دروس لنا من الرقم اربعين سنة في الكتاب المقدس

 

 

   *  بعد خروج بني اسرائيل من مصر ذهبوا الى الصحراء وعاشوا هناك اربعين سنة وفي تلك السنين تزعزعت الثقة بينهم وبين الله حيث كانوا يتذمرون وينتقدون موسى بشدة وهو الذي انقذهم من فرعون مصر ، كانت كلماتهم جارحة وقلوبهم قاسية ، انظر الرسالة الى العبرانيين 3 : 8 – 10 ، بدأ ت افكارهم تتجه نحو السوء والشر ونكران الأيمان وكأنهم يُجربون إلاههُمْ يقول الكتاب المقدس ، نتيجة ما آلت اليها الأوضاع في ذلك الوقت ، هي تدخُل الأرادة الإلهية بقسوة وغضب لتأديبهم من اجل الرجوع الى رشدهم وصوابهم ، انظر الرسالة الى العبرانيين 3 : 17 – 19 ، ويضيف مار بولس الرسول في اعمال الرسل 13 : 18 بأن الله صبر وتحمّل شعب اسرائيل اربعين سنة في البرية وفي نفس الوقت ابقى حنانهُ على الشعب بغض النظر عن تصرفاتهم ولكن كما يقول المثل للصبر حدود ، وهنا جاء تدخل الله من اجل الأصلاح وتقويم المسيرة .

*الدرس لنا :

الشعب لا يرى المصلحة الرئيسية بوضوح وليس لهُ استعداد للتضحية وثقته تنعدم بكل مسؤول ديني أو علماني بعد أية هزّة بسيطة ، فالذي يُجرّب الإله يُجرب المسؤول كذلك ، نراهم يُجرّبون رجال الدين بقوة وعنف ونراهم يُجرّبون المسؤولين الأداريين بكل صغيرة وكبيرة من حيث الرشوة والعزائم والقوة والحماية وما الى ذلك ، هذه التجارب تنعكس عليهم وتُهدد مصيرهُم وايمانهم وبالتالي يتقدم حنان الله ويتدخل من اجل انقاذهم ، من هذا الدرس يبدو لي بأننا نحتاج أربعين سنة حتى نفهم إرادة الله بعيداً عن التعصب والمصلحة .

**   بعد أن زادت الأمور سوءاً بدأ الشعب يطلب تنصيب ملكاً عليهم بدلاً من النبي وقد جاءت الأرادة الحكيمة بتنصيب شاؤول بن قيس طوال أربعين سنة ، انظر اعمال الرسل 13 : 21 ، نلاحظ هنا بأن الأسرائيليين بدأوا يعودون الى الوراء بدلاً من الأمام ، كانوا يعملون عكس مُخطط الله وإرادته تعالى  ، لقد تضايقوا علناً من موسى ومن ثم من الله وبعدها من الحاكم ، السبب هو التكبر وفقدان الثقة ويُمكننا القول الأستهزاء بكل القيم السماوية وبدأوا ينسون أن الله هو الذي انقذهم من فرعون وواعدهم بأرض جديدة .

**الدرس لنا :

نلاحظ التكبر الحاصل عند الكثيرين وكل واحد يقول أنا عنتر وعند المناقشة معهم يتذمرون ويستهزئون بكل الأفكار المطروحة حتى لو كانت آيات من الكتاب المقدس ، للأسف يبدأون بالعودة الى الوراء والى عصر التخلف والجهل والصنم حالهم حال بني اسرائيل عندما كانوا في البرية ، يا للعجب والأسى والحزن أن يكون الكثير من المثقفين وراء هذا التراجع وما اشبه اليوم بالبارحة كما يقول المثل .

***   موسى يرى مُخطط الله في الرؤيا بعد اربعين سنة عندما ظهر له الملاك في العليقة التي كانت تشتعل فيها النار ، انظر اعمال 7 : 30 ، هنا جاء الله ليتدخل عبر الملاك لأنقاذ الشعب بالرغم من ان الأسرائيليين كانوا في ذلك الوقت يرفضون موسى وينكروه ويحقدون عليه وكان يعيش مُبتعداً عنهم وهارباً في ارض مديان في برية جبل سيناء ، الشخص الهارب من قبضة الشعب سوف يصبح قائداً لهم لأنتشالهم من الظلم والقهر والحرمان ، ارادة الله جعلته ينطلق وبايمان عميق نحو الهدف بالرغم من كل ما يحملون عليه من الأفكار السيئة والضغائن ، توجه موسى وأنقذ الشعب الموجود في مصر واخرجهم بما عمل من العجائب ، انظر اعمال 7 : 36 ،

 *** والآن ماذا نستنتج :

درساً بليغاً آخر يعطينا الله وهو ان الشخص المُهان والمرذول والمُهمش من قبل مجموعة معينة من البشر ، يصبح قائداً ومُخلّصاً لنفس المجموعة ، هل نقبل نحن بذلك ؟ الكثير من الناس تنظر بتملق الى المُتعالي وصاحب المال والقوة ويُصفقون لهُ ويستقبلونهُ بالترحاب أما الشخص الذي يعيش بالهامش والبسيط لا يُعيرن لهُ اي اهتمام في الوقت الذي من الممكن سيكون منقذهم وقائدهم الى بر الأمان ، آه من هذه التناقضات يا رب !!!

