(* افتتاحية العدد الجديد من مجلة الأفق "أوبقا")
لا شك أن الفترة الماضية التي مر بها شعبنا العراقي بمختلف مكوناته كانت، ولعدة أسباب في مقدمتها الإرهاب، صعبة وقاسية ألقت بظلال قاتمة وفي جوانب عدة على شرائح واسعة من أبناء البلد ومنهم أبناء شعبنا المسيحي الذي ربما شهد فيها من المعاناة ما لم يشهده في تاريخ العراق المعاصر منذ مذبحة سميل 1933.
واليوم.. وإذ بدأت الغمة بالزوال، فإن تبعاتها وخسائرها كانت كبيرة معنويا ونفسيا وماديا، ولا بد من معالجات هامة وجذرية للتخفيف من وطأة هذه التبعات.
يقول المخلص: "من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني.. مر 8 : 34".
وبتفسير وفهم بسيط لهذه المقولة: "من أراد السير في طريق الخلاص فلينكر الزوائل الفانيات، متحملا أيضا بعض الضيق والمعاناة.. فيبلغ الخلاص".
ويقول أيضا: " كونوا واحدا.. يو 17 : 21"، ومعروف هو مبدأ: "في الوحدة قوة وفي الفرقة ضعف".
إنه مدخل لما نريد قوله هنا بشأن نكران الذات والوحدة، كأهم سبل المعالجة:
إذ.. ودون التعاطي المباشر بالضرورة، مع الشأنين القومي والوطني "السياسي"، إنما انطلاقا من حقيقة تلاقي الهويتين الإيمانية والقومية في محاور عدة، ومن حقيقة أن الكنيسة ليست المباني والجدران إنما مجموعة المؤمنين، وكذا المؤسسات المدنية كالأحزاب والمنظمات إنما هي بالأعضاء "الجماهير"، نود التأكيد مجددا على بعض سبل معالجة سلبيات واقع شعبنا اليوم، وما آل إليه الحال الذي يرى البعض أنه لا يسُر وقد لا يُبشر بمستقبل واعد مشرق آمن، لا سيما في ظل النزوح الداخلي وآثاره، ومن ثم نزيف الهجرة المتزايد وقد صار جرحا فاغرا خطيرا في جسد شعبنا لأسباب عدة تأتي الأعمال الإرهابية في مقدمتها، فضلا عن باقي العوامل ومنها طبيعة المواقف الإقليمية والدولية، والتقاطعات الحاصلة في مواقف ورؤى أصحاب القرار في البلد، وانعكاساتها على حاضره ومستقبله، يرافق ذلك حالة الفردية والتشتت التي تعيشها مؤسسات شعبنا.. الكنسية منها والقومية على حد سواء، ما أدى بالإنسان المسيحي إلى الشعور بالوحدة والغربة، وقد صار كالتائه في هذه الدوامة دون سند أو دعم.. وبالتالي فقدانه الثقة بما حوله من مؤسسات مختلفة، ومن ثم التفكير باللجوء للمهجر.
فلا يكون عندنا، والحال هذه، إلا أمل نكران الذات بصدق.. وتغليب المصلحة العامة بإرادة حقيقية، وصولا للوحدة التي لا نعني بها بالضرورة الاندماج.. إنما على الأقل توحيد الموقف والخطاب والرؤية والجهود، من أجل تشكيل ثقل ووزن أكبر لشعبنا ومطالبه أمام الفرقاء في الوطن وأمام المجتمع الدولي "ورقة المطالب المقدمة مطلع آذار 2017 نموذجا، لكن مع
المتابعة والتواصل على هذا النهج".
فمع نزيف الهجرة المستمر حتى لمن لم يعاني من مخاطر الإرهاب.. كيف ستتمكن المؤسسات الكنسية والمنظمات السياسية والمدنية من إدامة وجودها في الوطن ومن ثم مواصلة مسيرتها ورسالتها؟!.
أفلا يكون تشتت أبناء شعبنا في بلدان المهجر، وللأسباب التي أشرنا إلى بعضها هنا، عاملا هاما يؤدي بالتالي إلى تشتت في مقومات الوجود والهويتين؟.
قلناها سابقا ولمرات عديدة، إن التحدي أمامنا اليوم في الوطن صار يتعلق بالوجود والهوية قبل تعلقه بالشراكة والحقوق بمختلف محاورها. وحيث أن ما يجمعنا "في كلتا الهويتين".. أكثر بكثير مما يفرقنا، لا سيما والمرحلة الراهنة مفصلية ومصيرية. عليه فإن الرئاسات والقيادات.. الكنسية والقومية السياسية، تتحمل اليوم أكبر مسؤولية تجاه أبناء شعبهم في الوطن، وبالتالي.. لا بد من الارتقاء إلى حجم هذه المسؤولية، والشعب يراقب ويتأمل، والتاريخ سيوثق للأجيال القادمة.
ووحدة الموقف والرؤية والجهد.. في مقدمة سبل المعالجة. ونكران الذات في مقدمة أسس هذه الوحدة.. فإما نكران الذات، أو لاحقا.. البحث عنها!.