شمعة من اجل ارض ميران

 

لم تكن جميلة وشفافية فقط تلك اللحظات التي اسعفني الحظ فيها بان اكون حاضرا لمشاهدة لحظات تسليم ارض ميران العائدة ملكيتها لقرية بيشاور(فيشخابور)المسيحية في ناحية رزكاري من قضاء زاخو

حيث جرت في احتفال شعبي يوم 6-6-2009 مراسيم تسليم هذه الارض الى اصحابها الاصليين والتي سكنها الاخوة الكورد بعد العام 1991 ابان اندلاع الثورة الكوردية شمال العراق بقيادة المرحوم ملا مصطفى البرزاني والتي فتحت في المنطقة عمليات كفاح مسلح دام سنوات بين جذب وشد فيما بين القوات الحكومية وقوات البيشمركة الكوردية والتي ادت بدورها الى نزوح الالاف من السكان المدنيين في هجرتين متزامنتين احداهما داخلية نحو المدن والقصبات الاقل خطرا والبعيدة عن مرمى المتقاتلين والاخرى خارجية وقد مثلت في حينها النزيف الاول للتجمعات المسيحية في العراق

حيث لجأ الكثير من المسيحيين الاشوريين والكلدان والسريان والارمن الى دول عديدة بدأو فيها حياتهم التي كانت احيانا من الصفر وقد شهدت الاحصاءات العالمية للهجرة في ذلك الوقت رسومات بيانية تصاعدية لاعداد المهاجرين من العراق وتحديدا من الشمال الساخن,وقد احدثت هذه الهجرات القسرية فراغا على الارض شكل المسيحيون فيه العنصر الغائب الاكبر الذي دفع السكان المحليين ولاسيما الفلاحين من الكورد والايزيديين وبعض القبائل العربيه التي كانت ترعى بالقرب من هذه الاراضي التي تم وضع اليد عليها واشغالها طوال سنوات غياب اصحابها مما اوجد مشاكل حقيقية تتطلب حلا سريعا لاسيما بعد عوده المسيحيين الى قراهم الاصلية التي اعيد بنائها بعد العام 2003

ولم يكن هناك حضن ادفىء من حضن هذه البيوت التي احتوت ذكريات الطفولة ورائحة الخبز في الفجر وساعات اللعب في الغسق

فلقد احتضنت هذه القرى الاف العوائل العائدة بفضل مشروع حملة البناء الكبرى حيث اعيد رسم الخارطة وفق ملامحها المطلوبة التي كانت والتي كادت ان تنمحي بتقادم الوقت والظروف واستطاع السيد سركيس اغاجان بهدوءه المعهود ان يرسم الطريق لاعادة هذه الاراضي التي تم وضع اليد عليها شبرا شبرا دون جعجعات اعلامية او شعارات نارية لاتسمن ولاتغني من جوع وآتى المشروع أكله حيث بدأت مراحل التسليم ولن تتوقف حتى اخر الطريق دون اراقة قطرة دم لاسمح الله ولم تسجل حتى الان اية مشكلة بين الاخوة الكورد والاخوة المسيحيون ليكونوا انموذجا للتعايش المطلوب على ارض العراق الجديد وليقولوا معا الحوار وحده وقبول الاخر والتسامح مقومات نجاح كل مجتمع يريد النهوض والمدنية

وانتج ذلك هذه العملية الشفافية التي كنت حاضرا في كل لحضاتها استمع لكلمات الجميع واسجل مشاعر الجميع لتعود ارض قرية ميران حتى تكتمل صورة بيشاور(فيشخابور)التي كانت تحتاج الى لمسة واحدة لتأخذ شكل عروس في ثوب عرسها الذي اقتبس الوانه من الوان البيوت الجديدة والحياة الجديدة والامل الجديد بغد اكثر رسوخا وابهى جمالا على ارض العراق الجديد

هنيئا لاصحاب الارض الحقيقيين على صبرهم وحكمتهم وهنيئا لمشروع السيد سركيس اغاجان الذي سار بهدوءه المعهود نحو الهدف ,

هنيئا للذين سلموا الارض لاصحابها على تركهم ماليس لهم واعادة الحق لنصابه  وهنيئا لي وانا اشاهد بام عيني

كيف تقام العدالة في زمن تفشى فيه الظلم والجور

 

عبدالخالق الجواري

مخرج وكاتب