الكثيرين في هذه الأيام لا يقبلون النصائح ولا يرضون بالأنتقاد ، وعندما تتحدث معهم عن الأخطاء والخطايا والأصلاح يتكبرون وينتفخون ويعلو صوتهم وافكار غيرهم يضربوها في عرض الحائط وكأنهم هُمْ الأنبياء وهُمْ المُخلّصين وهُمْ المُنقذين فقط ، وآراء الغير يجب ان تُحجب ولا داعي لذكرها في الوقت الذي يجب أن يأخذوا كل كلمة من كلمات الغير ويُحللونها لفائدة الشعب وخاصة الآن وفي هذا الوقت حيث كل انسان وبمبلغ قليل يستطيع فتح صفحة خاصة بهِ في الأنترنيت ويطرح افكار غيرهُ وسلبياتهم وأفكارهُ ايضاً ، وهناك مواقع كثيرة للنشر لا تُعد ولا تُحصى ، ان المُنتفعين الذين لا يُؤمنون بحرية الرأي والرأي الآخر والمُناقشات التي تدور بين الأطراف ولا يُؤمنون بالديمقراطية الحقة الهادفة لأنتشال الشعب من الضياع ، هُمْ الخاسرون دائماً ، لقد جاء الشفاء الى بني اسرائيل من موسى الهارب من الشعب والمُهمش والمرذول لأنه رأى مُخطط الله وبعدها اصبح هو قائد الشعب ، وجاء الشفاء الى الرجل الكسيح الذي قام ومشى باسم يسوع الناصري على يد مار بطرس هامة الرسل ، انظر أعمل 3 : 6 ، هذا الرجل كان غير قادراً على المشي منذ ولادته وجاءهُ الشفاء لتمجيد الله وكان عمره اربعين سنة ، فمن الممكن ان يأتينا الشفاء نحن ايضاً ولكن بعد اربعين سنة وليس الآن والأسباب كثيرة لأننا لسنا قلباً واحداً ولا روحاً واحدة ، اننا مُنقسمون على انفسنا ولا يأتينا الخلاص الا بالحياة المشتركة ، انظر اعمال 4 : 32 ، اضافة الى الأيمان البريئ والحقيقي النابع من القلب النظيف غير المُنتفع والهادف الى تمجيد الله بكل شئ ، نحن نمشي في طريق خاطئ وينطبق قول المزمور 95 : 10 علينا : " أربعين سنة ، ابغضت فيها ذلك الجيل وقُلت فيهم : هُمْ شعب قلوبهم في ضلال ، وهُمْ لا يعرفون طُرُقي " ، ما أروع واحلى واجمل الحكم ، القلوب إن لم تكُن نظيفة الواحد تجاه الآخر بالتأكيد سوف لا يعرفون اصحابها التمييز بين الطرق الصحيحة وغيرها وهنا اقصد الجميع باستثناء البعض بالتأكيد .

هل نتعلم من درس موسى لنترك التعالي والتكبر و و و ..

**** موسى كان قد ارسل الجواسيس لمشاهدة ارض كنعان وبقي هؤلاء الجواسيس مدة اربعين يوماً حتى يكتبوا ما شاهدوه ولكن لخيانة شعب اسرائيل العهد ولأعمالهم الشريرة في البرية عاقبهم الله كل يوم بسنة وقال لهم " انتم تتحملون عاقبة آثامكم أربعين سنة " ، انظر العدد 14 : 34 ، من هذه النقطة نحصل على :

**** درساً آخر مهم جداً ، هذا الدرس يتمثل بما سنحصل عليه نحن إذا ابتعدنا عن الله بنكران وجودهِ أو بعدم الأنصياع الى تعاليمه السماوية ورُبما سيكون الويل علينا كل يوم بسنة أو اكثر ولهذا نحن نتشتت ونُهاجر ويُعتدى علينا وتُسفك دِماؤنا وتُنتهك بيوتنا وأعمالنا لأن السبب الرئيسي هو فينا ومن أعمالنا تأتي النتائج عكسية علينا . ومن المحتمل أن ينقظي كل هذا الجيل الذي تكبّر وتعالى وأساء الى الخالق رب السماواة والأرض ، نرى المسيحيين الآن يهيمون في أنحاء المعمورة كما هام بني اسرائيل في البرية اربعين سنة ، انظر العدد 32 : 13 ، ويضيف الكتاب بأن ذلك الجيل انقرض لأنه أساء الى الرب . أين نحن الآن من كل هذه الدروس ؟ ؟

