عشتارتيفي كوم- بطريركية السريان الكاثوليك/
في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الإثنين 21 نيسان 2025، ترأّس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، القداس الإلهي الذي احتفل به المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، بمناسبة إثنين القيامة المجيدة. ورفع غبطته الصلاة من أجل راحة نفس قداسة البابا فرنسيس الذي رقد صباح هذا اليوم في مقرّ إقامته في الفاتيكان، وكذلك من أجل راحة نفوس جميع الموتى الراقدين بحسب العادة في مثل هذا اليوم من كلّ سنة، إذ فيه تذكر الكنيسة جميع الموتى، وذلك في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
شارك في القداس صاحبُ السيادة مار غريغوريوس بطرس ملكي، والأب جليل هدايا النائب القضائي لأبرشية بيروت البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين في لبنان، والأب طارق خيّاط الكاهن المساعد في إرسالية العائلة المقدسة، والشمامسة، وجمع من المؤمنين.
في بداية القداس، نعى غبطةُ أبينا البطريرك قداسةَ البابا فرنسيس، قائلاً: "ننعي إليكم قداسةَ البابا فرنسيس الذي انتقل من هذا العالم الفاني إلى الحياة الأبدية صباح هذا اليوم، ونرفع الصلاة إلى الرب كي يتقبّل نفسه في هذا إثنين القيامة في ملكوته السماوي مع الرعاة الصالحين الذين خدموا الكنيسة والمؤمنين بأمانة وتفانٍ. رحمه الله. المسيح قام، حقاً قام".
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان "وكانت أعينهما قد أُمسِكت عن معرفته"، تحدّث المونسنيور حبيب مراد عن "غمرة أفراح عيد قيامة الرب، حيث نتأمّل هذا الحدث العظيم، أعظم أعيادنا وأساس إيماننا المسيحي، إذ لولا هذا الحدث الكبير، لَمَا كان هناك أيّ داعٍ لوجود ما يُسمَّى الديانة المسيحية، لأنّ المسيحية قائمة على أساس الرب يسوع القائم من الموت منتصراً. فالقيامة لا تعني حدثاً عادياً، بل الرب انتصر بقوّته الذاتية وغلب الموت بموته وقيامته.موت كلّ إنسان حدث يدعو إلى الحزن والبكاء والتحسُّر، ما عدا موت المسيح الذي هو مبعث فرح، لأنّ هذا الموت تعقبه قيامة، وقبر فارغ. عادةً عندما يوضع الإنسان في القبر، ينتهي كلّ شيء، ولكن مع يسوع، فالقبر الفارغ من يسوع هو بداية لكلّ شيء، هو بداية لحياتنا وعبور إلى قيامتنا ورجائنا، ونحن في هذه السنة المخصَّصة للرجاء، فرجاء حياتنا هو قيامة الرب الذي يقوّينا وينصرنا دائماً".
وتأمّل "بهذا النصّ من الإنجيل المقدس الذي رتَّبَتْه الكنيسة لهذا اليوم من لوقا البشير، نتلوه كلّ سنة في ثاني يوم القيامة، حيث نجد تلميذين سائرين على الطريق، وكانا من المبشِّرين الذين تبعوا يسوع وتلاميذه، فقد رافقوه مرّات عدّة، وبالتأكيد عاينوا أو سمعوا عن الكثير من الأعمال العظيمة والعجائب التي كان يسوع يقوم بها، ثمّ دخوله يوم الشعانين إلى أورشليم حيث أمضى الأسبوع الأخير من حياته على الأرض بالتبشير والتنبيه. ولكنّهما رأيا أنّه وصل في النهاية إلى الصلب والموت، وهما أيضاً يئسا مثل غيرهما، التلاميذ جلسوا في العلّية والأبواب مغلقة، أمّا هذان فذهبا هاربَين إلى عمّاوس وهي منطقة بعيدة جداً. ذهبا سيراً على الأقدام في الليل، لم يخافا، بل أرادا الذهاب والهروب".
وأشار إلى أنّ "هذين التلميذين، وهما على الطريق في قمّة ألمهما ويأسهما وانهيار طموحاتهما عن المسيح الملك العظيم الذي سيأتي ليخلّص، انهار كلّ شيء وعادا، وليس هذا فقط، بل لربّما كانا يخافان أن يعلنا أنهما من أتباع يسوع. مع هذا كلّه، يظهر لهما يسوع، ويفسّر لهما تعاليمه بتفاصيلها، وكيف أتمّ في حياته التدبيرية على الأرض نبوءات الأنبياء، ولكن مع هذا كلّه لم يتحرّكا ولم يتذكّرا، ولم يوحِ لهما شكل يسوع ولا حتّى كلامه بأيّ شيء، لأنّ اليأس سيطر عليهما، والظلمة أعمت عيونهما، فلم يعودا يريان أمامهما. ونحن أيضاً في حياتنا، مرّات كثيرة يعمي اليأس والظلمة والإحباط وخيبات الأمل عيوننا".
