قناة عشتار الفضائية
 

استفحال ظاهرة تسول الأطفال يدفع الحكومة العراقية للتحرك

عشتارتيفي كوم- كوردستان24/

 

اشار تقرير صحفي عربي، إلى استفحال ظاهرة التسول بين الأطفال العراقيين، وتحرك حكومي للسيطرة على الأرقام الصادمة.

وفقاً لتقرير "اندبينت عربية" تكشف الإحصاءات عن أن نحو 13 في المئة من أطفال العراق منخرطون في أعمال قد تكون خطرة أو تتسم بالاستغلال الجسدي والاقتصادي.

كما أشار التقرير إلى خطة جديدة لزيادة عدد المفتشين وتكثيف الحملات الرقابية على ورش القطاع الخاص، في مسعى إلى وقف تشغيل القصّر والتصدي لشبكات التسول المنظم.

وقال التقرير: "في أزقة الأسواق القديمة الضيقة والشوارع المزدحمة بالإشارات المرورية، يلوح مشهد مألوف يتكرر يومياً في مدن العراق: أطفال صغار بأعمار الزهور يحملون أدوات مسح الأحذية أو يعرضون مناديل ورقية للبيع أو يلاحقون المارة طالبين "صدقة". ظاهرة باتت جزءاً مؤلماً من الواقع الاجتماعي تعكس أزمات اقتصادية واجتماعية عميقة، دفعت آلاف الأطفال إلى عالم العمل القاسي والتسول المنظم".

وأضاف "في الفترة الأخيرة أطلقت الحكومة العراقية خطة وطنية شاملة لمكافحة ظاهرة عمالة الأطفال والتسول، في مسعى جاد إلى انتشال هؤلاء الصغار من براثن الفقر والاستغلال، وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة وحياة الطفولة الطبيعية".

ويحتل العراق المرتبة الرابعة عربياً من ناحية نسبة عمالة الأطفال، إذ يقدر عدد الأطفال العاملين بأكثر من 500 ألف طفل، تتراوح أعمارهم ما بين خمس و17 سنة.

وتكشف الإحصاءات عن أن نحو 13 في المئة من أطفال العراق منخرطون في أعمال قد تكون خطرة أو تتسم بالاستغلال الجسدي والاقتصادي، بما يشكل انتهاكاً صارخاً للاتفاقات الدولية التي وقع عليها العراق، وعلى رأسها اتفاق "حقوق الطفل" واتفاق "منظمة العمل الدولية" رقم 182 في شأن أسوأ أشكال عمل الأطفال.

في وقت تمكنت الحكومة العراقية من إعادة 123 ألف طالب متسرب إلى المدارس عبر منحة شهرية يستفيد منها حالياً نحو 2.3 مليون تلميذ.

يقدر عدد الأطفال العاملين بأكثر من 500 ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين 5 و17 سنة وفقاً لـ (أ ف ب)

وتزامنت الخطوة مع خطة جديدة لزيادة عدد المفتشين وتكثيف الحملات الرقابية على ورش القطاع الخاص، في مسعى إلى وقف تشغيل القصّر والتصدي لشبكات التسول المنظم، حسب ما أعلنت وزارة العمل.

وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة العمل، حسن خوام في تصريح صحافي "لدينا عدد محدود من المفتشين يزورون المشاريع الاستثمارية وأماكن وجود العمال، وإذا تبين تشغيل من هم دون الـ15 – وهو الحد الأدنى القانوني – تُتخذ في حق صاحب العمل إجراءات غرامة أو حبس"، لافتاً إلى أن الوزارة تعمل حالياً على مضاعفة الطواقم الرقابية لمنح التفتيش تغطية أشمل في عموم المحافظات. وذكر أن برنامج المنحة المدرسية، الذي يُصرف لأسر المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية، مكّن آلاف العائلات الفقيرة من إبقاء أبنائها في التعليم بدل زجّهم في سوق العمل، إذ عاد 123 ألف طالب إلى مقاعدهم الدراسية. ونبه المتحدث باسم الوزارة إلى أن رفع كفاءة التفتيش سيكمّل أثر المنحة عبر معاقبة المخالفين وردع الاستغلال. ,على رغم هذا التقدم، تحدث فاضل الغراوي، رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، عن أبرز التحديات التي تواجه ملف عمالة الأطفال في العراق.

وتابع في تصريح صحافي إن العراق يحتل المرتبة الرابعة عربياً في عمالة الأطفال بنسبة 4.9 في المئة، مبيناً أن الظاهرة ترتبط مباشرة بانخفاض دخل الأسرة والبطالة والنزوح وتراجع التشريعات الرادعة. الغراوي نوه بأن أخطر أشكال استغلال القاصرين يتمثل في التسول، موضحاً أن 57 في المئة من المتسولين أطفال ذكور و33 في المئة إناث، بعضهم يعمل لصالح عصابات جريمة منظمة. واعتبر أن الظاهرة "تهدد الأمن المجتمعي والثقافي"، داعياً إلى تفكيك الشبكات الإجرامية وشمولها بقانون مكافحة الإرهاب، مع برامج رعاية وتأهيل للأطفال الضحايا.

وزارة العمل أكدت أنها تتعامل بجدية مع توصيات الحقوقيين، إذ أوضح المتحدث باسمها أن العقبة الكبرى "محدودية عدد المفتشين"، في مقابل توسّع المشاريع الاستثمارية، لكن الوزارة رفعت مقترحاً لتوظيف دفعات جديدة من المفتشين ومنحهم صلاحيات إغلاق فوري للمشاريع التي تشغّل قاصرين بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، كذلك يجري العمل على تحديث العقوبات بحيث تُرفَع الغرامات ويُلغى خيار الاستبدال بكفالة في جرائم تشغيل الأطفال.

