(مناسبة عيد القيامة المجيد)

 

ذكريات عند القبر المقدس

عشر دقائق مع يسوع تساوي كل العمر !

أمام قبر المسيح تسقط كل أوجه البراءة الزائفة للإنسان .. ولاوجود للأنا  

 

كتب : ماجد عزيزة

 

           كان يوما عظيما في حياتي ، بل هو أعظمها على الإطلاق ، ففي يوم من أيام شهر مايس / آيار من عام 2006 ، وبعد أن اجتزنا ( وفد رحلة الحج المقدسية لكنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك)  ، طريق الآلام ( جبل الجلجلة) سيرا على الأقدام في دروب القدس العتيقة ومررنا بكل مراحل ( درب الصليب) التي عاش أحداثها الفادي المخلص ، ونعيدها كل عام في كنائسنا .. أقول ، بعدما اجتزنا ذلك الطريق ، وصلنا إلى كنيسة القيامة حيث القبر المقدس . وقفنا طابورا طويلا مع طوابير الحجاج الذين كانوا معنا ينتظرون دورهم للدخول إلى داخل هيكل القبرالمقدس .

   والقبرالمقدس عبارة عن هيكل خشبي كبير يتوسط احدى القاعات الكبيرة داخل كنيسة القيامة في واجهته باب كبير يقف أمامه راهب من الرهبان اليسوعيين ممتليء الجسم ، وعضلات مفتولة ، ولحية كثة بيضاء مهمته ، اعطاء الإذن للزائرين بالدخول داخل القبر المقدس لمدة لا تتجاوز ( 15 ثانية) ومن لا يخرج في الوقت ، يسحبه من ملابسه ويرميه خارجا ، وله الحق في ذلك ، فالطابور الذي ينتظر يقف فيه بين 10-15 ألف زائر .

   كان معنا في زيارتنا الصديق العزيز الراهب سباستيان العراقي البغديدي الذي يخدم في رهبنة الفرنسيسكان ( حراس الأراضي المقدسة) ، كنت أحمل ( على عادتي) عدتي الإعلامية المؤلفة من كاميرا تلفزيونية وكاميرا فوتوغراف وبعض الأوراق .. طلبت من الأب أن يتكلم مع ( حارس بوابة القبر ) كي يسمح لي بأن ابقى أكثر مما يبقى الزوار العاديون ويشرح له مهمتي الإعلامية .. وراح الأب سباستيان يشرح ( لأخينا ) ذلك ( وثقت ذلك بالصورة) .. ويبدوا أنه اقتنع ، فأجابه بالقول وهو ينظر لساعته : بعد دقائق سيكون هناك صلاة للطائفة اليونانية ، أمام القبر المقدس تستمر مدة ( 10) دقائق ، وفي هذه الحالة سأغلق باب القبر ولن أدع احدا يدخل ، قل لصاحبك أن يتهيأ لأدخله خلال فترة الصلاة ، وأقفل عليه باب القبر ليبقى هناك حتى أفتح له الباب !لم اصدق اذناي وأنا اسمع لأخي الأب سباستيان ، سأبقى لعشر دقائق هناك .. يا مناي وسعادتي ..

   دقائق ولاحظت إشارة الراهب اليسوعي : تعال .. أدخل .. هرعت ومعي حقيبتي ليدفعني للداخل ويقفل الباب ! غرفة صغيرة تتوسطها طاولة من المرمر وضعت عليها بضعة شموع .. في احد حيطان الغرفة باب صغير لا يتعدى ارتفاعه ( 1.20 م ) يجب عليك حين تجتازه أن تنحني ( يقولون ان هذه العملية مقصودة كي ينحني جميع الزوار أمام عظمة السيد المسيح .. كان الأب سباستيان معي ، انحنيت وانا ادخل إلى غرفة القبر المقدس .. التي لا تتجاوز مساحتها ( مترين طولا X متر وعشرين سنتمترا عرضا ) في اعلاها قناديل فضية مضيئة تتدلى من السقف ، وعلى الجوانب أيقونات وشموع في غاية الروعة ... أما القبر المقدس فعلى يمين الغرفة مغطى بقطعة مرمر كبيرة باللون ( البيج) .. فقط لاغير .

لم استطع فعل شيء خلال الدقائق الثلاث الأولى ، تسمرت أمام ذلك العظيم الذي افتدى العالم بدمه ، دقائق استعدت فيها كل لحظة في تعليم حياتي التي عشتها ، ووجدت ضآلتها وضآلتي أمام هذه العظمة الفائقة التي يضمها القبر  . قلت لنفسي حينها : من أنا لأقف امام الرب يسوع ؟ من أكون لأجاور ذاك الذي أحيا الموتى وشفى البرص وأبصر العميان ؟ 

رعشة هزت كياني ، وجعلت الدماء تتوقف لحظات عن السَريان في عروقي ،  فأمام قبر المسيح تسقط كل أوجه البراءة الزائفة للإنسان، هذه البراءة التي يمكن أن نخدع بها أخانا الإنسان ولكن لا نستطيع أن نخدع بها الله. وأمام القبر المقدس لا وجود للتباهي الإنساني، لا وجود للـ "أنا" التي أستطيع بها أن اتباهى أمام العالم. لا يعني هذا أن أكون متشائما، فاقدا الأمل. لكنني في تلك اللحظة أدركت بأني مخلوق ضعيف وخاطيء، فقد شعرت بقوة وعظمة محبة الآب السماوي اللامتناهية لي واحتضانه لي في ذلك اليوم العظيم ، هذه المحبة التي هي أقوى وأعظم من الخطيئة والموت . حينها .. وأعترف لجميع القراء الأعزاء أحسست بعظمة ملكوت الله السماوي .

بقيت هناك ، حوالي تسع دقائق ونصف ، أكملت فيها ، صلاتي واعترافي وطلبت المغفرة من أعظم كاهن في الوجود ، وما بقي لي من لحظات ، كنت قد أكملت فيها واجبي الإعلامي .. لكني خرجت من غرفة القبر ، مشدوها ، لك أكن أحس بشيء ، وحين التحقت باخوتي اعضاء الوفد ، بدت الدهشة على وجوههم ، فقد كانت سحناتي غير التي عرفوني بها .. وبدأت التساؤلات .. ماذا حصل ؟ ماذا حل بك ؟ لماذا انت مصفر الوجه ؟ حتى جاء الجواب الشافي من شقيقة روحي ( الأخت ماسير أميرة ) : انه فعل الروح القدس ! عندها أحسست بأن مسيرة طريق الآلام ، والنية التي عزمت على فعلها قد تحققت .. وكم تمنيتها لزوجتي وولدي ... ولأمي .

 

حارس القبر والأب سباستيان في باب القبر المقدس

-------------------------------------------------------------------------------------------------------

قناديل في سقف القبر

-------------------------------------------------------------------------------------------------------

أيقونات وشموع على جدران القبر من الداخل

-------------------------------------------------------------------------------------------------------

القبر مغطى بقطعة المرمر

-------------------------------------------------------------------------------------------------------

ربي والهي

 

-------------------------------------------------------------------------------------------------------

داخل القبر المقدس مع الكاميرا