رحل بمجد "سفير الحضارة النهرينية "

 ملاحظة: المقال بالاصل كلمة القيتها في اربعينية الراحل ..

نأبن معا في هذا المساء الحزين وبقلوب يعصرها الألم والانين وحناجر تملؤها الغصة وعيون تفيض بالدموع والذهول،  لرحيل شخصية اكاديمية  فذة و رصينة  من ابناء شعبنا، الا وهو الراحل الكبير الملفونو البروفيسور أفرام عيسى يوسف السناطي، الذي وافته المنية الغادرة في باريس في 3 تموز من هذا العام،  رحل عنا الأبن البار لوطنه العريق بيث نهرين و لقريته الزاهية سناط ( أسنخ).

أن  فقيدنا الغالي  اضافة الى غزارة علمه ومعارفه وعطاءه الكبير تميّز أيضا بدماثة خلقه تجسدت في تواضعه و وداعته ونقاء قلب وزهده  وصبره و بشاشته و محبته للجميع.

عزيزنا افرام نحن  نعلم جميعا ان روحك النقية سوف لاتعرف طعم الراحة والطمأنينة ما لم يتدثر ويوارى جسدك السبعيني الذي فتك به المرض العضال بتراب وثًرى و طنك "بيث نهرين" ومالم يشعلوا اهلك السناطيون الشموع و"البسما"من حول ضريحك، ومالم تتلى صلات الموتى (العنيذ بالسورت) على قبرك، ولكن ايها الحبيب لقسوة الاقدار أحكامها.

 ان فقيدنا العزيز، قد أحب الى حد العشق حضارة بلاده العريقة بكل مفرداتها التاريخية وشواخصها الحضرية ومدنها ومشاهيرها وفلاسفتها ومترجموها، إذ كان يُنقب ليل نهار كراهب متعبد في محراب البحث والتدقيق في بطون الكتب والمخطوطات وفي خزائن المكتبات نافضاً عنها التراب، ليكتشف من جديد سر جمال وعظمة الحضارة النهرينية  و نقل جمالها وأنجازاتها و ثقافتها الى العالم، انطلاقا من فرنسا "انيقة أوروبا و بريقها". إذ سطر كل ذلك في مؤلفات رصينة باللغة الفرنسية و ترجم العديد منها الى اللغة العربية والتركية.

 يعد الراحل بحق  أحد  اعمدة  الموثقين لتاريخ و ثقافة وحضارة بلاد النهرين،  ويستحق  وبجدارة  لقب "سفير الحضارة النهرينية  عبر العالم ". كنا نعتقد ان زمن الفلاسفة والمترجمون السريان ومكتبة الحكمة قد انقضى منذ القرن الثاني عشر الميلادي وغزو هولاكو لبغداد، إلا انه و بإنجازاته اثبت بطلان اعتقادنا إذ جدد تشييد الجسور الثقافية والمعرفية بين حضارتنا الشرقية النهرينية و الحضارة الغربية، بجهود فردية مضنية تعادل عمل مؤسسات كبيرة، آملا ان لا يكون الاخير في هذا المضمار الهام.

كان الراحل راهبا ناسكا في صومعة العلم والمعرفة وطموحا بمشاريعه إذ كان يتوق لأنشاء مركز للدراسات والبحوث الشرقية في الوطن ليكون مكتبة مفتوحة امام الدارسين و الباحثين وتعهد بان يجلب وبجهوده الشخصية كل ما كتبه المستشرقون عن حضارات العراق العريقة  لهذا المركز، فقط كان ينتظر من يوفر للمركز بناية مناسبة الا ان ذلك لم يتحقق .. كذلك كان يطمح ان يؤسس دارا للترجمة في الوطن ايضا .. اذ لم يتم تحقيق ذلك ايضا.

 رحيله  يعتبر خسارة كبيرة للمشهد الثقافي والتوثيقي لحضارات العراق العريقة، وكان الراحل عضوا فاعلا في اتحاد الادباء والكتاب السريان  ومشاركا ومؤازرا لنشاطات الاتحاد و متواصلا معه من خلال  استضافته في محاضرات قيّمة و نشر بحوثه ودراساته في دوريات الاتحاد، كذلك شارك في تاسيس العديد من الجمعيات و مراكز بحوث  الثقافية في فرنسا و استراليا و تركيا،اذ نال العديد من التكريمات منها نيله وسام الادب السرياني عام  2007 ، ومؤخرا تم تكريمه من قبل بلدية باريس تثمينا لجهوده الثقافية في اغناء المكتبة الفرنسية بتراث و تاريخ الحضارة النهرينية. ايضا شارك وأنجز العديد من المؤتمرات الدولية التي تخص حضارة شعبنا، منها مؤتمر نصيبين الدولي في تركيا... وفاء  للجهود الحثيثة والعمل الهائل الذي بذله الراحل في نقل تراث و الارث الحضاري النهريني الى الغرب الاوروبي والتعريف به بابهى صورة، نناشد ومن هذا المنبر الجهات ذات الصلة الرسمية والمدنية والثقافية،  العمل على تبني مشاريع انشاء مركزا للبحوث والدراسات الشرقية و دارا للترجمة، واعادة طبع مؤلفاته وترجمتها الى العربية والسريامية و الكردية، ونقترح ايضا أن يُنشأ له تمثالا أو نصبا في بلدة زاخو، و ان يتم تسمية قاعات أو مكتبات اكاديمية باسمه، و خاصة في قسم اللغة السريانية في جامعة  صلاح الدين في اربيل، وان تنظم مؤتمرات باسمه تخص الدراسات السريانية والشرقية... وأخيرا اقول يا عزيزنا أفرام انظر بروحك النقية الى من احتشدوا هذا المساء بهذه القاعة المهيبة من اهلك و أقربائك و اصدقائك ومحبيك الذين جائوا من سناط ، دهوك ، اربيل ، زاخو ، عنكاوا ، والمهجر والشتات،  ليعانقوا روحك النقية، ويجددوا لك عهد الوفاء وليقولوا لك ستبقى ذكراك حية محفورة في القلوب كالواح سومر، وسيفوح عطر روحك من كتبك ومؤلفاتك ومن تراب وطنك وبلدتك سناط، وفي الختام لا يسعني الا أن نعزي أنفسنا ونعزي عائلة و أهل وأقرباء و اصدقاء ومحبي الراحل الكبير بهذا المصاب الجلل ، راجين لهم الصبر والسلوان والعزاء، و راجين لروحه الطاهرة  الجنة ونعيمها. شكرا لأصغاءكم.

روند بولص كوركيس / رئيس اتحاد الادباء والكتاب السريان/ عنكاوا / 10 آب 201