ولفت إلى أنّه "لمّا وصل هذان التلميذان إلى المكان الذي كانا يقصدانه، طلبا من يسوع أن يبقى عندهما، لكنّه رفض بحجّة أنّه ذاهب إلى مكان أبعد، فأصرّا وألحّا عليه بالبقاء، لذلك لا يكفي أن نقول ليسوع: يا رب نحن معك، بل علينا أن نعمل لنُظهِر أنّنا مع الرب، وعلينا أن نبرهن في حياتنا أنّنا نعكس صورة ربنا، كي نستطيع أن نقول له: أمكث معنا يا رب، فتنفتح عيوننا ولا تبقى ممسوكة عن معرفة الرب. هذان التلميذان لم يعرفا يسوع إلا بعد أن جلس معهما وكسر الخبز، وحين انفتحت أعينهما عرفاه أنّه الرب. وهكذا نحن أيضاً، تعلّمنا الكنيسة أن نشارك الرب، وقمّة هذه المشاركة هي الذبيحة الإلهية، حيث نشاركه في كلمته، نسمعها ونتأمّل بها، ونشاركه أيضاً في الخبز والخمر اللذين سيتحوّلان إلى جسد ودم الرب، فنثبت في الرب ويثبت هو فينا، لأنّ يسوع يقول: من أكل جسدي وشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه وله الحياة الأبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير. هذا رجاؤنا وأساس إيماننا، الثبات بالرب كي نعكسه على الآخرين".
ونوّه بأنّنا "إذا تأمّلنا بهذين التلميذين وبالمريمات، النساء اللواتي كنَّ البارحة على باب القبر، فبعدما سمع التلميذان كلام الرب وبشرى قيامته، ماذا فعلا؟ لم يتركا هذه البشرى لهما وحدهما، بل حملاها ورجعا ليلاً مسرعين إلى أورشليم، مع أنّه في النهار يصعب القيام بسفرة كهذه، لكنّهما عادا ليلاً سيراً على الأقدام مسرعين إلى أورشليم لينشرا بشرى القيامة ويخبرا بها. هكذا أيضاً رأينا البارحة المريمات اللواتي ذهبْنَ إلى القبر، كنَّ خائفات ومنكَّسات الوجوه، أي خافضات رؤوسهنَّ وهنَّ يتهيّأنَ لرؤية جسد يسوع والبكاء عليه، ثمّ ليعدْنَ أدراجهنَّ وينتهي كلّ شيء. لكنّ الملاك الذي ظهر لهنّ قال لهنّ: لا تخفنَ، لماذا؟ لأنّ يسوع قام والقبر فارغ. لذلك تشدَّدْنَ وتقوَّينَ وحملْنَ هذه البشرى، وبعد أن كنَّ مشاهدات للقيامة، أصبحنَ شاهدات لهذه القيامة".
وتضرّع "إلى الرب كي يجعلنا، نحن أيضاً، على مثال هذين التلميذين وعلى مثال المريمات، فالتلميذان لم يسمعا خبر القيامة فقط، بل حملا هذه البشرى ونقلاها، والمريمات لم ينظرْنَ القيامة فقط، بل شهِدْنَ لها. ونحن أيضاً، فلنشهد للقيامة في حياتنا كي نكون تلاميذ حقيقيين للرب، ونستحقّ أن ندعى على اسم يسوع، وننشر الإيمان بالرب يسوع حولنا أينما كنّا".
وذكّر المؤمنين بأنّه "في هذا النهار أيضاً، رتّبت الكنيسة مناسبة جميلة جداً، أن نذهب ونزور صباحاً مدافن أهلنا وإخوتنا وأحبّائنا الراقدين على رجاء القيامة، مستذكرين قول يسوع لمريم ومرتا أختَي لعازر: أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فسيحيا. نحن نؤمن بالرب، هو قيامتنا وهو حياتنا، وهذه القيامة وهذا الإيمان هو الذي يوحّدنا بأهلنا الذين سبقونا، ونحن على خطاهم أيضاً، إلى أن نتّحد في الملكوت مع الرب".
وختم موعظته بتجديد "المعايدة للجميع بهذا العيد، وعلى رأسنا جميعاً، غبطة أبينا البطريرك، وصاحب السيادة، والآباء الكهنة، وجميع الحاضرين، مع الدعاء إلى الرب يسوع كي يؤهّلنا لنحمل معنا نور قيامته المنبعث من القبر، فيشعّ فينا في حياتنا بأسرها، عربوناً لرجائنا فيه، هو القائم من الموت. المسيح قام، حقاً قام".
وفي نهاية القداس، أقام غبطته الصلاة راحةً لنفس قداسة البابا فرنسيس، وكذلك جميع الموتى الراقدين على رجاء القيامة في هذا اليوم الثاني من القيامة.
|