***** الرقم اربعين يتكرر و الحاكم يبقى مُستمراً بالسلطة لمدة أربعين سنة كما يلي :

1- عالي الكاهن حكم بني اسرائيل اربعين سنة ومات ، انظر صموئيل الأول 4 : 18

2- الملك داود بقي في السلطة اربعين سنة ، انظر صموئيل الثاني 5 : 4

3- سليمان الحكيم اصبح ملكاً على كل اسرائيل مدة اربعين سنة ، انظر الملوك الأول 11 : 42

4- بقي يوآش ملكاً على يهوذا اربعين سنة ، انظر الملوك الثاني 12 : 2

****** الرقم اربعين يتكرر في العمر الشخصي اربعين سنة كما في : 

1- تم تنصيب ملكاً على اسرائيل اسمهُ ايشبوشث ، كان عمرهُ اربعين سنة يوم الأحتفال بهِ مع حاشيته واقربائه ، انظر صموئيل الثاني 2 : 10

2- أسحق يتزوج رفقة وعمرهُ اربعين سنة ، انظر التكوين 25 : 20

3- كذلك عيسو يتزوج يهوديت وعمرهُ اربعين سنة ، انظر التكوين 26 : 34

4- موسى يرسل شخصاً لكي يتفحّص الأرض وهو ابن اربعين سنة ، انظر يشوع 14 : 7

استراحة القتال أي ما نُسميها بالهدنة كانت تستمر اربعين سنة ، حيث نلاحظ عدم وجود الحروب بين بنو اسرائيل والشعوب الأخرى لمدة اربعين سنة ، انظر القضاة 3 : 11 وهناك يكون الكر والفر كما يقول المثل ، حيث عندما ترتاح الأرض من الدمار والخراب والمعارك الضارية في تلك المدة من الوقت ، تأتي الحقبة الأخرى وهي العقاب الذي يستحقونه بسبب اعمالهم ، فترة العقاب والآلام كانت تستمر مدة أربعين سنة أخرى ، انظر القضاة 8 : 28 والقضاة 13 : 1

الخلاصة من الموضوع :

نحن نُجرّب ربّنا وإلاهنا يومياً حيث نقول وبصلافة ، اليوم جاء المطر لكن غير كافِ ،  هناك غيوم سوداء وسوف لا تمطر السماء ولا يأتي المطر ، الزرع سوف لا ينبت ولا نحصد هذه السنة ، الأغنام سوف تهلك بعدم وجود المطر من رب العالمين ، سنموت ولا يوجد من يحمينا ويساعدنا ، الجماعة في بعض الكنائس ملتهين بجمع المال ولا يهتمون إلا ببناء حجر جديد وما عليهم ببناء الأنسان والتعليم المسيحي ، عندما نقول الى الأب الفلاني اعطينا لكي نصرف لطبع النشرة واوراق التعليم المسيحي للصغار كأنهُ نطلب منهُ صدقة ، عندما يأتي المطران الفلاني ويتقدس معنا اول بداية كرازتهُ تكون عن جمع التبرعات وكأن الكنيسة فقيرة ، بالرغم من أن مليارات الدنانير تحت امرتها من الأملاك التي لاتُعد ولا تُحصى في بغداد وغيرها من المدن ، القيل والقال بين الشباب والشابات والمودة والموبايل والمسجات لا يُمكن للأب التدخل فيها انها الحرية والديمقراطية ، الطلاق وتخريب العوائل من الداخل من اجل التهديم وليس الأصلاح ، فلان مُتمكن وزنكين وفلان فقير ، كلام باطل ضد القريب والمكر والخداع مُتفشي بيننا ، الكذب وعدم تنفيذ الوصايا ، عدا الأمور الأخرى التي لا وجوب ذكرها . إننا نتدخل في إرادة الله ونُجربهُ لهُ المجد ، يا للأسف ، إننا لا نعلم بأننا نسيئ الى الله كما أساء بنو اسرائيل ، فهل سننقرض ؟ ؟ ؟

نحتاج مدة اربعين سنة للشفاء بجميع عناويننا ولا أقول الكل ، ولكن لو كان عندنا ايمان بقدر حبة الخردل كما قال ربنا يسوع ، لكان قد حصلنا على كل شئ وأكثر ، كانت الأرض تبقى لنا وأبنائنا وبناتنا لنا وأموالنا لنا والأهم ايماننا الذي بدأنا نفقدهُ ايها الأخوة ، نحن كالبحر المُضطرب الذي لا يُمكن أن يهدأ ، مياهُهُ تقذف الوسخ والوحل كما يقول إشعيا ويُضيف : لا سلام للأشرار ،  دروس وعبر عظيمة جداً يجب ان نتعلمها من الكتاب المقدس وليس بالخبز وحده يحيى الأنسان كما قال يسوع وليكُن اساس العائلة صخراً .

الخير والصلاح الى أخوتنا والله الموفق ، انه بيننا وفي الأعالي وفي كل مكان يحفظنا آمين .

 

مسعود هرمز النوفلي

حزيران 2009