وبالتوازي مع الإجراءات القانونية، اقترح "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان" "تشكيل فريق مشترك من وزارات العمل والداخلية والعدل لوضع خارطة وطنية للتسوّل المنظم وتعقّب العصابات التي تستغل الأطفال الوافدين من الداخل والخارج".

ويتوقع أن تُدرج المقترحات في برنامج حكومي أوسع يهدف إلى خفض نسبة عمالة الأطفال إلى النصف بحلول 2027 من خلال خلق فرص عمل للأسر الهشّة وتوسيع برامج القروض الصغيرة.

ورأى متخصصون اجتماعيون أن تفشي عمالة الأطفال في العراق يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعوامل عدة، أبرزها الفقر المدقع مما يدفع الأسر الفقيرة إلى إشراك أبنائها في سوق العمل كمصدر دخل إضافي، كذلك النزاعات المسلحة، إذ أدت الحروب والصراعات مع الجماعات المسلحة إلى نزوح ملايين العراقيين، مما خلق بيئة مثالية لاستغلال الأطفال. هذا إلى جانب انهيار المنظومة التعليمية إذ تعاني المدارس العراقية اكتظاظاً شديداً وتردي البنى التحتية، مما أسهم في ارتفاع معدلات التسرب المدرسي، ومن ثم دفع الأطفال نحو سوق العمل، فضلاً عن تفكك الأسرة مع ازدياد نسب الطلاق والوفاة وفقدان المعيل، مما جعل كثيراً من الأطفال بلا حماية أسرية حقيقية.

في ظل هذه التحديات، أعلنت الحكومة العراقية بالتعاون مع وزارات وهيئات متخصصة عدة، عن إطلاق خطة وطنية لمكافحة عمل الأطفال وتسولهم، تضمنت محاور مختلفة، وفي تصريح صحافي قال المتخصص في شؤون الطفولة والتنمية الاجتماعية سعد الراوي "الخطة الحكومية خطوة بالاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج إلى التزام سياسي طويل الأمد، وأهم من ذلك إلى معالجة جذرية للفقر والبطالة في المجتمع العراقي". وأضاف الراوي أن "المشكلة لا تكمن فقط في الأطفال الذين يعملون، بل أيضاً في الأطفال الذين يتعرضون للاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر تحت غطاء التسول أو العمل القسري، وهي قضايا معقدة وخطرة".

من جانبه، حذر الناشط الحقوقي علي المياحي من "اقتصار الجهود على حملات موسمية أو صورية"، مؤكداً أن "أي خطة من دون توفير فرص تعليم حقيقية وبرامج دعم نفسي للأطفال لن تحدث التغيير المطلوب".

في السياق، كشفت الأكاديمية والناشطة في حقوق الإنسان، نهلة العنزي، عن أن التسول ظاهرة سلبية شاعت بعد عام 2003 عقب تغيير النظام السياسي وغياب دور القانون في ضبط النظام الاجتماعي، مما أسهم في جعل التسول مهنة لمن لا مهنة له، مبينة أن هذه المهنة تقف وراءها جهات ومافيات مختلفة تجوب الشوارع هنا وهناك، فضلاً عن ارتباطها بظواهر أخرى كالدعارة والمخدرات والعنف، مما يشكل مؤشراً خطراً يهدد المجتمع العراقي.

وبحسب نهلة العنزي "لا يقتصر التسول على فئات معينة كالأطفال والنساء، بل أصبح الشباب جزءاً من هذه الظواهر السلبية لما يجنونه من أموال لا تتحصل بطرق أخرى، فضلاً عن تزايد وجود التسول غير المباشر الذي نراه في الشوارع كبائعي المحارم الورقية أو عمال مسح السيارات الذين يتقصدون إجبار السائق على الامتثال لهم وأحياناً افتعال مشكلات مع المواطنين". ورأت الأكاديمية العراقية أن انعكاسات التسول كبيرة على المجتمع ولا حلول رادعة من المؤسسات المعنية للحد من الظاهرة، مع تزايد معدلات الجريمة والعنف في المجتمع وانسياق الأطفال والنساء في المناطق الشعبية لدخول هذا المجال وتفضيله على العمل لما له من مردود مادي كبير. وأضافت الناشطة في حقوق الإنسان أن "حل مشكلة التسول يتطلب ثقافة اجتماعية ترفض الظاهرة وتمنع التعاطي معها أو مساعدة المتسولين، كونهم يخدعون المواطنين ولا بد من توجيه أموال الصدقات والزكاة نحو الفئات المستحقة فعلياً لمنع وصولها لضعاف النفوس، وهذا يحتاج إلى حملات توعية تتبناها وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والجامعات، لتعزيز شعور المواطن بالمسؤولية تجاه مجتمعه، وكذلك تفعيل الدور الرقابي للمؤسسات الأمنية. ولا بد من اتخاذ إجراءات رادعة قانونية تحد بصورة حقيقية من الظاهرة، لأن الإجراءات الحالية لا تنسجم مع حجم وأعداد المتسولين المنتشرين هنا وهناك، لا سيما أن بعضهم اعتاد على السجن والخروج منه بعد أيام قليلة، لذا فهذه الإجراءات الروتينية لم تنفع، بل أسهمت في استخفاف المتسولين بهذه الإجراءات".

على رغم أهمية الخطط والإجراءات الحكومية، يرى المراقبون أن الطريق لا يزال طويلاً وشاقاً. مكافحة عمالة الأطفال تتطلب جهداً متكاملاً يشمل إصلاح النظام التعليمي ومكافحة الفقر والبطالة ودعم برامج الرعاية الاجتماعية، كذلك تطوير القوانين الخاصة بحماية الطفل وتفعيلها بصرامة.