انانية الانسان وغروره يحجبان عنه، في الكثير من الاحيان، رؤية الحقائق والاعتراف بها الا في حالة تحقيق مصلحة شخصية او اكتساب منفعة ما، وبما اننا نعيش في مجتمع يربي اجياله على تقديس ( الانا ) فان الحقيقة تبقى مطمورة في اغلب الاحيان وفي نفس الوقت وعلى العكس من ذلك فان التملق وتمجيد الاخفاقات لسيادة السلطان هما شيمة المتثقفين ( وليس المثقفين ) للاقتراب من اصحاب السلطة وتحقيق بعض المكاسب والمصالح الشخصية، وبذلك فان ما يضاف من المال الى الرصيد وما تتنعم به النفس من فتات الاسياد هو المعيار الرئيسي للانتماء وتحريف الحقائق او السكوت عنها.
التغيرات السياسية التي حدثت في العراق بعد 2003 كانت مأسوية على المسيحيين فقتل من قتل وهجر من هجر وعانى التهميش والاقصاء والتمييز العنصري والديني من بقى في الوطن، لكن رغم ذلك كانت الانتهازية هي الغالبة والطاغية في التعامل مع هذه المأسي، فاسست منظمات خيرية ومدنية واحزاب قومية ومجالس وهيئات ووووو هدفها الاول والاخير هو الذات والاغتناء اللاشرعي على حساب هذه المأساة وتداعياتها الانية والمستقبلية، وبما ان التعميم يعني حرق الاخضر واليابس معا، ويعني ايضا وضع الاخيار والاشرار والخونة والمخلصين معا في سلة واحدة وهذا اكبر ظلم ومنافي لكل المبادىء الانسانية والدينية لذا علينا ان نكون منصفين بحق من قدم لنا يد المساعدة في الايام السوداء ومن خدم قضيتنا ولا زال يخدمها بعيدا عن الانتماءات والمنافع الشخصية.
لست بصدد تعظيم وتقديس احد ايا كانت رتبته الدينية وايا كان منصبه الحزبي والحكومي، لكن لا امانع ابدا من الثناء على ايجابيات وانجازات وخدمات الاخر التي فيها منفعة عامة اكثر من منفعة شخصية، لذلك لا يخجلني ابدا ان ابرز اعمال الغير التي فيها خدمة لابناء شعبنا.
في يوم الاثنين المصادف 4 شباط 2019 تم افتتاح مجمع ماكفني السكني الخيري من قبل سيادة المطران مار بشار متي وردة، والذي يضم دار البابا فرنسيس لرعاية المسنين بسعة 40 غرفة مع كافة المرافق الخدمية ذات العلاقة و 80 شقة سكنية للشباب المتزوج حديثا لمساعدتهم في سنوات زواجهم الاولى، لكن الغريب في الامر ان هذا الحدث استقبل من الكتاب والمثقفين والسياسيين والحزبيين والنشطاء القوميين وغيرهم بصمت مميت وكأن الامر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، وهذا جدا طبيعي بالنسبة لاشخاص لا يعرفون من الشعب وقضيته سوى ما يدخل جيوبهم او يبجل اسمائهم، لذلك نلاحظ مئات المقالات التي تمجد القائد الاوحد وتمدح اخفاقاته ومئات اخرى تتناطح على التسمية ومئات اخرى تذم وتحتقر وتستخف بشخصيات دينية وقومية تعمل بكل جهدها لايصال سفينتنا المتهالكة الى بر الامان، ولا نسمع كلمة واحدة تقال بحق العظماء من ابناء شعبنا.
هكذا مشاريع واعمال خدمية، بغض النظر عن الجهة المنفذة والاشخاص الداعمين لها ايا كانت انتماءاتهم الدينية والحزبية والقومية، تحتاج الى الف وقفة ووقفة ومليون كلمة شكر ومئات مقالات المدح والثناء لمنفذيها والقائمين عليها، لسبب بسيط الا وهو انها اسست للمنفعة العامة، اي ان المستفيدين منها هم شريحة من المجتمع ( وهذه الشريحة هم العجزة والمشردين بالنسبة لدار المسنين والشباب المتزوج حديثا بالنسبة للشقق السنية ) وليس هناك اية منفعة او مصلحة شخصية للقائم بها، لكن كيف لنا ان نسمع كلمة حق ما لم يتنعم الاتباع بالفتات لان كل حرف وكل كلمة عندهم يجب ان تكون مدفوعة الثمن.
شكرا والف شكر لسيادة المطران مار بشار متي وردة على عمله الخيري هذا والف شكر لكل من مد ويمد يد المساعدة لشعبنا.....