على مركب من ورق، استميح عذراً كل منتفخ زوراً، فما عادت تنفع مخدرات التضليل وفن اغتصاب دموع الناس لعين ما عرفت طعم الصدق مع نفسها للحظة.
كائنات لو كـَرَهـَتْ مـَرَحـَتْ، ولو حـَــقـَدَتْ رَقـَصَتْ، فترسم وهمها زيفاً وتضليلاً، لتطفح كراهيتها تحت يافطة حرية التعبير، فيجيدون لعبة المراثي وجباية دموع وان كانت معطوبة، لبناء ثقافة تقاس بالكيلوغرام، لدفع فواتير عقد الذات وترسباتها.
ممارسة العادات اللصوصية من ميادين الهزيمة تتطلب تحجيم انجازات الاخر وتقزيم ايجابياته والفبركة لغاية في نفس يعقوب! التظاهر بالامانة والنصح والكذب بالأفعال، فن من فنون النفاق الاجتماعي، وهل يستطيع من انتفت من طقوسه الحقائق على الارض ان يقدم لنا الفضائل التي يدعي ممارستها؟
لا يؤذي وجود الازهار في الحديقة جمال احد، لان رحيقها يدعوا المبدعين الى تمجيد خالقها، ولكن ان تشكـّى منها فردٌ لانه لا يطيق جمالها وشم رائحتها، فهذا يدل على قصر في النظر وعطب في الأنف، شارك الزمان في صناعتها وخلان موائد الخراب في صقلها. فقد قيل عن مشكلة الدميم ( انه يرى في الجمال تحدياً له، ويرى الغبي في الذكاء عدوانا صارخاً عليه، وكذلك الفاشل فانه يرى النجاح ازدراء به... وهكذا)، فهل نلوم اذن من يجاهر بعدائه ويتفاخر بقصر نظره إزاء من هو أنجح منه؟ الصورة البشعة لهؤلاء ان ادوية الحموضة ما عادت تشفي عسر هضمهم للحياة، لان الزمن قد افرز محبطي العزائم واعداء النجاح وخائفي الافكار الجديدة، في صفوف رفوف الاوراق الصفراء وبجدارة.
كل الامم تتقدم، الا الامم التي تسير حقداً وحسداً، واصحابها يستمتعون بالشرب من بئر الجهل. إنَّ الإرتقاء بالسقف الثقافي لاية أمة لا يتطلب الا اصلاحاً للذات، والاقرار بالخطأ للتائهين بين حكايات الليل وبين املاءات النهار الذين يفرخون لنا نماذجاً مشوهة لا تغتفر يومياً. النجاح يجلب استمطاراً مدارياً دائماً من غيوم أعدائها، وهذا طبع سائد في القلوب التي تتعبها رؤية النجاح، والمنذورة بعقدة رؤية الازدهار. الذين يتحدثون عن آلامهم فاشلون، والذين يتحدثون عن آمالهم ناجحون وهذا هو الفرق بين الوهم والصدق، بين من يبقى وبين من يزول، بين من يحتفظ وهو في القبر باعمال خالدة مخلدة، وبين الذين وصفهم السيّد المسيح"بالقبور المزينة" من الخارج والتي تحوي من الداخل على عظام نجسة.
عين الوهم محاولة طمس كربون عوادم سيارات من محركات ذات عقود قديمة لجمالية حضارة زاهرة، او امتهان الضجيج عنوة في أوبريت "خدمة المجتمع" للفت الأنظار للذات الاسيرة الفقيرة في سجون الانا، الثمرة التي على الجميع زراعتها والتباهي بها هي ارض الواقع وساحاته العريضة، وليست هناك اية عصا سحرية تخلق النجاح بدون عمل، وبدون مغادرة مقاعد الكسل. وللمحافظة على رشاقة المجتمع علينا ان نبذل قصارى جهدنا لغرض ترك الاثر الجميل من ورائنا وهذه هي المهمة الاصعب في هذه الحياة التي تشهد صراعاً بين الخير والشر، الصالح والطالح، الطيب والشرير والناجح واعداء النجاح.
متحف الزمان، لا يُخلد المُتراقصين على وهم الذين يظنون انهم خالدون بسبب ذاتهم المنتفخة بـ"حب التظاهر" لان عامل المستقبل الذي يتبجحون به متعطل فيهم والى الأبد، ولا يخلد الزمان ايضاً من استعار ألسنة الناصحين أو استأجر ثياب المحبين أو ركض وراء قطار المحسنين، بجرة قلم.
من ثمارهم تعرفونهم قالها السيّد المسيح له المجد، مرة وأعقبها بالقول:" هل يجتنون من الشوك عنبا او من الحسك تينا هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة، واما الشجرة الردية فتصنع اثمارا رديّة". الشجرة المثمرة واضحة الثمار والمعالم ولن يضرها حصى صغيرة تصدر من مستنقع وحل، وان النجاح كنجاح لا يتطلب شهادة من اعداء النجاح والحاقدين الذين لا طاقة لهم للحاق بالنجاح الا بالتحاف كلمات فارغة، والذين لاهم لهم الا اقتناص كل ما هو نبيل، ارواءً للعقد التي يتهزمون منها، بنجاح. ومهما قالوا وسيقولون لكنه قافلة النجاح تمضي إلى بر الامان لان دقيقة الحق اقلها كثير.
في متاهات الحياة، كم من افراد مروا وزالوا وتركوا لنا اكوام من رمال الاثر، يتطاير بحوافر الجياد نحو البحر.
طوبى لمن أبى ان يسير الا مع بصمة الدهر.
- - - - - - - - - - - - - - - - -
* احمد شوقي