعطبوا الآليات، أخرسوا الأسلحة، أسقطوا طائرة الهليوكوبتر فقتل قائدها ومساعده. مرغوا جبروت السلطة الغاشمة بالوحل! لكنما العتاد نفد في جعبهم، ولم يكن ثمة من يأتيهم بعتاد بديل. وعندما تلفتوا حولهم، لم يروا اثرا لأحد يلتحق بهم وينضم اليهم مقاتلا، او يمد لهم يد العون. وتبين لهم وهم محاصرون يقاومون، انهم لم يعدوا العدة جيدا للمعركة، وأن الظروف المحيطة (الموضوعية) غير ناضجة ولا مواتية لاشعال الثورة وتأمين انتصارها. في 3 حزيران 1968 تبدد غبار المعركة. ووقتها كان المناضل الجسور خالد احمد زكي واثنان من رفاقه الشجعان قد تساموا شهداء، فيما اصيب ثلاثة آخرون. وأسر جندرمة السلطة خمسة غيرهم، حُكموا بالإعدام، لكن سخط الداخل وتضامن الخارج حالا دون تنفيذ الاحكام الظالمة.
الشهيد الخالد خالد احمد زكي · ولد عام 1935 في بغداد. · نشأ في أسرة علم ويسر مادي، والده مهندس ري، ونظرا الى طبيعة عمله عاشت الاسرة متنقلة بين المدن المختلفة. · انضم عام 1952 الى الحزب الشيوعي العراقي. · وفي عام 1953 أنهى الدراسة الاعدادية في الكوت. · عين معلما في النعمانية. · سافر عام 1955 لدراسة الهندسة في لندن، على الحساب الخاص لأسرته . · وفي لندن انتخب رئيسا لجمعية الطلبة العراقيين في بريطانيا. · بعد انقلاب شباط الاسود 1963، انضم الى منظمة (برتراند راسل) للسلام، وأصبح سكرتيرها. · تعرف على شخصيات أممية كثيرة، وزار بلدانا عدة، لا سيما الاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا وكوبا. · حضر عدداً من مؤتمرات ومهرجانات الطلبة والشبيبة العالمية. · مثقف ثوري من الطراز الشعبي، مناضل مسلح بالعزم والارادة، صديق حميم للعمال والفلاحين، قيادي بالفطرة، شهيد بطل ومحط إعتزاز حزبه وشعبه. |